(حرية الفكر والاعتقاد والبحث العلمي)
مقدمة
المفترض في أي قانون ان يحمى حرية الفكر والاعتقاد والبحث العلمي. والقانون السماوي الذي نزل به القرآن يجعل حرية الفكر والاعتقاد و البحث حرية مطلقة بدون تحديد او تقييد، فللإنسان ان يؤمن بعد كفر أو يكفر بعد إيمان، وان يقول فى الدين ما يشاء طالما ان هناك يوم قيامة أو يوم الدين الذي يؤاخذ الله به الناس على أقوالهم وأفعالهم وعقائدهم. وهذه هي حكمة خلق الإنسان وحياته وموته وخلق الدنيا و إنزال الدين وبعث الناس يوم الحساب العظيم..اذا هو اختيار يقوم على أساس الاختبار او الحرية، أو هى مسؤولية على الفرد على ما وهبه الله تعالى من حرية يحس بها فى سريرته وضميره، وفى النهاية حسابه عند الله، وليس لأحد ولا حتى الأنبياء المكرمين حق التدخل فى تلك العلاقة بين الإنسان وربه، و إنما يكون التدخل فى حقوق البشر والمجتمع، أما حق الله تعالى فهو مؤجل لله تعالى، يوم القيامة..وهذه هي الحقيقة الكبرى فى القرآن والإسلام والشريعة الإسلاميةالالهية.
هذا عن القانون السماوي الذي نزل القرآن معبرا عنه ومحفوظا من الله تعالى إلي يوم القيامة ليكون حجة على الناس.
أما القوانين الأرضية فإنها تتقاصر عن هذا السمو الإلهي، حيث تعكس ما في الإنسان من نقص ومحاولات للإصلاح، ومن هنا يكون القانون خير معبر عن الظروف التي أنتجته، ومن هنا ايضا نجد حريات يتقاصر القانون الوضعى المصرى عن حمايتها، ومنها حق الإنسان في الاعتقاد والفكر والبحث العلمى.ذلك الحق الذي قرره القرآن الكريم، ووقف ضده المتاجرون فى الدين طمعا فى حطام دنيوى لن يستمر ولن يغنى ولن ينفع. وتحاول هذه الورقة البحثية أن تسير مع النضال مع حرية الفكر والاعتقاد والبحث العلمي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتضع تصورًا قانونيا إصلاحيا للقرن الحادى والعشرين. والله تعالى المستعان
أولا:الإطار القانوني لحرية الفكر والعقيدة والبحث العلمي في عصر عبد الناصر:
فكرة سريعة:
(1)في الدستور والقانون قبل وبعد ثورة 1952:
(1)ليس المقصود هنا تقديم بحث في هذا الموضوع وإنما مجرد إشارات..
قبل ثورة 1952 أكدت الدساتير المصرية على حرية الرأي والتعبير (دستور 23:م 14)-(دستور 30 :م14). ثم أكد ذلك دستور 56(م44).
ثم اشترط دستور 1958ان يكون ذلك في حدود القانون (م10) وتكرر هذا الشرط في دستور 1964(م35) وفى الدستور الأخير، دستور 71 (ماد47).
أي انه بعد ثورة 1952 قيد دستور 1958حرية الرأي والتعبير أن تكون في حدود القانون، وسار هذا التقليد في الدساتير اللاحقة 1964، 1971
ومع أن وظيفة القانون هي الإيضاح والتفصيل للمواد الدستورية، فإن العادة أن تأتى القوانين اللاحقة لتقيد ما أباحه الدستور وتجعل الإباحة منعا وحظرا..
{2}وهذا هو الفارق بين العصر الليبرالي لمصر قبل الثورة وبعدها، ليس فقط في مواد الدستور ولكن في بعض القوانين ايضا..
فقانون المطبوعات رقم 20 لسنة ـ قبل الثورة ـ اى 1936يجعل مصادرة العمل الأدبي أو الفكري حقا لمجلس الوزراء فقط إذا كان فيه مساس بالآداب أو الأمن العام. ثم بعدها توسع القانون 430 لسنة 1955فحظر الترخيص لأي مصنف يتضمن الإلحاد أو الرذيلة أو المشاهد الجنسية أو تشجيع الجريمة أو كراهية نظام الحكم، ثم تعدى هذا إلي منع الجهر بأغان أو خطب مخالفة للآداب، أو التحريض على بغض طائفة من الناس، أو الإساءة إلى سمعة البلاد، أو إهانة رئيس الجمهورية، أو أي ملك أو رئيس دولة أجنبية، أو مجلس الشعب، أو غيره من الهيئات الحكومية أو المصالح العامة، أو أي موظف عام أو الإخلال بمقام القاضي، أو التأثير عليه أو نشر أخبار كاذبة أو مصطنعة تخص الأمن العام أو السلم، أو ان يمدح، أو يذم رجل الدين او رجل الحكومة، أو يمدح أو يذم قانونا جمهوريا أو عملا من أعمال الجهة الادارية... وهذه مجرد أمثلة لجرائم ذات صيغة مطاطية يمكن أن يتحول بها أي إنسان إلي مجرم بتهمة من تلك التهم الفضفاضة..وكل ذلك بالقانون..
وخارج نطاق القانون فإن الشرعية الثورية فى عهد عبد الناصر لم تكن تعول على النظام القانوني في ملاحقة من تعتبرهم خصومها السياسيين حتى من داخل المثقفين أصحاب الرأي الحر حتى لو كانوا في خندق الثورة...
ومع هذا فقد كان صدور قانون الأزهر في عهد عبد الناصر نقطة مضيئة إلى حد ما.
(ب)في قانون الأزهر (103لسنة 1961)
(1)ونتوقف مع هذا القانون الخاص بالأزهر، لأن الأزهر تحول منذ الربع الأخير للقرن العشرين إلى عقبة تحول دون حرية الفكر والعقيدة والبحث العلمي، نظرا لظروف تاريخية أثرت في وضعية الأزهر ومن ثـَمَ في بنائه القانوني فيما بعد..
(2) ولعل أروع ما في هذا القانون هو مذكرته التوضيحية، والتي تؤكد بعبارات ديبلوماسية تخلف الأزهر وتخلف خريجيه عن نبض العصر وإحساسهم بالدونية واعتقادهم انهم رجال دين، مع أن المسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا معا، لأن الله تعالى في عقيدة المسلم اقرب إليه من حبل الوريد، ولأن المسلم يؤمن بأن الله تعالى يجيب الداعي إذا دعاه فليس في حاجه إلى وسيط أو شفيع يقربه إلى الله..
أي أن المذكرة التوضيحية التي كتبها وزير الأزهر في ذلك الوقت سنة 1961تنفى عن الأزهر صفة الكهنوتية، حيث لا كهنوت في الإسلام، أي انه مؤسسة مدنية تتبع السلطة التنفيذية، بل إن المذكرة التوضيحية تصف شيخ الأزهر بأنه (الأستاذ الأكبر)وليس الإمام الأكبر، فتقول المذكرة عن المجلس الأعلى للأزهر إنه الهيئة التي (يرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر).
