القسم الثاني

مَن هو سيد قطب؟
هناك روايتان عن توجه سيد قطب إبراهيم قبل أن يصبح الأب الروحي لحركة الإخوان المسلمين. رواية تقول بانه كان شيوعيا، والتقى بحسن البنا وتأثر به ودخل في حركة الإخوان المسلمين، وسلك المسلك المتشدد، وحظي بقبول كثير من رفاقه في الحركة. وهذه الرواية ليست غريبة فكثير من الشيوعيين المتشددين الذين ألفوا كتبا كثيرة عن الماركسية اللينينية ودافعوا عنها تحولوا إلى الإسلام وسلكوا مسلك التشدد أمثال المفكر الماركسي الذي أصبح اليوم المفكر الإسلامي الفلسطيني منير شفيق والمفكر الشيوعي الذي أصبح هو الاخر المفكر الإسلامي المصري محمد عمارة المعروف بمواقفه السلبية لحقوق الشعوب الغير عربية في الشرق الأوسط من خلال مقالاته في مجلة رسالة الإخوان عن الشعب الكردي مثلا.
أما الرواية الثانية عن سيد قطب فتقول بأنه كان ليبراليا، زار الولايات المتحدة وتأثر بالفكر الليبرالي ثم رجع إلى بلده مصر وقرأ دراسات القاضي المدني وعضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين عبد القادر عودة وتأثر بها. وللعودة عدة مؤلفات ربما أشهرها شمولا كتابه (التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي) في مجلدين يتجاوز عدد صفحاتهما معا أكثر من 1500 صفحة ظهرت منها عشرات الطبعات.

سيد قطب وتسييس الإسلام
جاء عبد القادر عودة بفكرة إعتبار الإسلام نظام شامل قادر لقيادة الناس والحياة الإنسانية دون الحاجة لأي نظام آخر. ومن خلال تأثر سيد قطب به تحول إلى التنظيم الدعوي للإخوان المسلمين. ثم دخل السجن وتعرض للتعذيب، مما جعله يحمل حقدا على العلمانيين، فجاء بأفكار سياسية متشددة، ووجد الإسلام طريقا لتمرير هذه الأفكار، فدعى إلى تسييس الإسلام، وتحويل دعوة الإخوان المسلمين الذي كان بعيدا عن الحزبيـة والتحزب الديني إلى حزب سياسي ديني.
ذهب سيد قطب أبعد من ذلك حين أصبح مرشدا للإخوان المسلمين، وجاء بفكرة ( الحاكمية )، وضرورة أن تتحقق ذلك من خلال سيطرة حزب سياسي ذات توجه ديني اسلامي ولو عن طريق القوة والإغتيالات. وخطط لقتل الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وبذلك أصبح تنظيم الإخوان المتحزب ممنوعا في مصر، وأعدم سيد قطب وأصبح شهيدا. واعتقل عشرات العناصر التابعة للإخوان المسلمين، واعتبر تنظيما معاديا للأمن والنظام.
من خلال مراجعتنا لتفكير سيد قطب في الحاكمية، يمكننا أن نوجز ما كتبه في كتابه ( خصائص التصور الإسلامي، دار الشروق، ط7، 1980 )، حيث يقول في ص 47 مايلي: " إنه تصور رباني، جاء من عند الله بكل خصائصه، وبكل مقوماته، وتلقاه (الإنسان) كاملا بخصائصه هذه ومقوماته، لا ليزيد عليه من عنده شيئا، ولا لينقص كذلك منه شيئا. ولكن ليتكيف هو به وليطبق مقتضياته في حياته. وهو –من ثم- تصور غير متطور في ذاته، انما تتطور البشرية في اطاره، وترتقي في ادراكه وفي الإستجابة له ".
ويستمر في قوله: " وهو -من ثم- كامل متكامل. لايقبل تنمية ولا تكميلا، كما لايقبل (قطع غيار) من خارجه. فهو من صنعة الله، فلا يتناسق معه ما هو من صنعة غيره. والإنسان لايملك لأن يضيف إليه شيئا، ولايملك أن يعدل فيه شيئا. إنما هو جاء ليضيف إلى الإنسان. لينميه ويعدله ويطوره ويدفع به دائما إلى الأمام ". (سيد قطب، خصائص التصور الإسلامي، ص 49 ).
ويحدد سيد قطب خصائص التصور الإسلامي في نفس المصدر، وهي:
الربانية
الثبات
الشمول
التوازن
الإيجابية
الواقعية
التوحيد
وبذلك تحول الإسلام من (الجماعة) إلى (الحاكمية)، وجعل الحاكمية أساسا من أسس الإسلام، بل أمرا إلهيا. حيث تطور هذا التحزب الإسلامي إلى حالة إسلاموية، وعمل بشري، وبدؤوا يكفرون المسلمين، مستثنيا منهم فئة المتحزبين الذين يعملون من أجل الحاكمية، لأنهم الفئة الوحيدة التي تفهم نهج الإسلام، أما المسلمون الآخرون فخارجون عن النهج السليم وإن أقاموا الفرائض كلها وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر. وفي هذا يقول سيد قطب: " فقد إرتدت البشرية إلى عبادة العباد، وإلى جور الأديان ونكصت عن لا إله إلاّ الله، وإن ظل فريق منها يردد على المآذن (لا إله إلا الله ) دون أن يدرك مدلولها، ودون ان يعني هذا المدلول وهو يرددها، ودون أن يرفض شرعية (الحاكمية) التي يدعيها العباد لأنفسهم – وهي مرادف الألوهية – سواء ادعوها كأفراد، أو كتشكيلات تشريعية أو كشعوب، فالأفراد، كالتشكيلات، كالشعوب، ليست آلهة، فليس لها اذن حق الحاكمية، إلاّ أن البشرية عادت إلى الجاهلية، وارتدت عن لا إله إلاّ الله. فأعطت لهؤلاء العباد خصائص الألوهية. ولم تعد توحد الله، وتخلص له الولاء ". (سيد قطب، في ظلال القرآن، ج 2، ط 10، دار الشروق، عام 1982، ص 1057).
وبعد ذلك يدعو إلى ممارسة العنف وضرب كل فكرة معارضة لفكره. فيقول: " فكل مَن آمن بهذه الدعوة وتقبلها بقبول حَسن، يصير عضوا في (الجماعة الإسلامية) أو (الحزب الإسلامي) لافرق في ذلك بين الأحمر والأسود، أو بين الغني منهم والفقير. كلهم سواسية كأسنان المشط. لافضل لأمة على أمة. أو لطبقة على أخرى. وبذلك يتكون ذلك الحزب العالمي أو الأممي، الذي سمي (حزب الله) بلسان الوحي. وما أن يتكون هذا الحزب حتى يبدأ بالجهاد في سبيل الغاية التي أنشئ من أجلها. فمن طبيعته، وما يستدعيه وجوده، أن لايألو جهدا في القضاء على نظم الحكم التي أسس بنيانها على غير قواعد الإسلام ". (سيد قطب، في ظلال القرآن، ج3، ص 1449).

