أطول تحقيق مع الجنرالات اللبنانيين وغداً للسوريين
إيلي الحاج من بيروت: تحركات بعض السياسيين في لبنان كانت غريبة بعض الشيء في ما مضى من ساعات ، كما خططهم للتحرك في قابل الأيام.
النائب السابق ناصر قنديل على سبيل المثال، عاد إلى منزله قبيل منتصف ليل الخميس – الجمعة بتوقيت بيروت من مقر لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في أحد فنادق منطقة المونتيفردي الجبلية القريبة من العاصمة، مع أن التحقيق معه بدأ الساعة العاشرة قبل الظهر، وفقاً لمذكرة استدعاء تسلمها في اليوم السابق.
ويقول من يعرفون ناصر قنديل منذ زمن أن الرجل لم يعد هو نفسه منذ إطلاقه مع منعه من السفر بصفته مشبوهاً، فقد قلّ كلامه، وكان كثيره بطعم وبلا . بات بحزن يجيب من يسأله بأنه لا يمكنه التحدث في المواضيع التي يتناولها التحقيق معه. يتطلع إلى زائره ويعتصم بالصمت. المتوهج في ما مضى بات مُطفأً.
المحققون وميليس: المونتيفردي ودمشق
هذا في بيته الذي يلزمه عادة ليبتعد عن الناس، أما في محلة المونتيفردي فالقنديل كان يواجه خلال الساعات الطويلة في حضور المحققين، قائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان وشهوداً آخرين ومدنيين عسكريين، ربما كان بينهم أيضاً المدير العام السابق للأمن العام اللواء جميل السيد ورئيس جهاز استخبارات الجيش العميد ريمون عازار اللذين استُجوبا بدورهما أكثر من 10 ساعات، طلب في أثرها عازار نقله إلى مستشفى بدل الزنزانة.
المحققون كانوا يوجهون إلى قنديل وإلى حمدان وسائر الضباط والشهود فيضاً من الأسئلة. ثقلاء المحققين إلى أي جنسية انتموا.تروي إشاعات في بيروت أن قنديل متورط في اتصال بأحدهم من مبنى البرلمان وإبلاغه أن الحريري غادر المكان ليستعد قتلته لارتكاب فعلتهم، والأرجح أنها إشاعات أُطلقت بين الناس زيادة في تشويه سمعته، فالقتلة لا يحتاجون إلى نائب لهذه المهمة التافهة، ولو كانت صحيحة لما كان المحققون الدوليون ليتركوه طليقاً . تذهب الأقاويل أيضاً إلى أنه كتب تقريراً أو أكثر حض فيه على التخلص من الحريري في أسرع وقت، بأي طريقة، بأي ثمن . كما يُقال أنه حضر اجتماعاً أو اجتماعات كان الحريري موضوعها وطُرح فيها خيار اغتياله...
وكان المحققون الدوليون استجوبوا الثلاثاء الماضي "رجل الأعمال" ابراهيم شرارة، أحد القريبين من المسؤول السابق عن الاستخبارات السورية في لبنان العميد رستم غزالة، وركزوا أسئلتهم على الشقة والتي يُعتقد انها استخدمت في التخطيط للجريمة في حي معوض بالضاحية الجنوبية، وعلى علاقة ضباط الاستخبارات السوريين وغزالة خصوصا ببنك "المدينة" الذي ثارت حوله فضيحة سياسية – مالية كبيرة .
الثابت في أي حال أن اللبنانيين الذين يديرون آذانهم لهذه الإشاعات والأقاويل يتعبون أنفسهم بلا جدوى . في النهاية ما من مكتوم إلا سيعلَنه الذئب الألماني الأبرص ديتليف ميليس الذي ينتقل غدا من نيويورك إلى دمشق ليستجوب أربعة ضباط من رجال الرئيس السوري بشار الأسد هم : غازي كنعان، أحد القريبين منه محمد خلوف، صهر الأسد آصف شوكت، وحسن الخليل. أما الضابط رستم غزالة فسيتركه لمرحلة لاحقة.
لحود والحريري : إلى نيويورك
كان غريبا أيضاً إعلان زعيم "تيار المستقبل" نجل الحريري النائب سعد المرابط في باريس أنه سيتوجه إلى نيويورك مطلع الأسبوع المقبل ليقابل رؤساء الدول وقادتها على هامش افتتاح أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة وقمة إصلاح المنظمة الدولية، في حين يتأكد ساعة بعد أخرى أن هؤلاء لن يلتقوا رئيس جمهورية لبنان إميل لحود المصرّ على الذهاب إلى نيويورك رغم كل شيء. والأرجح أنه سيواجه هناك موقفاً أسوأ من الذي عاشه في المغرب عند تشييع الملك الراحل الحسن الثاني. تلك الأيام كان لحود يضطهد الرئيس رفيق الحريري، بالأحرى ينكل به ويسجن أركانه ويفلت أجهزته الأمنية والقضائية على أعضاء فريقه بعدما أخرجه من رئاسة الحكومة. حضر الرجلان التشييع الملوكي، كان في المقدمة الرئيسان الأميركي بيل كلينتون والفرنسي جاك شيراك ودعوا الحريري إلى أن يرافقهما، فتسلطت عليه كل كاميرات العالم. أما لحود فكان في الخلف البعيد أكثر من مستاء، بدليل إطلاق إعلامه حملة على الحريري في اليوم التالي اتهمه فيها بتقصد النيل من رمز البلاد. لم يكن الحريري إلا نائباً ورئيس حكومة سابقاً في تلك الواقعة لكن ثقله لم يكن في موقعه اللبناني . ابنه اليوم نائب وسيراود لحود في نيويورك شعور أسوأ مما في الرباط . وها هي وزارة الخارجية اللبنانية تبلغه أنها تبلغت سحب دعوة كانت موجهة الى فخامته للمشاركة في حفل الاستقبال الذي تقيمه الأمم المتحدة لنحو 170 من رؤساء الدول وقادتها، فيما تبقى الدعوة الموجهة الى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة قائمة، إذا عدل عن رأيه وقرر السفر إلى نيويورك، ولن يعدل. ووجود ابن الحريري سيزيد شعور الرئيس بالعزلة. يصح تماماَ لبعض الحالات المثل اللبناني المحلي: "من خلف ما مات".
