من أغرب ما تواجهه الثقافة العربية في عصرنا الحديث هو وجود الثقافة ومركزيتها في التاريخ الحضاري لمنطقتنا العربية في الوقت الذي يبدو فيه وجود التكتيك للثقافة هشاً وضعيفاً أمام ما تواجهه من ثقافات حديثة متسارعة يصعب خلالها نقل ثقافة النوع الحضاري إلى الآخر نتيجة قوة الضخ المعلوماتي والسياسي الذي يواجهه العرب الآن ضمن مشهد اجتماعي وسياسي بالغ التعقيد لا يزال يشهد تطورات جديدة وجديدة في كل نقطة انتقال عالمي أو إقليمي أو حتى مرحلي.
ويصل الأمر في العديد من المجتمعات العربية إلى صعوبة في تفسير معنى الثقافة ودور المثقفين أو معرفة المثقف الحقيقي الذي يقف وراء فكره الحر المتطلع لعالم أرقى وأجمل تتبادل الشعوب فيه ثقافاتها وتدرس حضاراتها بصدق لأي مجتمع من مجتمعات العالم دون التشويه الثقافي الذي يتعرض له العالم الآن نتيجة صناعة الوهم الذي تنتجه كبرى محطات الإعلام على الأرض وباعتراف دولي لا شك فيه عندما يتعلق الأمر على تأسيس منظمات إنسانية للسعي وراء كشف الحقائق رغم وجود مؤسسات الإعلام الضخمة التي تغزو العالم وتحقق أرباحاً هائلة سنوياً لأنها تحتكر سوق الإعلام برؤوس أموالها الضخمة.
وفي ظل الضخ المعلوماتي المتسارع ـ كما ذكرنا سابقاً ـ يتحول المثقف العربي والإعلامي العربي إلى مترجم للأحداث نتيجة احتكار الآخر للمعلومات حتى وإن كانت على أرض الآخرين، وتحول المثقف العربي إلى ناقل للهواجس الاجتماعية المضطربة نتيجة الأحداث في المنطقة وإلى محلل سياسي لما يجري على الأرض من وقائع دون أن يخلق الفكرة التي تعكس دوره الحقيقي المتمثل في التأثير وفي القدرة على مواجهة ثقافة الآخر لأنه صاحب ثقافة أيضاً.
إن شعور المثقف العربي بهذا الموقف قد يشعره بالإحباط وعدم التقدير الذي قد لا يراه حتى في المجتمع قد دفعه أخيراً للوقوع في فكرة الآخر عندما تحول إلى مترجم للمقالات ليضمن ما تناوله من وجبة المعلومات اليومية الدسمة كجزء من مقالته اليومية أو الأسبوعية، ليس لشيء بل لأن كل فكرة تحتاج منطقياً إلى الإثبات والتدليل وهذا ما يشهده كتبة المقالات بالذات في مجتمع الثقافة والمثقفين.
وفي الوقت الذي تسعى فيه كبرى مؤسسات الإعلام العالمية للاندماج والانصهار مع بعضها في إطار إعلامي موحد من خلال سوق التكتلات العالمية نجد أن مؤسسة الثقافة والإعلام العربي تعتمد دائماً على قيادة الأفراد لا الجماعات كمؤسسة ثقافية واحدة الأمر الذي يؤدي إلى الصعوبة البالغة في صناعة التكتلات من أجل مواجهة ظروف الواقع العالمي في عالمنا العربي، وما أكثر دليلاً على ذلك هو فشل ما توصلت له عدة مؤتمرات عربية كبرى على مستوى الجامعة العربية ورؤساء الوزراء العرب والإعلاميين العرب والمثقفين العرب بشأن قرار لإنشاء محطة إعلامية عربية موحدة باللغة الإنجليزية والذي لم يبدأ به بعد حتى الآن.
لقد أصبح أبناء المجتمع العربي بحاجة إلى الضرورة في الإقناع والضرورة لظهور المثقف الحقيقي الذي يقف وراء صوت المجتمع لينقل صداه إلى العالم بطلاقة وبصراحة وبعفوية حتى يضمن المجتمع في النهاية حق التعبير عن ذاته بحرية وبعيداً عن مبدأ احتكار التعبير الذي أتعب جدران هذه الأرض ومازجها بين كلمة الصدق وكلمة الأكذوبة.
وما أمس حاجة للمواطن العربي في مظاهر الإعلام العالمي الحديث في إظهار ثقافته الحقيقية التي تتمتع بحب السلام والتعاطي الديمقراطي مع الشعوب والدعوة إلى احترام القيم والنبل والمشاعر الإنسانية كذلك مقاومة الحروب التي تنتج الويلات والكواثر الإنسانية التي يشهدها العالم كافة الآن.
وبرغم كل هذا الكم من المعلومات والمتداخلات الثقافية المتكاثرة إلا أن العالم لا يزال عاجزاً عن تفسير "العولمة" وما هو "الإرهاب" ومن هو صاحب الحق والحقيقة، كذلك الحال في إظهار القلب العربي والعقل العربي والشعب العربي الذي يتحمل الآن الكثير من النتائج التي أفرزها الإعلام بحيث أفرز ضغوطات جديدة على الإنسان العربي الذي بات يبحث لنفسه عن حلول التعبير دفاعاً عن حقه الديمقراطي في التعريف وفي إظهار الحقيقة؟!.

[email protected]