وما تؤكده هذه المذكرة التوضيحية يتقاصر عنها قانون الأزهر الذي توضحه، بل يتقاصر عنها الدور الذي تنامي للأزهر فيما بعد سياسيا ودينيا وشعبيا، حيث تحول إلى ما يشبه المؤسسة الدينية الكهنوتية التي تقمع الفكر وتصادر حرية الرأي بالقانون وبغير القانون.
ولأننا لازلنا في هذه الورقة البحثية في عصر عبد الناصر فلنقتصر على القانون 103 لسنة 1961 ولنقرأه قراءة نقدية..
(3)تقول المادة الرابعة من القانون المشار إليه أن شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية في الأزهر وهيئاته..
ونقول انه ليس في الإسلام شيخ وكلمة شيخ في المفهوم القرآني تعنى مرحلة سنية عمرية أى الشيخوخة (القصص23، هود82، يوسف78، غافر67) أى أن القانون استعمل لفظ الشيخ ليدل على منصب ديني، وليس في الإسلام منصب ديني، وإن كان فيه مصطلح عالم،
والعلم قرين بالبحث واحتمال الخطأ و الصواب، ومصداقية العالم فى رأيه وبحثه ومدى ما فيه من صواب وخطأ، بغض النظر عن مكانته أو وظيفته.
أما الشيخ والإمام فهو منصب دينى عرفته الحضارة العربية الإسلامية فى عصور التقليد عندما أطلقوا هذا اللقب على العلماء السابقين فى قرون الاجتهاد، وحولتهم من علماء مجتهدين يصيبون ويخطئون ويختلفون فيما بينهم إلي أئمة معصومين من الخطأ، ولا يجوز انتقادهم، وتوسع فى ذلك الشيعة والصوفية، وتكون الكهنوت الديني للائمة والشيوخ ، ومن هذه الثقافة استقى القانون لقب شيخ لكبير العلماء والموظفين في الأزهر، وكان ينبغى إطلاق وصف آخر عليه، مثل عميد الأزهر أو رئيس الأزهر لتأكيد الصفة المدنية على الأزهر والعاملين فيه.
واخطر من ذلك لقب الإمام الأكبر الذي يطلق على رئيس الأزهر، إذ ليس في الإسلام إمام بعد خاتم النبيين عليه وعليهم السلام، فإذا كان فلان من الناس إماما اكبر.. فماذا يكون النبي محمد عليه السلام ؟..هل يكون إماما اصغر أو إماما أوسط ؟..
إن الواضح في القانون هو تحويل عميد الأزهر الى منصب كهنوتي، خصوصا حين تقرأ العبارة بأكملها (شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي فى كل ما يتصل بالشؤون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام )والسؤال هنا إذا كان هو وحده صاحب الرأي فى الدين وعلوم الدين الإسلامي فكيف إذا أخطأ ؟ وهل يجوز الاعتراض عليه أم لا ؟وهل هو معصوم من الخطأ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
إن النص القرآني وحده هو النص المعصوم.
والقرآن ينفى عصمة الأنبياء حيث انهم بشر يخطئون ويصيبون، ويجعل عصمتهم بالوحي فقط. وإذا كان النبي بشرا يخطئ ويصيب وينزل الوحى يصحح له ويوجهه وينقده ويؤنبه فكيف بالناس من بعده؟.. ولا شك أن رئيس الأزهر هو أحد الناس..ولا شك أيضا انه والأزهر وكل مؤسسة دينية ليس عنصرا من عناصر الإيمان فى الإسلام، وبهذا يفترق الإسلام العظيم عن غيره من الأديان، إذ ليس فيه كهنوت أو تقديس لبشر أو حجر أو مؤسسة أو عائلة أو طائفة..
وحيث يوجد الكهنوت تتأكد المتاريس أمام حرية الفكر والاعتقاد والبحث العلمي، وإذا كان الكهنوت الكنسي يفصل بين الشأن الديني ويحصره فى الكنيسة وبين الشأن الدنيوي ويجعله علمانيا، فإن خطورة الكهنوت الديني حين ينبت جذوره في المجتمع المسلم أنه يتعدى بطبيعته للحياة الدنيا، حيث لا يوجد فاصل في الإسلام بين الدين والدنيا، وحيث تتعرض الشريعة الإسلامية للعقائد والمعاملات والسياسة والاقتصاد والأحوال الاجتماعية. فإذا تأكد الكهنوت الديني في مجتمع إسلامي خلافا للإسلام فإن خطره يكون هائلا على المجتمع وتقدمه، ولا يدانيه إلا خطر هذا الكهنوت على حقائق الإسلام ذاتها..
وهذا ما شهدنا طرفا منه في عصرنا الراهن حيث أدى الاتجار بالدين إلى التطرف و الإرهاب.
ولا يفوتنا هنا أن ننوه إلى الفارق بين استنارة المذكرة الإيضاحية للقانون103 والتي كتبها وزير شؤون الأزهر، وبين مبادئ الكهنوت فى القانون نفسه. فالمذكرة تصف شيخ الأزهر بأنه الأستاذ الأكبر وتؤكد على أنه لا كهنوت فى الإسلام حيث لا توجد واسطة بين العبد وربه، وتنفى الشفاعة والولاية، ثم يأتى القانون ويجعل (بحكم القانون )شيخ الأزهر مرجعية دينية تقترب من مرجعية الإمام أو آية الله وروح الله فى الكهنوت الشيعي.
(4) ومن أخطر ما جاء في القانون 103لسنة 1961 هو التناقض بين بعض عباراته المستنيرة وبعض عباراته الكهنوتية وما يسببه هذا التناقض من قمع فكري، فالعبارات المستنيرة جاءت في المادة 2 عن دور الأزهر فى حفظ التراث الإسلامي "ودراسته وتجليته ونشره " وتعنى الاجتهاد العلمي. وتقول عن هيئة الأزهر "وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة..وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون.."وكل ذلك يدفع الى الاجتهاد في إظهار حقائق الإسلام وكونه مما يدفع إلى التقدم..
وفى المادة 15 تجعل مهمة مجمع البحوث مجرد الدراسة وتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وإثارة التعصب السياسي والمذهبي وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص..وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة..وكل ذلك يعنى الاجتهاد.
وفى المادة 33 تجعل مهمة جامعة الأزهر "حفظ التراث الإسلامي وتجليته ونشره، وتؤدى رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته.."وكل ذلك يعنى الاجتهاد.
أي أن واجب الأزهري فى مجمع البحوث أو في جامعة الأزهر هو الإجتهاد في تجلية حقائق الإسلام من خلال القرآن الكريم والتراث. وهذا يعنى أن من حقائق الإسلام ما يحتاج الى تجلية وتوضيح وان في الثقافة الإسلامية شوائب وفضول وتعصب يحتاج إلى تنقيه وتجليه ليعود للإسلام فكره وجوهره الخالص الأصيل...هذا هو الاجتهاد الذي يفرضه قانون الأزهر.. فماذا يعنى الاجتهاد؟ يعنى الخروج عن المألوف والإتيان برأي جديد من خلال المصادر الإسلامية ذاتها يخالف ما وجدنا عليه آباءنا.
