إحدى عشرة كنيسة عراقية دمرها الإسلامويون الغرباء عن أرض العراق تدميرا كليا أو جزئيا منذ آب أغسطس الماضي، راح ضحيتها في المرة السابقة عشرات القتلى والجرحى من الناس الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مسيحيون لا يدينون بدين القتلة، مما يبعث على التساؤل عن أسباب هذا الحقد الأبدي الشرس الذي يتقيح في قلوب وضمائر هؤلاء الإسلامويون الدخلاء، ضد كل من لا يستبدل دينه، ويدخل في دينهم، رغم إقرارهم الظاهري المخادع، بالديانات السماوية، وادعائهم المزعوم بحق أصحاب هذه الديانات السماوية - ذات الأسبقية – في الحياة. ورغم تبجحهم بأنهم يؤمنون أن لا إكراه في الدين. فكل أفعالهم وأعمالهم تؤكد أنهم في جهد دائم - حين تواتيهم الفرصة - لفرض دينهم على الآخرين بالقوة والإكراه، وإلا فالموت أو الهروب من الأرض والموطن الأصلي عقاب كل من لا يخضع لرغباتهم، إلا إذا دفع لهم صاغرا، إتاوة دورية جارية دائمة، فيُسمح له ذليلا الاحتفاظ بدينه، وهم بهذه الطريقة إما أن يأخذوا حياته، أو يستولوا على أرضه وأملاكه، أو على جهده وتعبه وعرقه فيتحول لعبد من عبيدهم، أو جارية من جواريهم، ومع ذلك يتبجحون بالعدل والرحمة والمساواة وطاعة ومحبة الله، ويعيبون على الغزاة الأمريكيين أنهم قتلوا الهنود الحمر السكان الأصليين للأرض الأمريكية لإجبارهم على مغادرة ديارهم وأراضيهم، ويعيبون على جنوب أفريقيا (سابقا) قوانين الفصل العنصري التي أقامها الغزاة البيض ضد السكان الأصليين، وكأن هؤلاء الإسلامويون أكثر رحمة ورفقا بالسكان الأصليين من أولئك الغزاة، أو أقل تمييزا، وبطشا وفتكا وتقتيلا وتهجيرا.
أين سيذهب هؤلاء المسيحيون (المنبوذون)، وهم من سكان العراق الأصليين؟ مَنْ مِن دول الجوار سوى سوريا يقبل أن يفتح حدوده مباشرة في وجههم؟ هل تفعل ذلك إيران؟ أم السعودية؟ أم الكويت؟ أم تركيا؟ خاصة وأن الهجرة إلى الغرب غير ممكنة بشكل شرعي.
كم من الوقت ستستغرق إجراءات الحصول على تأشيرات الدخول لهذه الدول، وإيجاد كفيل، إن قبلت دول الجوار أن تدرس موضوعهم، وترأف بحالهم؟ وهل تقبل هذه الدول أن تعيلهم وتساعدهم، إن لم يستطيعوا إيجاد عمل يؤمن لهم الحدود الدنيا من الحياة الكريمة.
من يحمي هؤلاء المسيحيين في وطنهم الذي أصبح بقاءهم فيه لعنة عليهم، بل موتا لهم؟ وهم أصحاب الفضل الأكبر في بناء النهضة العلمية الإسلامية بما ترجموه ونقلوه في مجالات الفلسفة والطب وبقية العلوم.
لقد شكل مسيحيو الشرق عامة على مدى العصور الإسلامية، اللبنة الأساسية في بناء النهضة الإسلامية، كما كانوا ركنا أساسيا في نشر الوعي القومي العربي، الذي كان له الأثر الأكبر في تعاضد وتكاتف الناس لطرد المحتل العثماني من الأراضي العربية، كما ساهموا بشكل فعال وملحوظ في التصدي لمحاولات العثمانيين لتهميش اللغة العربية و(تتريك) المدارس، ولولا جهودهم المميزة في هذا المجال، لكان حال اللغة العربية في ذلك الوقت بالبلدان العربية، كما هو حالها في تركيا المسلمة، إضافة لمساهماتهم الممتازة في الصحافة والمسرح والسينما والشعر والأدب والترجمة والتأليف والنشر، وبقية الفنون.
إن التباين في الآراء يغني الحياة البشرية، ويدفعها نحو التقدم والتطور، وهو مفتاح كل حضارة إنسانية، والفرق العلمي والثقافي والحضاري واضح حتى في شرقنا العربي الإسلامي بين البلدان التي تعايش فيها آراء وعقائد متعددة، والبلدان التي تكرس الفكر الواحد والرأي الواحد والعقيدة الواحدة، وتقمع ما عدا ذلك.

[email protected]