هل أصبح الدين الإسلامي صنو الإرهاب العالمي!؟\

يروق الحديث في هذه الفترة الكالحة من تاريخ العراق المعاصر عن الجرائم المروعة التي تُرتكب في ظل عقيدة دينية شاسعة الأطراف ومتنوعة الملل والنحل كالإسلام. في كل يوم تنبثق عُصبة صغيرة مكونة من شباب مسلمين أغرار تطلق على نفسها عنوانا دينيا من وحي التراث الإسلامي وعقيدته الجهادية هو كالشعار. لكن وسائل الإعلام المختلفة تفضل إطلاق تسمية "خلايا إرهابية" على هذه التنظيمات اليومية ذات الطبيعة الافتعالية، وهذا صحيح إلى حد كبير. تنبثق هذه الخلايا في هذه الدولة أو تلك لتتوجه صوبها الأخبار "العاجلة" وتسلط عليها أضواء أجهزة الإعلام العالمية بعد الانتهاء من تنفيذ عملية تفجير مرفق حكومي أو قطار للركاب أو سيارة مفخخة في أحد الأسواق الشعبية. لقد أصبحت هذه الفرق والجماعات الصغيرة المتناثرة هنا وهناك "مافيا" العقد الأول من القرن الواحد والعشرين و "موضة" تستهوي الشباب المسلم الغارق بالبطالة واليأس وانعدام الفرص الجيدة للحياة الكريمة والمستقبل المضمون أمامه. الانتماء لهذه الخلايا لا يتطلب الدرس والاجتهاد وإعمال الفكر، إذ هنالك من يقوم بهذه المهمة "الشعوذة" نيابة عنه. كل ما في الأمر قناع أسود يضعه هذا الشاب على رأسه وقطعة سلاح يتزود بها من قبل رؤساء المافيا وأمرائها، ثم الوقوف ثوان معدودة أمام عدسة الفيديو ليظهر خلف الصورة الشعار الإسلامي المؤثر على غرار ما نشاهد في التلفزيون عبر القنوات الفضائية هذه الأيام: "جيش أنصار السنة"، "جيش المهدي المنتظر"، "خلايا الجهاد الإسلامي"، "حركة أنصار الإسلام" وهلم جرا.. بعد ذلك يذهب هذا الشباب إلى الموت بعد أن يودي بحياة الكثير من الناس المدنيين الأبرياء في أي زمان وأي مكان لا على التعيين. في هذا السياق يمكننا الإجابة بـ نعم على السؤال الوارد في العنوان. حيث تتبلور يوما بعد يوم ملامح "إرادة" قوية، خفية ومشتركة بين الأقطاب الضالعة في صياغة هذه المعادلة الشاذة، غربية كانت أم شرقية، بتحويل الإسلام من دين سماوي إلى إرهاب أرضي.

حقا أصبح العالم صغيرا في عصر العولمة. لكنه صار كذلك أكثر تفاهة، وربما أكثر جاذبية بالنسبة لنفر شاذ من المتطرفين، لأنه غدا أكثر خوفا، وأكثر "بوليسية" مما كان عليه سابقا. تدنت حقوق المواطن باستخدام حريته الشخصية إلى الحضيض على الصعيد الدولي. يتم ذلك في أكبر وأعرق الدول الديموقراطية في العالم، فكيف الحال بالدول ذات الصفة القمعية أصلا؟ هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين الذي نعيش رعبه المتفاقم كل يوم تم تسجيله في دوائر المخابرات الدولية وأنظمة الحكم والمنظمات الإنسانية الدولية بامتياز بـ "عقد الإرهاب".
ليس ذلك يدخل في باب "الغرائب" أو "العجائب". حيث يمكن أن يحدث في هذه الحياة الدنيا من العجائب والغرائب ما لا يخطر للإنسان على بال. بيد أن المُفجع في الأمر حقا أن يكون "الدين الإسلامي" هو "صنو" هذا الإرهاب الدولي المصاحب لهذا الرعب البشري العالمي الذي يتخذ صفاته الكونية بالتدريج. لربما يُفرح هذا "التطور التاريخي للإسلام" بعض النفوس الضيقة الموتورة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة على صعيد العلم والمعرفة وتطور المدارك البشرية بأبعاد الخلق والكون وماهية الخالق الغامضة في تجلياتها العظيمة. وبالتالي محاولة حصر الإسلام في شكليات مجردة تتخذ من إطالة اللحى وارتداء الحجاب والنقاب وباقي الأزياء الإسلامية المتداولة اختيارا أو بالإكراه عنوانها النافر السلبي داخل المجتمع. لكنه قطعا لا يخدم هذه الرسالة التي تقدم نفسها عبر كتابها المقدس "القرآن" ومن خلال سيرتها النبوية الشريفة كونها رسالة خير ومحبة للبشر. لا يجوز أن تتحول دعوة لاهوتية ذات عقيدة دينية مبشرة للناس بـ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إلى زُمر من القتلة والجهلة وشذاذ الأعراف الاجتماعية والقوانين الوضعية والشرائع السماوية. بيد أن "للجهل سلاطين" إذ ينبري مَنْ له علم قليل بالتشريع الخاطئ المحرف عن أصول الدين والفقه، بتسويغ أفعال القتل وجرائم ذبح الرهائن "الأسرى" للشباب المغرر بهم ومن ثم زجهم في أتون العنف ودوامة القتل. وهنا أختلط الحابل بالنابل كما تقول العرب. ما الذي يمكن أن يجمع عصابات الخطف والنهب والسلب والذبح بشيوخ متعلمين يفقهون بهذه الدرجة أو تلك ببعض جوانب الدين؟ أو على الأقل يُفترض بهم أن يكونوا كذلك، أن يُفتي أحدهم وجوبا بأعمال أولئك الدهماء بلعق السم من رضاب شبح الموت ذبحا ويحلل أعمالهم الإجرامية السافرة بستار من أغطية الدين وشواهد من الذكر الحكيم؟