هذا ما يفرضه قانون الأزهر، أو بالأدق هذا ما تفرضه العبارات المستنيرة في قانون الأزهر..لأن القانون احتوى على الغام أخرى تتيح إجهاض الاجتهاد تحت مسميات مؤثرة وعبارات غامضة مثل إنكار حقائق الإسلام!..
تقول المادة 30 من القانون أن عضوية مجمع البحوث الإسلامية تسقط إذا ما وقع من العضو ما يلائم صفة العضوية كالطعن في الإسلام أو إنكار ما علم منه بالضرورة أو سلك سلوكا ينقص من قدره كعالم مسلم، وتقول المادة 72"كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس (في جامعة الأزهر )أو لا يلائم صفته كعالم مسلم، أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه أو نزاهته يكون جزاؤه العزل.."
وحين قمت بالاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام اتهموني بإنكار حقائق الإسلام مع ان كل كتاباتي التي حاكموني بسببها فى الفترة من 1985 :1987 كانت إما آية قرآنية أو تعليقا على آية قرآنية بآية قرآنية أخرى، ومع أن كل كتبي كانت توضيحا لحقائق الإسلام وتبرئة له وفقا لما يأمر به القانون.
ولكن القانون نفسه أعطى سلاحا للشيوخ القاعدين عن الاجتهاد لكي يستخدموا نفوذهم ومناصبهم في معاقبة المجتهد الذى يطبق القانون.
وهنا يقع التناقض فى قانون 1961 بين الأمر بالاجتهاد وعزل الذي يطيع القانون فيجتهد..وهنا أيضا تقبع المتاريس التي تعوق حرية البحث والاجتهاد في الإسلام الذي هو دين العقل وحرية الفكر.ولا سبيل لدفع هذا التناقض إلا بحذف تلك العبارات والمواد الكهنوتية التي تعوق حرية الفكر.
ولكن تبقى للقانون ميزته، وهى انه لم يتحدث مطلقا عن السنة، فتحدث عن القرآن وعلوم الإسلام والثقافة الإسلامية، أي التراث الإسلامي أو الفكر البشري، وطالب بتجريده من الشوائب والتعصب..ثم أتى حين من الدهر حوكم فيه كاتب السطور ودخل السجن لأنه صدق هذا الكلام واجتهد في فكر المسلمين في عصر فرض تقديس هذا الفكر واعتبره سنة نبوية، فكان جزاؤه الاتهام بإنكار السنة. كان هذا فى عصر ثقافة النفط البدوية الوهابية والتي لا تزال مسيطرة ولم يكن لها وجود فى عصر عبد الناصر لأن أربابها كانوا إما فى السجون و إما في بلاد النفط..ثم عادوا لمصر في عصر السادات.
ثانيا: الإطار القانوني لحرية البحث والعقيدة والبحث العلمي في عصر السادات :
(ا)الدستور:
(1)على خلاف العهد الناصري تميز الإطار القانوني فى عهد السادات بالتناقض، بين بداية مبشرة بتحول ديمقراطي فوقى تفضل به نظام الحكم الى نهاية مأساوية ظهرت فيها أنياب الديموقراطية وانتهت بمهزلة 5 سبتمبر التي جعلوها ثورة، ثم كان مصرع السادات.
(2)فى البداية المبشرة صدر دستور 1971، والذي لا يزال معمولا به حتى الآن.ومع أن عصرنا تجاوز بعض مواده عن الاشتراكية و تحالف قوى الشعب.. الخ إلا انه احتوى على بعض المواد المستنيرة فى حرية الفكر والاعتقاد، خصوصا تلك التى تقرر الحرية بدون تقييد، مثل المادة 46 القائلة"تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية" ومثل المادة 49التي تقول "تكفل الدولة للمواطنين حرية البحث العلمي والابداع الأدبي والثقافي، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لتحقيق ذلك..."
وكأن واضع الدستور عز عليه وضع تلك النصوص المطلقة بدون تقييد فوضع قيودا قانونية فى المادة 47القائلة (حرية الرأي مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو النشر أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون ) وجاء فى المادة 48 أن حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة، والرقابة على الصحف محظورة..ثم تجيز المادة فرض رقابة محدودة بصورة استثنائية كحالات الطوارئ.
(3)ثم ما لبث أن عصف السادات بهذه البشائر الديموقراطية وكشر عن أنيابه الديموقراطية بعدة قوانين كان أبرزها قانون حماية الجبهة الداخلية رقم 33 لسنة 78والذي حظرت مادته الأولى أى دعوة مناهضة لمبادئ ثورة23 يوليو وثورة 15 مايو 1971والنظام الاشتراكي الديموقراطي.أى حظر أى معارضة بالقول والرأي. وفى المادة الثانية منع خصومه المحالين للمدعى الاشتراكي من تولى الوظائف العليا والتوجيه والقيادة والتأثير على الرأى العام.ووصفهم القانون بإنكار الشرائع السماوية.
ثم قانون العيب الذي صدر فى سنة 1980 برقم95.
وفى تحالف السادات مع التيار الديني الوهابى كان يجري فى مجلس الشعب الإعداد لقوانين الشريعة وعلى رأسها حد الردة المقصود به خصومه المتهمون بإنكار الشرائع السماوية.
(4)على ان اكثر مادة مثيرة للجدل فى دستور 1971هى المادة الثانية القائلة (الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع). وهذا الجدل المحتدم بين تلك المادة بين العلمانيين والسلفيين تركز على قراءة مغلوطة للمادة تقول " الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع ". وهذا مالم تقله المادة فهي تؤكد على مبادئ الشريعة، وهى غير تفصيلات و أحكام الشريعة الإسلامية، فمبادئ الشريعة الإسلامية هو ما يعرف لدى الفقهاء بمقاصد الشرع، وقال الفقهاء انها حفظ النفس والعرض والمال..الخ. أى أنها كليات أساسية في التشريع، ومبادئ الشريعة أو مقاصدها لا تختلف عن هدف اى قانون دولي أو محلى، وهو تحقيق العدل والموازنة بين العدل الاجتماعي والحرية و تحقيق السعادة للمواطنين.. الخ..
وعليه فلا فرق بين قول دستور 1971 مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وقول بعضهم مبادئ حقوق الإنسان العالمية هي المصدر الرئيسي إذ لا يوجد فارق حقيقي بين حقوق الإنسان فى المواثيق الدولية وحقوق الإنسان التي يقرها القرآن بشرط أن نقرأ القرآن بمصطلحاته ومفاهيمه بعيدا عن مصطلحات التراث ومفاهيم الفقه المنتمى للعصور الوسطى.
على أن المادة 2 التى تجعل مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع تتعارض مع عشرات المواد من الدستور ذاته، تلك المواد التى تجعل الرئيس متحكما في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ورئيسا أعلى للقضاء والشرطة وقائدا أعلى للقوات المسلحة، يملك ويحكم وليس مسؤولا أمام اى جهة، فى نفس الوقت الذي يملك فيه إقالة الحكومة أو إقالة مجلس الشعب..وهذا يتعارض مع مبادئ الشريعة القائمة على العدل والقسط وحرية الرأى والفكر وحقوق الإنسان، ويعارض عقيدة الأسلام فى الألوهية، فالله تعالى وحده لا يسأل عما يفعل، وما عداه يتعرض للمساءلة على قدر مسئوليتة.
