حملة مشددة للداخلية في بلد يعشق أهله الفوضى
اللبنانيون يتأففون من ضبطهم يخالفون قوانين السير

إيلي الحاج من بيروت:يكمن شرطي سير في بيروت عند مفترق ويلوح لبعض السيارات الآتية كي تصطف في طابور، بينما ينهمك زميل له في كتابة محاضر ضبط بالمخالفات يطلب من السائقين توقيعها. والمشهد عادي يحصل في اي بلد لولا أن الشرطي يتأفف بعد ساعات من ضغط العمل في مطعم مجاور عند مدخل شارع الحمراء، يلتهم فيه سندويشاً بينما عيناه تراقبان quot;طرائدquot; سيارة أفلتت من عقابها. ولدهشة الموجودين في المكان يقول إن عدد إجازات السوق التي حجزها ذلك اليوم بلغ 350. وتعود هذه الظاهرة غير المألوفة في لبنان إلى قرار أصدرته وزارة الداخلية ومهدت له عبر وسائل الإعلام يقضي بالتشدد في مكافحة مخالفات المرور بعدما بلغت الحوادث التي توقع قتلى معظمهم من الشباب أرقاماً قياسية. في هذا ما يبرر التدابير الصارمة في حق سائقين غالباً ما لا يلتزمون التوقف عند الإشارات الحمراء ، ويسيرون أسرع من الصواريخ على الطرق الواسعة ، لكن تطبيق القرار لم يخل من شوائب.

وقال أحد السائقين لـquot;إيلافquot; بعد تسجيل ضبط في حقه إنه كان يقود متمهلاً على طريق سريع ولا يعتقد أنه تجاوز السبعين كيلومترا في الساعة، لكن شرطي المرور أبلغه أن كاميرا المراقبة التقطت صورة سيارته وكانت بسرعة 81 ك/س في حين أن المسموح به هو 80 ك/س. وسجل في حقه محضر ضبط بقيمة 50 ألف ليرة ، أي 30 دولاراً تقريباً وحجز إجازة سوقه . وأضاف الرجل متعجباً أنه لم ير كاميرا مراقبة على الطريق ، كما أن سيارات تجاوزته قبل أن يوقفه الشرطي كانت تسير بسرعة هائلة ولم توقف عند الحاجز ndash; الكمين. وشكا أنه سيضيع فوق الخمسين ألفاً نصف نهار عمل لاستعادة إجازة السوق.

شرطي يحرر محضر ضبط بمخالفة في بيروت- خاص إيلاف

لكن الضابط المسؤول عن الحاجز أوضح لدى سؤاله أن quot;الرادارquot; ndash; كما يسمون كاميرا مراقبة السير في لبنان- كان موضوعا في سيارة مركونة إلى جانب الطريق. وأن شرطيا في السيارة يبلغ الحاجز أمامه لاسلكياً بنوع السيارة التي يكون الرادار قد ضبطها متلبسة بالجرم، وكذلك بلونها من أجل وقفها. ولا يعدم اللبنانيون الذين يعشقون الفوضى وسيلة لتبرير مخالفاتهم قانون السير وقواعده البديهية.

فعند حاجز آخر بدت سيدة في سيارة فخمة بغاية الإرتباك وهي تحاول التوضيح للشرطي أنها تلقت عبر هاتفها النقال إتصالاً من الخارج فردت عليه وكانت تفتش عن مكان تركن فيه السيارة من دون أن تقطع حركة السير عندما فاجأها طالباً أوراقها. لكنه لم يتجاوب واضطرت إلى توقيع المحضر وتقديم إجازة سوقها التي احتفظ بها الشرطي. وفي سيارة أخرى خلفها كان رجل يوضح عبثاً أنه انطلق بسيارته من مرأب يبعد 30 متراً فقط وكان يهم بوضع حزام الأمان عندما مرّ قربه شرطي على دراجة وطلب منه التوقف خلف السيارات المنتظرة عقوباتها عند كوع في شكل زاوية، لا يتيح للآتي معرفة ما خلفه.

وكان ثمة أيضاً رجل يحاول إقناع شرطي بأن استخدام حزام الأمان مؤذٍ، على عكس ما تروج له وزارة الداخلية وما يعتقده بقية الناس، ويروي له أن شاحنة اجتاحت سيارته بينما هو يقودها ولم يصب بأي ضرر لأنه ارتمى على المقعد الذي بجانبه ، ولو كان مربوطاً في مقعده لكانت الشاحنة حطمته، وقال إنه منذ ذلك الحادث أصبح عدواً لحزام الأمان. لكنه امتثل في نهاية الأمر ووقع المحضر وانطلق في طريقه من دون إجازة سوق ، بمهلة عشرة أيام يصبح بعدها ملاحقاً لدى السلطات إذا لم يدفع الغرامة .

وفي مركز دفع الغرامات حيث يتهافت عشرات السائقين لاسترجاع إجازاتهم، قال شرطي ساخراً: quot;ليت الدولة تطلق حملة بهذه الحماسة للقبض على (زعيم تنظيم quot;فتح الإسلامquot; الفار) شاكر العبسي وبقية الإرهابيينquot;. ويلاحظ السائر على طرق لبنان أن الحملة بدأت تعطي ثماراً إيجابية ونسبة الفوضى تراجعت في شكل ملحوظ . لكن بعض اللبنانيين الميالين بطبيعتهم إلى الفوضى يتهم الدولة بأن غايتها من الحملة جني المال للخزينة ليس إلا.