دحض أفكار سيد قطب في التكفير وممارسة العنف من وجهة نظر إسلامية
يقول المرشد العام للإخوان المسلمين، وهو نفس التنظيم الذي كان سيد قطب مرشده، معبرا عن منهج الإخوان بقولـه "نحن دعاة ولسنا قضاة ". يقول عن حكم الناطق بالشهادتين إيمانا أنه مسلم مؤمن، وبذلك لا يجوز قتله وتكفيره. فيقول: "وحكم الناطق بشهادتي: أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أن نعتبره مسلما تجري عليه أحكام المسلمين وليس لنا أن نبحث في مدى صدق شهادته. إذ أن ذلك متعلق بما استشعره واستيقنه بقلبه وهو امر لاسبيل لنا للكشف عنه والتثبت منه، ولكن ذلك من شأن الذي يعلم السر وأخفى. فمن استيقن قلبه ما نطق به لسانه، كان عند الله مسلما مؤمنا ونفعه ما تلفظه بلسانه". (الإمام حسن اسماعيل الهضيبي، دعاة لاقضاة، دار الصديقية للنشر، ص 18).
ويبرهن الإمام الهضيبي قوله بحديث نبوي شريف: "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ".
ويقول تعالى: " إن الله لايغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمَن يشاء ". وعليه يقول الهضيبي: "فعلمنا يقينا أن مَن قال لا إله إلا الله وكان في قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشركا – والكافر والمشرك سواء - ويعني انه ليس كافرا ايضا. ( الهضيبي، المصدر السابق، ص 18).
ولعل هذا الحديث النبوي الذي ندونه أدناه رد آخر على سيد قطب ودعوته بتكفير المسلمين الذين لايرفضون حاكمية المسلمين الغير متحزبين الذين قد يكونوا عادلين أيضا. بل قد يرفضون الحاكمية التي جاء بها بعض الأحزاب الإسلاموية بأسم الإسلام لتحقيق أهداف شخصية دنيوية: " وحدث المقداد بن عمرة الكندي وهو ممن شهدوا بدرا. أنه قال: يارسول الله أن رأيت كافرا فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ بشجرة وقال أسلمت لله آقتله بعد أن قالها ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله). قال يا رسول الله فإنه طرح إحدى يديَ ثم قال ذلك بعد ما قطعها. آقتله ؟ قال (لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله. وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال ". (حديث نبوي في صحيح البخاري، ج9 , ص 3-4، نقلا عن الهضيبي، نفس المصدر، ص 19 ).
والإسلام بعد كل ذلك يرفض التكفير بدون وجه حق، ويرفض تكفير المسلمين كما بينا ذلك أعلاه. بل أن الإسلام يمنع كليا اتهام المسلم بالكفر بدون أدلة واثباتات وشهود وتأكيد، لأن التكفير الذي يمارسه بعض التنظيمات الإسلاموية، ولا سيما الإرهابية منها في غير محلها تشويه لعدالة الإسلام. فعن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالىعنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلاّ حار عليه – رجع عليه الكفر". (حديث صحيح رواه مسلم).
وفي إحدى المعارك التي خاضها المسلمون، حاول كافر أن يقتل النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فأسرع الصحابي الجليل بلال الحبشي رضي الله عنه يحمي الرسول، وعندما شعر الكافر بأنه يُقتَل، نطق بالشهادتين، لكن الصحابي قتله. وشعر بأنه عمل عملا حسنا فرواه للرسول صلى الله عليه وسلم. فانزعج الرسول على ما فعله الصحابي. فقال الصحابي: ربما قاله لينقذ عنقه ؟ فقال الرسول عليه السلام: هلاّ شققت قلبه " ؟ أو كما قال رسول الله.

القسم الثالث: من سيد قطب وتسييس الإسلام الى الأحزاب الإسلاموية وشرذمة الإسلام

[email protected]
- السويد