ومن المؤكد أن هذه المادة قد جئ بها كعربون الصداقة بين السادات والتيار الديني وعقيدتة فى " الحاكمية" أى الحاكم المتألة وسلطتة المستمدة من الله، ولكي تؤسس وتمهد لدولة دينية قادمة تقوم على أسس الكهنوت الديني السياسي الذي يتناقض مع الإسلام بقدر مع يتطابق مع الخلافة العثمانية أو العباسية أو الفاطمية، حين كان يملك الخليفة الأرض ومن عليها، ومن حقه طبقا لفتوى الفقهاء أن يقتل ثلث الأمة لإصلاح حال الثلثين، وحين كانت الأمة مجرد رعايا أو رعية يملكها الخليفة كما يمتلك قطيع الأنعام.. يذبح منه ما يشاء ويستبقى ويستثمر منه ما يشاء.
ومن هنا كان جزع المناهضين للسادات بقدر ما كان فرح الطامعين فى وراثته من المتحالفين معه العاملين لدولة دينية قادمة، والذين أتيح لهم فى عصر السادات أن يتغلغلوا فى اجهزة الدولة بدلا ممن اتهمهم السادات بإنكار الشرائع السماوية.
فى هذه الظروف صدرت اللائحة التنفيذية للقانون 103 لسنة 1961، أى قانون الأزهر، وصدرت اللائحة بقرار جمهوري رقم 250 لسنة 1975.
(ب)اللائحة التنفيذية لقانون الأزهر
(1)كررت هذه اللائحة ما جاء في القانون عن شيخ الأزهر ودوره وتوصيفه، وعن واجبات عضو هيئة التدريس في جامعة الأزهر. و غير ذلك.. إلا انه ما يهمنا هو ما أضافته اللائحة من جديد يؤثر على حرية الفكر والبحث، وهذا الجديد يتمشى مع ما أعطاه السادات للأزهر والتيار السلفي، وبنفس القدر يخالف القانون الأصلي التي جاءت اللائحة لتفسيره وليس للتناقض معه.
{2)إن المادة 15 من القانون الأصلي 103 لسنة60 تجعل مهمة مجمع البحوث الأسلامية تجلية و تنقية الثقافة الأسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وآثار التعصب السياسي والمذهبي وتجليتها فى جوهرها الأصيل، وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وكل بيئة، وبيان الرأي فبما يجد من مشكلات مذهبية أو اجتماعية تتعلق بالعقيدة، وحمل الدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة
وكان مفترضا أن تأتي اللائحة لتوضح كيفية قيام مجمع البحوث بهذه المهمة العلمية البحثية في مصر والعالم الإسلامي، إلا أن اللائحة تجاهلت ذلك كله وحولت المجمع الى جهة تصادر الكتب وتقف لحرية الفكر بالمرصاد.
فالمادة 17من اللائحة تجعل من واجبات المجمع تتبع ما ينشر عن الإسلام والتراث الإسلامى من بحوث ودراسات فى الداخل والخارج والانتفاع بما فيها من رأى صحيح أو مواجهتها بالتصحيح والرد. وهذا كلام قد يبدو في ظاهره لا غبار عليه، ولكنه عند التنفيذ يملؤه الغبار. فالذين يفترضون في انفسهم احتكار الشأن الديني ليس منتظرا منهم إن يعترفوا برأي صحيح يقوله غيرهم ممن ليسوا شيوخا، وإذا كان الفكر الديني مبنيا على الخلاف في الرأي فإنهم لن يجدوا في الرأي الأخر إلا خطأ محضا، وبالتالي فإن السلطة التي في أيديهم ستحول هذا الخلاف إلي أكثر من خطأ..تحوله إلى كفر..لأنه وقر في قلوبهم انهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة، ومن يخالفهم فقد خالف الإسلام.. والقانون ( اقصد اللائحة ) تعطيهم هذا الحق.
(3) وجاءت المادة 25 من القانون بأن يختص مجمع البحوث الإسلامية في نطاق الأزهر بكل ما يختص بالنشر والترجمة والتأليف..أى قصرت دوره على الأزهر ومؤسساته، ولا يتعدى هذا الدور حوائط الأزهر.
وبدلا من أن تأتى اللائحة في العصر الساداتي توضح وتفصل عمل هذه المادة داخل الأزهر نجدها قد حولت مجمع البحوث الى إدارة للمصادرة خارج الأزهر.
فى المادة 40 من اللائحة تجعل إدارة البحوث والنشر والنشر بالمجمع مختصة ب:
(1)بمراجعة المصحف الشريف والتصريح بطبعة وتداوله، وهذه هى الحسنة الوحيدة لتلك اللائحة، ثم تقول (2)فحص المؤلفات والمصنفات الإسلامية أو التى تتعرض للإسلام وإبداء رأيها فيما يتعلق بنشرها أو تداولها، وهنا يتحول مجمع البحوث الى محكمة تفتيش لكل كتاب يتعرض للشأن الإسلامي ولو فى بضعة أسطر.وهنا فيكون قانونا من حق المجمع أن يسمح بتداوله ونشره وعرضه أو أن يمنع نشره وتداوله وعرضه.ثم تقول (3)تتبع كل ما يكتب عن الإسلام فى الداخل والخارج والرد على كل ما يمس الإسلام فيها. وهل إذا فحص المجمع كل المؤلفات التي تتعرض للإسلام وأبدي رأيه فيها بالسماح والمصادرة هل إذا فعل ذلك سيكون لديه وقت لتتبع " كل ما يكتب عن الإسلام في الداخل والخارج" والرد على ما يمس الإسلام فيها.."هل سيجد الوقت لمتابعة كل ما يكتب عن الإسلام فى كل العالم وبكل اللغات ؟ واين لشيوخ المجمع بهذه المقدرة ؟أو ليس من الأجدى الرجوع الى اصل المادة 25 من قانون الأزهر بأن يختص المجمع بالنشر والتأليف وفى نطاق الأزهر على أن لا يتعدى دوره التوجيه دون المصادرة ؟.
(4) على أية حال فإن عصر السادات زرع ألغاما أمام العقل المصري، أضيفت إلي الألغام السابقة التي زرعت في العصر الناصري، إلا أن الغام السادات تغلفت بالدين، ووضعت إطارا دينيا للتيار السلفي الطامح للحكم كي يتهم خصومة السياسيين بالكفر بحجة إنكار تطبيق الشريعة وقدر لهذه الألغام أن تنفجر..وانفجر أولها في وجه السادات نفسه حين أتهمه التيار السلفي بالكفر، ثم انفجرت باقي الألغام في عصر حسنى مبارك.. ولازالت تنفجر.