الأجواء عراقيا..

دوليا، أحتل العراق عنوان الصراع العالمي في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين جراء التغيير التاريخي القسري الذي تم فيه استئصال ورم السلطة الدكتاتورية الخبيث من أحشاء العراق. على مدى هذه السنوات الأربع يتصدر العراق صدارة الأخبار العالمية بسبب وجود الولايات المتحدة الأمريكية على أرضه التي هي بمثابة "قلب الحدث" العالمي. على الأقل حتى هذه الأيام البائسة التي نشاهد فيها الأحداث التاريخية بأعيننا الذابلة من الحزن وقولبنا المدمية بالمأساة. سيكتب التاريخ عنا نحن العراقيين ذلك حتما. "أفغانستان" دولة طواها النسيان في هذا العقد أيضا. إذ لا يوجد أثر لامع لـ (الانتصار التاريخي) في ميادين التدريب. الانتصار التاريخي الحقيقي الباهر يتم أصلا في حلبة القتال الحقيقية. أمام الجمهور وأمام الواقع. عندئذ يسجل التاريخ تلك الواقعة. حلبة الصراع العالمي بجميع أقطابه القوية الراهنة هو العراق. إنه القدر. ليشأ من يقول ذلك. ليس القدر وحده وإنما جميع الأقدار. إنه ـ العراق ـ امتحان أمريكيا الأصعب منذ حرب فيتنام. الدرس بسيط جدا هذه المرة، بسيط للغاية. في فيتنام ساندت أمريكيا الحكومة ضد الشعب. الدافع آنذاك كان مشروعا لعقيدتها الليبرالية الحرة المناوئة للعقيدة الشيوعية ذات الطابع الشمولي التوتاليتاري. وكانت الحكومة الفيتنامية "أمريكية" الهوى، بينما كان الشعب الفيتنامي "شيوعيا". أنظر الآن، أين ذهبت الشيوعية وأين أضحى الشعب الفيتنامي؟ بل كيف أصبح العالم برمته بعد تطور التكنولوجيا الحديثة وهزيمة العقائد الفكرية والأيدلوجية القسرية الشمولية في دول كانت أمنع من الفولاذ بوليسيا. هكذا فعلت الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عُظمى لا تضاهى في معظم أصقاع الأرض بوحي من عقيدتها تلك: عقيدة الحرية. يُثبت التاريخ دوما أن حرية الشعوب، ومفردها حرية الفرد، هي النواة الأزلية للتغيير. تغيير الممالك والإمبراطوريات والأمم والشعوب ومجريات الأحداث في العلم والدين والمعرفة. بعد هذا الدرس ـ الإخفاق ـ التاريخي في فيتنام، الذي خص الشعب الأمريكي بقدر ما خص العالم برمته يأتي درس العراق ـ الأمريكي في التاريخ المعاصر. أمريكيا تقف في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين بجانب الشعب في العراق ضد حكومته الدكتاتورية ممثلة في أبشع صورها وخلاصتها المعاصرة: دكتاتورية صدام حسين. دكتاتورية صدام حسين تُعتبر من الدكتاتوريات النموذجية التي لم ير لها التاريخ مثيلا. كونها بكل بساطة جمعت في تكوينها الجدب المتعطش للحكم، ذي الطبيعة المراوغة الفطرية التي لا تخلو من المهارة، جمع كافة صفات الدكتاتوريات الشرقية البالية، مُضاف إليها "العبقريات" الحديثة للدكتاتوريات الأوروبية من هتلر وموسليني وفرانكو في أوروبا إلى المرحوم ماو تسي تونغ في الصين وصولا إلى العم ستالين، الأب الروحي لزعيم الدجالين القوميين والاشتراكيين العرب سيادة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.