فوق لا مبالاته بالعالم والأمم، يثير الدهشة لحود بأعصابه الفولاذية وابتساماته الواسعة كأن لا مفتشين دوليين يحومون في غرف قصر بعبدا بحثاً عن فريسة أخرى. أغداً ألقاك؟ بالأمس استجوبوا نائب قائد حرسه وصديقه الموقوف، العميد خليل المسنّ والمسؤول عن الأمن في القصر العقيد فادي غريّب حول مستندات كان حمدان يضعها تحت عنوان "سرّي جداً"، تتعلّق بزوار القصر الجمهوري خارج المواعيد الرسمية. [ نحكي عن محققين دوليين في مهمة تفتيش داخل القصر الجمهوري في بعبدا وليس بغداد . بعيد الشبه ].
عون في الليل
ويبدو أن الأزمة المتفاقمة والميل الذي أبداه مجلس المطارنة الموارنة إلى إلتخلي عن لحود دفعا زعيم "التيار الوطني الحر" النائب ميشال عون إلى الإنتقال ليلاً من منزله في الرابية إلى مقر البطريرك الماروني نصرالله صفير في بكركي للتباحث والتداول. وعندما أذيع النبأ اعتقد الناس أن ثمة طارئاً استدعى هذا التحرك ، خصوصاً أن صفير لا يستقبل زواراً في الليل عادة، ليتبين لاحقاً أن عون لم يعد يتنقل في النهار لأسباب أمنية. صعب أن تصيد متفجرة موكباً مندفعاً ومموها في الظلام. واعترف الرجل في حديث على الأثر بأن موقع رئاسة لحود مهتز، لكنه أضاف أن الدولة اللبنانية ككل مهتزة كذلك. وعندما سئل عن سفر لحود إلى نيويورك أجاب:
"لو كنت الآن في موقعه لا أترك البلد ولتابعت الاوضاع الداخلية اكثر من التوجه الى الاوضاع الخارجية".
ووضع عون مواصفات لرئيس الجمهورية الذي سيخلف لحود تنطبق عليه، وفق الصورة التي يرسمها لنفسه: "لن يكون رئيساً ألعوبة أو موظفاً، بل رئيسا له صفات الرئاسة والقيادة والاخلاق ( ...) ومصير الرئاسة يحسم بالتوافق على أناس قادرين على تحمّل المسؤولية".
وكان "التيار الوطني الحر" وزع مذكرة عبر شبكة الإنترنت على مسؤولية في القارة الأميركية وأوروبا وأوستراليا وكل بلدان الاغتراب اللبناني خلال عطلة نهاية الاسبوع الماضي (السبت والأحد في الغرب) جاء فيها : "بعد الأحداث الأخيرة التي شهدها لبنان، على صعيد التحقيق الدولي في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتوقيف الجنرالات الأربعة قادة الاجهزة الامنية السابقين، ومع تصاعد الحديث عن تغيير في رئاسة الجمهورية، يُطلب من قادة التيار وأعضاءه وأنصاره التحضير، كل من خلال مجال نفوذه، والسعي إلى التأثير في عملية اختيار رئيس للجمهورية اللبنانية".
تضيف المذكرة: "لقد قرر التيار ان يرشح لهذا المنصب قائده الجنرال ميشال عون على قاعدة برنامج الاصلاح والتغيير وبناء لبنان الجديد على قاعدة علمانية لا طائفية. إن المجموعات المؤيدة لعون وخصوصا في عواصم القرار- باريس وواشنطن ولندن وعواصم غربية أخرى - مدعوة إلى مباشرة اجتماعات للتنسيق ووضع برنامج عمل يتضمن اعادة تفعيل الاتصالات مع مواقع اتخاذ القرار في فرنسا والولايات المتحدة وتعزيز الاتصالات القائمة، مع التركيز على تعزيز العلاقات مع النواب الاميركيين والفرنسيين كي يضغطوا بدورهم على الادارات المقررة لدعم ترشيح الجنرال.
وتركز المذكرة في الختام على أهمية تأليف فريق عمل في كل بلد كي يتولى تنسيق الاتصالات بين "اللوبيات" اللبنانية المتنوعة ومركز التيار الرئيس في لبنان.
ستريدا جعجع : الأسباب الأمنية
أما التحرك الأغرب أمس فكان للنائبة ستريدا جعجع التي أعلن مكتبها أنها غادرت لبنان إلى الخارج "لأسباب أمنية"، من دون أي توضيح. علماً أنها كانت أعلنت قبل ساعات عزمها على المشاركة الأحد المقبل في مناسبة إحياء ذكرى أفراد "القوات اللبنانية" الذين سقطوا في الحرب في حريصا، وكان مقرراً أن تلقي فيها كلمة وتستقبل مسؤولين وسياسيين. ويجمع من يعرفون وضع "تيار القوات اللبنانية" على أن أسباب مغادرتها غير التي أعلنت، ويرجحون صلة لهذه الأسباب بمواقف اتخذتها خلال حضورها العابر، أقل ما يُقال فيها أنها لا تفيد التوجه الذي يُنقل عن زوجها قائد "القوات" سمير جعجع أنه سيعتمده بعد عودته للملمة صفوف أنصاره.
التعليقات