ثالثا: الإطار القانوني لحرية الفكر والعقيدة والبحث العلمي في عصر مبارك:
(ا)الإطار العام
(1)يتميز عهد مبارك بأن التغيير لم يعد يأتي فوقيا ومن السلطة فحسب، وإنما اصبح التغيير ثوبا يتجاذبه العلمانيون والسلفيون، ليس فقط بين الحكومة والمعارضة، ولكن أنصار العلمانية و أنصار السلفية فى داخل الحكومة وخارجها وذلك طبقا للمثل الشعبي القائل (اللى تغلب به العب به ) ومن هنا سار وساد الصراع والاستقطاب بين التيار العلماني والتيار السلفي في داخل وخارج أجهزة الحكومة، وكل فريق يسعي لاستقطاب الأنصار، والنظام سعيد بذلك لأن قليلا من التطرف يجعل أعتي المعارضين يقول مقالة خالد محمد خالد (تمتعوا بالسئ فإن الأسوأ قادم ) أى أن التطرف الذى زرع السادات جذوره فى مصر قد أضحي يهدد مستقبل مصر المادي والبشري ويهون الي جانبه استبداد النظام.
(2) وزاد من خطورة الأمر انفجار الألغام بتحول التطرف الفكري وفتاوى القتل الى حركة إرهاب وصلت الى المفكرين والمسالمين والى الأقباط والسياح، بل وصلت محاولات الاغتيال إلى رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الداخلية والإعلام.
وكان هذا الإرهاب إرهاصا واضحا بالمستقبل الذي تدخره الدولة الدينية لمصر حيث يكون الأمر غاية فى البساطة، فتوي تستحل الدماء يقولها أي أمير وبعدها تسيل دماء الأبرياء. وزاد فى الخطورة مأساة الجزائر وقيام الشباب السلفي فيها بذبح أهالي القري الأبرياء لمجرد استعراض القوة وتصفية حسابات مع السلطة.
(3) ومن الطبيعي أن هذا الإرهاب الدموي قد حجم من مصداقية التيار السلفي وعرقل من خطواته المتسارعة نحو السيطرة على أفئدة الشعب وأجهزة الحكم..إلا ان ذلك لا يحجب الدور المستنير الذي لعبته الأقلام المخلصة لدينها ووطنها والمؤسسات الأهلية للمجتمع المدني خصوصا مراكز حقوق الإنسان ومركز ابن خلدون. وعلى قدر بلاء هذه المؤسسات فى مواجهة القوى السلفية انهالت عليها التهم بالعمالة للغرب وتلقى التمويل الأجنبي. وتناسى الجميع أن التيار السلفي متهم بالعمالة لدول النفط، وأن التمويل النفطي أسفر عن تغييب العقل وسفك الدم، وان التيار السلفي قبل ذلك أضاع الثروة المصرية فيما يعرف بتوظيف الأموال ثم أن هذا التمويل الأجنبي ـ وأغلبه من دول أجنبية مثل هولندة والمانيا ودول اسكندنافيا هى ليست صاحبة مصلحة او مطامع فى مصر أو غيرها ـ قد أثمر عن حركة يقظة أوقفت المد السلفي الذي يهدد الوطن ويسئ للدين.
(ب)الصراع بين التيار المستنير والتيار السلفي في إطار حرية الفكر والعقيدة والبحث والإبداع :
(1)كانت وزارة الثقافة ممثلة فى المجلس الأعلي للثقافة والهيئة العامة للكتاب تتزعم المواجهة مع التيار السلفي، ودار الصراع بينهما عبر اجهزة الإعلام وساحات التشريع والقضاء.
وقد أصدرت الوزارة سلسلة المواجهة وسلاسل القراءة للجميع وأصدر المجلس الأعلى للثقافة سلاسل التراجم وعيون الثقافة الرفيعة، وتعرض المسؤولون عن هذا التنوير خصوصا د. سمير سرحان و د. جابر عصفور الى الكثير من حملات التشويه والهجوم، ويقول د. سمير سرحان فى ندوة حرية الإبداع وحقوق المبدعين التى عقدت فى ديسمبر 95 (لقد تعرضت كرئيس لهيئة الكتاب وتعرض معى المثقفون المصريون المتعاملون مع الهيئة لهذا التيار الذي يهدف الى قتلنا جميعا )وقال ان احد اعضاء مجلس الشعب وقف يرفع غلاف مجلة ابداع ويصرخ..إن مجلة إبداع التى تصدرها الدولة تنشر صورا عارية، ويصيح نائب آخر( كل هذا يحدث فى بلد الأزهر..!!) ويقول د. سمير سرحان (لايمر علينا فى الهيئة يومان أو ثلاثة إلا وتأتي لنا رسالة من شخص يدعى الشيخ جزرة، فمن هو الشيخ جزرة؟ إنه الشخص المنوط به بحث الأعمال الأدبية والفنية والعلمية فى مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر، وإذا قال شيئا صدق عليه شيخ الأزهر، فالخطاب يأتي من شيخ الأزهر يخاطبنا بأننا ننشر الفساد وننشر الفسق وأننا كفرة وقليلو الأدب! لماذا لأننا ننشر شعرا لحسن طلب وعدد من الشعراء الشبان.. ويطالب الخطاب كل مرة بإقالتي شخصيا وبمحاكمة وزير الثقافة في البرلمان، وقال إن أحد وكلاء النيابة طلب الموظف المسؤول عن معرض الكتاب في جامعة بنها و أمر بالقبض عليه لان الكتب التي تعرضها الهيئة إباحية، وقال ان نيابة الساحل وجهت له تهمة نشر كتب الفسق والفساد، وكان مطلوبا منه الحضور أمام النيابة فرفض، فقال وكيل النيابة سآتي به ولو بأمر ضبط وإحضار، وقال سمير سرحان ان الأزهر طلب مصادرة ثلاثة دواوين فعرض الأمر علي رئيس الجمهورية حسني مبارك الذي قال: لا مصادره إلا بحكم قضائي. وقال د. سمير سرحان ( انا اعرف أن أمر الأزهر استشاري وليس له علاقة الا فيما يتعلق بالنصوص القرآنية والأحاديث الصحيحة وفيما عدا ذلك لا ولاية له علي الإبداع..)
وفي نفس الندوة قال حمدي سرور الرقيب السابق علي المصنفات الفنية في وزارة الثقافة إن الأزهر طلب وقف تصوير فيلم المهاجر فلم يرد عليهم ؛ وقال اذا كانت هناك كتب او افلام لا تعجب الأزهر فليقم هو بتأليف و إنتاج أفلام في الرد.ولكن ليس من حقه ان يصادر ما لا يعجبه (حرية الإبداع وحقوق المبدعين :ندوة نشرها وعقدها مركز دراسات حقوق الانسان:أمير سالم ص17:14، 94)
(2)والواضح أن الأزهر في بداية عصر مبارك وفى نهاية الثمانينيات قد وصل نفوذه الى الذروة خصوصا مع عودة العلاقات الرسمية بين مصر والسعودية راعية الفكر السلفي المتزمت، وأصبح لمجمع البحوث صفة الضبطية القضائية لما يراه مخالفا لتحقيق آمال الطامعين فى إقامة الدولة الدينية.واستخدام الضبطية القضائية يعني أن يكون للشيوخ نفوذ في دوائر الأمن يستخدمونهم ضد خصومهم من المفكرين، وقد تجلي هذا في مطاردتهم لكاتب هذه السطور، ويكفي أن القضية الملفقة التي حاكوها لي لا تزال بنفوذ الشيوخ مفتوحة حتي الأن سيفا مصلتا فوق رأسي ليرهب العقل عن الاجتهاد والتفكير، ولكن لم ولن يفلح إن شاء الله تعالي.