يدور في الأذهان الآن سؤال غاية في البساطة: لماذا تفعل الولايات المتحدة الأمريكية كل هذه الأفعال الشائنة بحق الأمم والشعوب وفي نفس الوقت تريد الاحتفاظ بوجهها الديموقراطي الجميل؟
أمريكيا تتمتع بوجه ديموقراطي "جميل" هذا أمر لا غبار عليه. على الأقل فيما يخص مجتمعها وأصول القوانين التي تكفل حرية الفرد فيه إلى أبعد الحدود. لا نبغي المزايدة والرطانة الفكرية. فأمريكيا هي بلد الحريات الفردية من دون منازع شاء المرء ذلك أم أبى. هذا ينطبق على الإنتاج الصناعي والاقتصادي والاجتماعي والفكري، ومن ثم الأدبي والفني في أرفع مستوياته الموسيقية والتشكيلية والسينمائية. لكنها تتمتع بوجه آخر بشع كقوة عُظمى غاشمة. وهذا الشق يخصنا كشعوب متخلفة تكنولوجيا أكثر مما يخص الأميركيان أنفسهم. الشعوب المتخلفة تكنولوجيا في العالم المعاصر تساوي الشعوب الأمية بلغة العصر. الحضارة الأمريكية هي حضارة تقنية عالية. حضارة العلوم الرياضية المتطورة والكومبيوتر والأقمار الصناعية وعلم فصل مكونات الذرة (النووية) والبحث في أصل هندسة الجينات الوراثية وحمض الـ DNN والاستنساخ من الخلايا الحية للحيوان والبشر.
الجواب بسيط للغاية أيضا: كل حضارة، مثالية كانت أم مادية، تستمر غريزيا لبسط نفوذها المثالي أو المادي بالقدر الذي تتجمع فيها عناصر القوة الفعلية لتحقيق هذا الانتشار وبسط النفوذ. بعض الأمم والشعوب العريقة تتوفر على عناصر خيرة وجيدة وذات صبغة عالمية لكنها لا تتطور ولا تأخذ حيزها التاريخي عالميا كونها "حضارة" محددة بالجغرافيا وليس لها مآرب استعمارية كالبوذية والكومفوشوسية، وهي في المحصلة عديمة الآفاق على الصعيد الحربي.
عندنا، في عراق اليوم، مافيا إسلامية. بل العديد من المافيات الصغيرة التي تفرّخ كالدجاج يوما بعد يوم. هذا البيض وهذا الدجاج ليس عراقيا حتى. إنه "دجاج مستورد". لم يشهد العراق في تاريخه القديم والحديث صراعا "إسلاميا" أو "طائفيا" بهذا المعنى الذي نلاحظه اليوم. كان الصراع السياسي بين الدولة العثمانية ـ السنية ـ وإيران ـ الشيعية يدور في ساحة العراق كـ "حلبة" خلفية لهذه القوى المتصارعة. أنقسم المجتمع العراقي على إثرها بحكم المواقع الجغرافية إلى طائفتين بارزتين: الطائفة الشيعية في الجنوب القريبة من إيران، والطائفة السنية في الشمال القريبة من تركيا. بينما احتفظت بقية الطوائف والأقليات الأخرى بوجودها الطبيعي ضمن هذا التكوين الاجتماعي الذي تبلور فيه شكل العراق الحديث. كان هذا "الصراع الطائفي" إذا جاز أن نطلق عليه هذه التسمية الخشنة وغير الدقيقة، كان ولا يزال صراعا سياسيا واقتصاديا إيرانيا وتركيا، والآن خليجيا، يغلف شكله ونوعه بطابع ديني ـ طائفي، ينعكس في مرآة المجتمع العراقي بدرجات متفاوتة من الشدة واللين. بالرغم من هذا الموقع الجغرافي الوسيط الذي جعل من العراق "حلبة" للمصارعة المفتوحة بين هذين القطبين الجبارين في المنطقة، تلحق إثرهما قوى إقليمية أقل شأنا كما الذيول والتوابع، إلا أن العراق شكلّ تاريخيا مرتعا للوئام الطائفي والمذهبي. ليس ذلك من اختياره الشعبي الذاتي وإنما هو تطبيق لقانون طبيعي تعرفه تجارب الشعوب ضمن سياق خبراتها المتراكمة: قانون الخاسرين. مرارة الهزيمة والخسائر الجماعية تولد شعورا خفيا بالتآلف بين أفراد المجموعة البشرية الواحدة على اختلافها وتباينها. يتوحد الناس عندما يخسرون. وعندما يكون الشعب مغلوبا على أمره يكون أكثر قوة بالرغم من ضعفه الظاهر. تلك التي يُطلق عليها "الجمرة تحت الرماد". تلك الجمرة التي تؤدي إلى بركان بمرور الأزمان والحقب التاريخية. ما الذي أوصل المجتمع العراقي في هذه الأيام إلى ما نحن عليه من ممارسات غريبة كل الغرابة عن تاريخه المعروف بالتآخي بين فئات الشعب المشهود بين شعوب المنطقة؟ لا يوجد مواطن من جميع الممل والنحل في العراق لا يفخر بكونه "عراقي" عربيا كان أم كرديا أم آشوريا أم كلدانيا أم صابئيا أم يزيديا أم تركمانيا. ذبح الطرائد البشرية وبسط نفوذ البلطجية وخطف الناس والأطفال وتفجير النفس والجسد في سيارة مفخخة تودي بحياة الأبرياء ليس تلك من شيم المجتمع العراقي على الإطلاق.