ونجح الأزهر بهذا النفوذ فى مصادرة كتب المستشار سعيد العشماوي فى معرض الكتاب وهو مشهور بوقفته الصامدة ورؤاه المستنيرة فى مواجهة الفكر السلفي، وأدت معركة المصادرة هذه الى توضيح الأساس القانوني لدور الأزهر وأهمية تصحيح الموقف، ومن هنا كان تأكيد رئيس الجمهورية على انه لا مصادرة إلا بحكم قضائي، وقبل ذلك حدد القانون 102 لسنة 1985 دور مجمع البحوث في مراجعة المصحف والأحاديث النبوية، ولذلك ضيق من اختصاصات المجمع المدونة فى المادة 40 من لائحة قانون الأزهر والتي تجعل ولاية المجمع بالمصادرة والسماح عامة على كل المؤلفات التي تتعرض للإسلام.
ولجأ الأزهر الى طرق جانبي لفرض ولايته على وزارة الثقافة، فأصدرت لجنة الفتوى والتشريع فتوى تعطى الأزهر ممثلا في مجمع البحوث الحق فى الاعتراض وطلب مصادرة المصنفات الفنية التي تمس العقيدة باعتبار أن الأزهر هو صاحب الحق فيما يخص الشأن الإسلامي، ووزارة الثقافة صاحبة الحق فى الترخيص. وقامت حملة لمواجهة هذه الفتوى من مراكز حقوق الإنسان وعقدت المنظمة المصرية حلقات نقاشية لبحث هذه الفتوى وصدرت فى كتاب سنة 1994، وأبطلت تلك الحملة الهدف من الفتوى. وهناك حكم هام لمحكمة النقض المصرية بشأن الطعن رقم 2062لسنة 51 ق : أكد أن الجهة الوحيدة التى لها أن تمنع المطبوعات من التداول فى مصر هي مجلس الوزراء، إذا كانت تلك المطبوعات تتعرض للأديان تعرضا من شأنه تكدير السلم العام، وقد أشرنا الى هذا القانون وهو رقم 20 لسنة 1936وقالت المحكمة انه لا اختصاص لمجمع البحوث أصلا فى أن يطلب مصادرة الكتب، لأن دوره هو الرد على الآراء غير الصحيحة ودوره الرقابي يقتصر على القرآن والسنة.
المحصلة النهائية لهذا النضال لم تسفر فقط عن تراجع الهجمة السلفية وتشجيع المفكرين المسلمين خارج الأزهر على الاجتهاد وطرح قضايا جديدة لتصحيح عقائد المسلمين وربطها بالقرآن، و أنما كان لها أثرها السياسي فى تصحيح الهيكل القانوني بعض الشيء. وأبرز مثل على ذلك هذا القانون 221 المنشور فى الجريدة الرسمية في 27/10/1994 وقد ألغي القانون حماية الجهة والسلام الاجتماعي الذى أصدره السادات. (قانون33-78 )كما ألغى من قانون العيب الصادر سنة 80 برقم 95 النص الأول والنص الثاني عن المسؤولية والجزاء. ويبقى النضال مستمر وسلميا للإصلاح التشريعي بإلغاء باقي القوانين الاستثنائية والمقيدة للحريات.
(2)وبخلاف التلفزيون والإذاعة وهما من أدوات التأثير السلفي فإن الصحف القومية والحزبية المستقلة كانت مسرح الصراع بين التيارين العلماني المستنير والسلفي، وفي الوقت الذي غاب فيه التلفزيون من الساحة إلا لتأييد الشيوخ فإن الصحف اشتعلت فيها المعارك الفكرية التى كان لها تأثيرها السياسي والتشريعي والقانوني والثقافي. وأسهمت فيها دفاعا عن حرية الفكر و حقوق الأنسان من رؤية اسلامية قرآنية. وكان من أهمها قضية التفريق بين نصر أبو زيد وزوجته، وحبس الكاتب علاء حامد، وأخيرا معركة قانون الصحافة.
(3)
وواكب هذه المعارك الفكرية قيام الجناح المدني للتطرف وهم الشيوخ بتكفير الخصوم وما نتج عن هذا التكفير من قتل لفرج فودة ومحاولات قتل نجيب محفوظ وغيره، وأدى ذلك إلى ترسيخ الاعتقاد بأن حرية الفكر لا يهددها فقط أصحاب المناصب فى الدولة ولكن أيضا الساعون إلي الحكم عن طريق تحييد العقل المصري وتغييبه. وفى هذه المعارك انضمت بعض صحف المعارضة للتيار السلفي مثل الشعب، وانضمت بعضها للاستنارة مثل الأهالي، وكانت بعض الصحف القومية مثل الأخبار ملتقى للكتاب من جميع التيارات ومن أسف أن الصحف الدينية الحكومية والمعارضة اتحدت علي تأييد الفكر السلفي.
والمحصلة النهائية لهذه المعارك ليس فقط في إظهار جهل أصحاب الشأن الديني بحقائق الإسلام وتقاعسهم عن الاجتهاد واستغلالهم نفوذهم فى المصادرة والاغتيال المعنوي للخصوم، ولكن أيضا في اتساع قاعدة الدراية بالوعي الديني والسياسي في أواخر التسعينيات عنها فى أواخر الثمانينيات. ولأن القانون يحتاج الى تربة ينبت فيها ويعبر عنها وتعبر عنه فإننا نرجو إصلاحا تشريعيا وقانونيا يسير مع الوعي وينميه، وتركيز هذا الإصلاح على إلغاء المواد الدستورية والقانونية التي تحد من حرية الفكر والعقيدة والبحث العلمي، وتفصل بعبارات محددة بين عقوبة السب والقذف لشخص ما باسمه وبين الرأي والنقد لهذا الشخص.
رابعا: رؤية مستقبلية من شاهد على العصر:
(أ) من حقي أن اشعر بالأسى حين أتذكر أن سبب تركي للأزهر أنني اجتهدت طبقا للقانون 103 لسنة61 في تجلية حقائق الإسلام، فاتهمني الشيوخ بأنني أنكر حقائق الإسلام حين أنكرت شفاعة النبي وعصمته المطلقة. وكان ذلك من سنة 1985 : سنة 1987.
والآن يكتشف آخرون أن النبي لا يشفع كما يؤكد د. مصطفي محمود، وأن عصمة النبي بالوحي فقط كما أعلن مؤخرا الدكتور يوسف القرضاوي.