صمت الحكومة

الحكومة العراقية المؤقتة حكومة خرساء فيما يتعلق بفضح أعداء الشعب العراقي من المجرمين والمخربين الدخلاء. سيذكر التاريخ ذلك. ولا نعتقد بأن ذلك في صالح الحكومة المؤقتة التي تتحمل الآن عبئا كبيرا في مواجهة هذه الظروف الاستثنائية الخطيرة. لا نعرف لماذا تلتزم الحكومة العراقية المؤقتة هذا الصمت الذي بات يدعو إلى الريبة كل هذا الوقت؟ فعلت الحكومة فعلها الحسن عندما لم تعمد إلى إثارة الذعر في أوساط المجتمع العراقي عندما لم تقدم على تنفيذ موجة عاتية من الإعدامات العشوائية بحق الخصوم المفترضين مثلما كانت تفعل كل حكومة انقلابية في تاريخ العراق المعاصر إلى إعدام مناوئيها في أول مرسوم يسنه العهد الجديد، أو من دون مراسيم حتى. لا زالت الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة الدكتور أياد علاوي تتمسك بالقانون وبمحاكمة علنية عادلة لرموز النظام السابق. هذا جيد ونحن كمواطنين نؤمن بالقانون ونحترمه، بالرغم من هذا التأخير الذي أخذ يثير القلق لدى بعض المواطنين ممن يهمهم تطبيق حكم العدالة بأسرع وقت ممكن. إذ أنه (القانون) هو الطريق الأسلم لتحقيق العدالة والضمان الأمثل لعدم إثارة الفتن بين فئات المجتمع مستقبلا. بيد أننا لا نستطيع تفسير التباطؤ بتنفيذ حكم العدالة بحق المتهمين الدخلاء المتسللين إلى العراق ممن يتم القبض عليهم من قبل السلطات الوطنية. ولا يمكننا تبرير كل هذا الصمت والتعتيم على أفراد وزمر وعصابات من خارج العراق عبثت ولا زالت تعبث بأمن العراق وحياة الناس الأبرياء فيه.
نسجل لحكومة السيد أياد علاوي دأبها الوطني الملتزم بحل المشاكل الأمنية ذات الطابع المسلح حلا سلميا قدر المستطاع. ونثني على "النفس الطويل" مع نبرة الحزم غير المفتعلة، الرصينة، التي تميز خطاب السيد رئيس الوزراء عندما يخاطب تلك الفلول التي لا تريد ولا ترغب بالعودة إلى الصف الوطني وخلق الفرص لإعادة الاستقرار والشروع بالبناء والأعمار واستكمال مراحل النهوض بمؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية بشكلها الصحيح. بيد أننا نستدرك القول أن كشف العصابات الدخيلة والغرباء الوافدين من الخارج لزعزعة الأمن والاستقرار داخل العراق لا تتعارض مع النهج الوطني للحكومة المؤقتة فيما يخص التعامل مع العراقيين أنفسهم. بالإمكان فرز هذه العصابات الدخيلة وتصنيفها قانونيا وكشف تسللها غير القانوني وغير الشرعي للأراضي العراقية، وبالتالي قطع دابر أعمالها التخريبية ومحاولات تجنيدها للأعضاء الجدد من المواطنين العراقيين المتذمرين من البطالة وسؤ الأحوال المادية وغياب فرص العمل أو الدراسة أو الخدمة الوطنية في مرافق ومؤسسات الدولة الجديدة.