ومن حقي أن أشعر بالأسى حين أتذكر دخولي السجن في نوفمبر 1987 متهما طبقا لما ذكرته الأهرام فى 30/11/1987 بإنكار الشفاعة وادعاء أن عمر بن الخطاب منع أن تكتب الأحاديث التي عرفها المسلمون منذ الفتنة الكبرى، وأن هذه الأحاديث محل اختلاف بين الفقهاء ولا تفيد اليقين، وأن القرآن لم يأت فيه حد الردة أو حكم بقتل المرتد وأن النبي (ص) لم يقتل منافقا، وأن القرآن الكريم لابد أن يكون الحكم والمهيمن على أى كلام أخر، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام برئ مما ينسبونه إليه مخالفا للقرآن. وتقول الأهرام نقلا عن محضر تحقيق نيابة أمن الدولة العليا أن المتهم تقدم برأيه هذا للأزهر فأحالوه إلى مجلس تأديب وتم عزله من الجامعة لأنه خرج على المألوف. وكان تحقيق أمن الدولة معي قد استغرق أكثر من مائة صفحة، كنت أجيب فيه من الذاكرة بالآيات والأحاديث، و طلبت النيابة من الشيوخ الرد على ما قلت من أدلة فلم يردوا، فأفرجت عني النيابة وقتها بعد شهرين من السجن في مزرعة طرة.
والذي كنت متهما بسببه وكان خارجا على المألوف سنة 1987 قد أصبح الآن بنضال المتهم أحمد صبحي منصور ثقافة عادية مألوفة يقولها الآن بعض الشيوخ المنافقين بعد ان غيروا بعض جلودهم.
ومن حقي أن اشعر بالأسى حين يكتب الشيخ عبد المعطي بيومي رئيس تحرير منبر الإسلام في عدد يناير 1988 يدعو لقتلى بتهمة الردة، ثم يصبح الآن د. عبد المعطى بيومي داعية لتجديد الفقه وحرية الرأي معلنا انه لا يجوز قتل المرتد ويستشهد ببعض أدلتي.
ومن حقي أن أشعر بالأسف حين هاجمني فهمي هو يدي تحت عنوان( السنة بين الافتراء والاجتراء) في 29/12/1987 ثم يركب فيما بعد موجة الاستنارة مرددا بعض أفكاري.
من حقي أن اشعر بالأسى حين هاجمتني جريدة الوفد الليبرالية عندما نشرت الأخبار لي عدة مقالات تحت عنوان (القرآن هو الحل ) خلال أعوام 1989 وما بعدها ؛ وتبنى التحريض ضدي جمال بدوي في عدة مقالات في 23 ؛ 24 ؛ 25 أبريل 89 ورفض ان ينشر ردى عليه بل كتب يرد بهجوم فاحش تحت عنوان ( أباطيل الرجل المفصول من الأزهر ) في 12 مايو 89 واستخدم الشيوخ للهجوم علي وكان منهم د.عبد المعطي بيومي في 23 ؛ 30 يونية 1989 ؛ 28 يوليه 1989.. وحتى بعد نشر كتابي الذي ينفي حد الردة يكتب صحفي في الوفد هجوما بذيئا تحت عنوان ( ردة احمد صبحي منصور ) في 4 نوفمبر 1993. والوفد الليبرالية لا تزال علي نفس الموقف معي تقريبا ؛ و أحيانا تحاول الاستنارة باستكتاب بعض من يرددون بعض أفكاري.
( ب ) وقد يبدو هذا الكلام عن الذات بعيدا عن الموضوع ؛ ولكنه أساس الموضوع ؛ ان موضوعنا عن القانون وحرية الفكر ؛ ولابد للقانون من تربة ينبت فيها وينمو ويعمل ؛ فمن السهل أن نكتب قوانين ودساتير غاية في الروعة ؛ فكيف تعمل في بيئة جاهلة ؟ وكيف يستفيد منها شعب أمي متخلف ؟ من الواضح أن هذه القوانين ستظل مجرد حبر على ورق. إذن لا يكفى وجود قانون عصري ولابد من وجود وعى بين الجماهير حتى تستطيع أن تستفيد من هذا القانون وتحوله إلى أسلوب حياة تعيش به ويعيش بها. لقد كان عزلي من الجامعة مخالفة للقانون.وكان إدخالي السجن مخالفة للقانون حتى قانون الطوارئ، ولكن المناخ كان رديئا، إذ سيطر الفكر الوهابي، واستجابة لهذا المناخ كان وضعي في السجن عملا مقبولا مع مخالفته للقانون والدستور وشريعة الإسلام. إذا لابد من تغيير المناخ بنشر الوعي ليواكب تغيير القوانين والدستور.
وهذا الوعي يصنعه بعرقهم وآلامهم ودمائهم المفكرون الأحرار في عصور التحرر الفكري والتحول الديمقراطي ؛ وبقدر ما يسبق المفكر عصره وبقدر النفوذ الذي تتمتع به مؤسسات الاستبداد بقدر ما يعانى ذلك المفكر حتى يصل فكره الى المثقفين ثم من خلالهم إلي الجماهير ؛ و أثناء ذلك قد يدفع المفكر الحر حياته ؛ مثل فرج فودة ؛ أو يضيع مستقبله مثلى ؛أو يضطر للهجرة ؛ مثل نصر ابو زيد.
ومن هنا فإن نضال المفكرين الأحرار هو السبيل الوحيد لعودة الوعي المفقود ولإزالة الكهنوت الديني والسياسي ؛ وعن طريق هذا النضال تتحول التابوهات المقدسة إلى قضايا خلافيه تقبل النقاش والنقد ؛ وتنتهي عبادة الأبطال من الأئمة والزعماء.
ومن هنا أيضا فإنه صحيح أن من حقي أن اشعر بالأسى لما حدث ولا زال يحدث معي.
ولكنني لا أشعر بالأسى ؛ فإن ما كان يقوله ( المتهم ) احمد صبحي منصور ؛ قد أصبح الآن من الفكر المباح الذي يتبناه المستنيرون داخل وخارج الأزهر بعد سنوات عجاف من التكفير والسب الفاحش والمطاردة.
ومن بين المفكرين المستنيرين الذين ساروا على طريق الاجتهاد الديني مؤخرا الأستاذ جمال البنا ؛ الشقيق الأصغر للشيخ حسن البنا ؛ الذي يؤكد خلال مؤلفاته الكثيرة منذ 1994 نفس الحقائق الإسلامية التي أناضل وأعاني في سبيل إظهارها منذ 1985 وحتى الآن.
وعلى سبيل المثال :
كتبت حرية الرأي بين الإسلام والمسلمين ؛ للملتقي الفكري الثالث للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان في أوائل مايو 1992 ونشرته مجلة القاهرة. ثم صدر كتابنا حد الردة سنة 1993 ونشرته مجلة القاهرة في العدد 152سنة 1995 واحدث كتاب حد الردة صدى هائلا خصوصا بعد نشر جريدة الأحرار فصولا منه فاصدر جمال البنا كتابه ( كلا ثم كلا لفقهاء التقليد ) يؤكد ما قلته من ان حد الردة صناعة فقهية تتناقض مع الإسلام وكان ذلك بعد عام من صدور كتابي حد الردة. وعلي الجانب الآخر لم يستطع فقهاء التطرف مواجهة كتابي حد الردة ؛ فكتب د. محمد سليم العوا يقول إن عقوبة الردة مجرد تعزير من حق الحاكم وليست حدا مشروعا له حكم الحدود ؛ وأجهد نفسه في كتابه ( أصول النظام الجنائي الإسلامي : 151 : 170 ) كي يثبت ان عقوبة الردة مجرد تعزير ؛ وهو يعلم ان عقوبة التعزير في الفقه لاتصل الى اقل عقوبة في الحدود أي اقل من أربعين جلدة. فكيف يستقيم هذا مع عقوبة قتل المرتد ؟ ثم كيف يكون لولي الأمر ان يحكم بغير ما انزل الله ؛ ومعروف ان التيار المتطرف يهاجم الحكومة بحجة أنها تحكم بغير ما أنزل الله ؛ ومن هنا ثارت معركة تجديد الفكر عندما لم يقتنع فقهاء التطرف بالردود التي حاولت ان تقف أمام كتابي حد الردة، وواكب هذا قضية نصر أبو زيد، وقد نشرت عدة مقالات في الأهالي وروزاليوسف ثم صدر كتابي ( الحسبة بين القرآن والتراث) الذي صدر في طبعتين سنة 1995 (المحروسة) (النداء الجديد ) ونشرته مجلة القاهرة في العدد 158 في العدد1996.
و أسفر هذا الجهد مع جهد جمال البنا عن قيام حركة استنارة داخل الأزهر وخارجه تنادى بتجديد الفقه وتنقية الأحاديث وتمتعض من شفاعة البشر وعصمة النبي خارج الوحي ؛ وتواجه هذه الحركة المستنيرة ( جبهة علماء الأزهر) المتشددة. وآخر ما كتبه جمال البنا هو (الإسلام وحرية الفكر ) سنة 1999 وقد كتب علي غلاف الكتاب: لازلنا نقول حد الردة صناعه فقهيه تناقض صريح القرآن ).
وبالمناسبة فقد ثارت حملة صحفية ضد مركز ابن خلدون الذي تبني مقترحا لمشروع التعليم والتسامح ؛ كتبت فيه مقترحا للتربية الدينية الإسلامية يجعلها تتمشى مع حقائق الإسلام وحقوق الإنسان. واظهر هذا الهجوم حاجة كثير من المثقفين والمتاجرين بالدين الي ان يتعلموا الف باء الإسلام.
هل بعدنا عن الموضوع ؟
كلا..لأن الفكر الديني هو أساس الوعي لدينا. وعلي سبيل المثال فإن اعتقاد بعض المثقفين في الدجالين من شيوخ النصب يؤكد وجود وازع ديني متأثر بثقافة دينية تخالف الإسلام القائم علي التعقل ونبذ الخرافة والارتزاق بالدين.
هذه الثقافة هي البيئة التي ينبت فيها الدجل السياسي والاقتصادي، ولا يفترق الدجال الذي يستخدم الدين للوصول الي استحلال مالك أو شرفك عن الدجال الأخر الذي يستخدم الدين ليركب علي ظهرك حاكما باسم الإسلام. والدجال فى الحالتين يحتاج إلى إقناعك بتلك الثقافة الدينية لكي تعطي عقلك إجازة مفتوحة. وبمعني اخر لابد أن يطفئ جذوة الوعي لديك. يفعل ذلك الطامعون في الحكم وأصحاب العلاج بالقرآن وسدنة الأضرحة وكل من يطلق علي الناس لحيته وينتظر منهم أن يدفعوا له الأجر جاها وسلطة وخضوعا. وكلما اعتقدت في أحدهم تتنازل له طواعية عن مالك واحترامك لنفسك وعقلك.
وهذا الاعتقاد يقوم علي أساطير من كرامات وأحاديث كاذبة سيبرأ منها النبي عليه السلام يوم القيامة وشائعات علمية وفتاوى سامة، وقد آن الأوان لكي نتخلص منها إذا كنا نؤمن فعلا أن الإسلام دين الله الذى يحوي الرقي الحضاري والقيم الخلقية الرفيعة.
ومن حسن الحظ أن القرآن يناقض تلك الثقافة المعادية للعقل بقدر ما يتطابق القرآن مع التعقل وحرية الفكر ومسؤولية الإنسان الشخصية أمام الله تعالى وحده عن اعتقاده وتفكيره الديني. ومن السهل ان نتعرف علي ذلك كله فى القرآن إذا قرأناه بمصطلحاته ومفاهيمه قراءة علمية موضوعية بعيدا عن مفاهيم التراث ومصطلحاته. ومن هنا كان الاجتهاد فريضة قانونية في قانون الأزهر، وكان فريضة إسلامية وطنية لتبرئة الإسلام من الإرهاب والتعصب والتخلف ولإنقاذ مصر، حاضرها ومستقبلها.
ولكي يثمر هذا الاجتهاد في تنقية الوعي لابد من تضحيات من مفكرين يعرفون طريقهم جيدا ويتحملون الاضطهاد في سبيل تغيير البنية العقلية الثقافية للنخبة والجماهير.
وتنقية الوعي لابد أن يتواكب معها تغيير كل القوانين التي تحجر علي حرية الفكر والإبداع والبحث. وهذا النضال التشريعي والثقافي الفكري لابد أن يتواكب أيضا مع إصلاح سياسي وديني واجتماعي من داخل الدولة والنظام وبالطريق السلمي الهادئ والمستمر.
نريده إصلاحا فوقيا وتحتيا يمتد الي كل العقول علي طول امتداد العمران المصري في الريف والحضر.
و ثمرات العولمة تساعد علي تحقيق هذا الإصلاح، وإذا كان الغرب قد ناضل دمويا منذ القرن الثامن عشر حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ليجتث ثقافة الاستبداد والكهنوت الديني والسياسي من العقول، فإن بإمكاننا في ظل ثقافة العولمة أن نصل الي نفس النتيجة في عشرات السنين وبطريقة سلمية إذا كنا نؤمن بأن الإسلام لا يتناقض مع حقوق الإنسان الطبيعية ومع القيم الإنسانية الرفيعة. والله تعالى المستعان
القاهرة 10/11/1999.
ملاحظة
كتبت هذا البحث وقدمته فى التاريخ السابق لاحدى الورش الفكرية للمنظمة المصرية لحقوق الانسان والتى شرفتنى ردحا من الزمن بانتخابى عضوا لمجلس أمنائها مسئولا عن الأمانة الفكرية فيها.
كتبت هذا البحث وقت الاضطهاد والملاحقة الأمنية وتوقع الاعتقال فى كل وقت، حين كنت أتبادل مع أولادى نظرات الفزع اذا دق جرس الباب او جرس التليفون. كنت ـ و لا أزال ـ لا أملك الا قلمى وايمانى بربى جل وعلا فى مواجهة أعداء لا يرقبون فى مؤمن الا ولا ذمة. عرفت وضاعتهم ودناءتهم فى الخصومة التى لا يوازيها الا نفوذهم الطاغى الرسمى و الشعبى، لذا كتبت هذا البحث بنصف قلم لم أقل فيه كل
التعليقات