عبر المنطقية أو من خلال حواراتنا الداخلية التي تبحث في عملية فيزيائية- كيميائية مركبة كما تؤكده العلوم الحية عن سبيل ما في معرفة المصير، ذاك المصير الذي بدأ البحث عنه منذ قيام أبونا آدم في الأرض، وما زال حتى الآن البحث جار مع بعض الاختلافات التي تطورت بفعل مراحلها لأن هناك تاريخ.
ومن أقوى وأبرز السباب التي دعت لظهور العلوم والفلسفات والأيديولوجيات وحتى ما تمثل بالقصص المتواترة في كتب العقيدة والإيمان، هو السعي وراء البحث عن المصير، والفرق بين تاريخ الفكر البشري وعصور الرومانسية وبين العقيدة هو أن إحداها حدد المصير ضمن أطر صراعات الثروة والسلطة والنفوذ فتحددت بذلك مدة انهياره أو استمراره كقوة طاغية –وهذا على ما يبدو هو الاصل في جذور "الطغيان"- ذلك لأن تبدلات الطبيعة الحية وانقلابات البشر بفعل كل ما هو جديد تعمل على إسقاط القوى وتقوية الضعيف حتى يصل إلى مرتبة النفوذ والعمالة – وهذا على ما يبدو هو الأصل في جذور "العمالة"- وهذا ما أثبته فعلاً التاريخ ومنطق التاريخ أيضاً.
وإحدا ما سبق بالطبع هو تاريخ وتراكمات الفكر البشري لأن العقيدة حددت المصير بالاختيار في الوقت الذي أعطت فيه المسار بحرية مفتوحة بالاختيار، والدليل على ذلك هو النهاية المحتومة في العقيدة وهي "إمّا الجنّة وإمّا النار"، ولا عكس على هذا المصير حتى وإن بقي كما هو الآن ومنذ ان بدأ، "إمّا القوة وإمّا الضعف (سياسة الشعوب)"، "إمّا الموت وإمّا الحياة (ثقافة الثورة والمقاومة)"، "إمّا العقل وإمّا التخلّف (ثقافة الفكر والعلوم)"، "إمّا الشجاعة وإمّا الجبن (الأحكام العرفية)" وغيرها الكثير مما صنع وما وضع في تسمية واحدة ومصطلح واحد هو "السياسة".
ربما لم يكن هناك اختيار افضل من اختيارات النقيض والتناقض، وربما كان هناك حلاّ أيضاً قد يتمثل في الوقوف منتصف الأشياء، لكن أين يقف الوسط فلا أحد يدري؟! وكلها تساؤلات تبحث عن مصير الإجابة عنها، فبينما تحولت الوسطية أوائل ظهورها في أوروبا إلى مجتمع العدالة ليس لأنها وسطية بل لأنها فشلت في إتمام ما كان ينشده المجتمع، لتكتشف بذلك ثقافة العدالة من جديد لأنها ظهرت من قبل ظهورها في أوروبا مئات المرات عبر التاريخ، سميت بالإرث الحضاري، لكنها بقيت كما هي إرثاً ليس له علاقة مع احد، بل هو فقط إرث الشعوب.
ترى أين المصير الذي لا يستطيع أن يقيم العدالة ولا أن يكون حلاّ وسطاً بين احتلال ومحتل، وبين حاكم ومحكوم، وبين عبد ومعبود، وأين منطقية المصير عندما تتوقف أمام جدران "الأمن الدولي" و "الأمن القومي" وحتى "الأمن العام"، لأن كل هذا "الأمن" مؤقت بتوقيت اللحظة ولا يبحث إلاّ بضبط مصيرها، وليس لاستشفاف المصير، فكيف تستطيع الشعوب إذا ان تحيا حياة العدل والمساواة والديمقراطية؟!.
وهناك، كما يرى العالم الآن، رغبة شديدة وبالذات جيل العالم القادم، والقادم قريباً، في اتخاذ قرارات نهائية لما يحصل الآن على الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية، وبالذات في مناطق الصراع ومنازعات الصراع على الأقل للحصول على خارطة لمستقبل منظور، لا لخارطة قد لا تعرف إلى أين يؤدي المصير؟!
كيف يفكر المصير وهو ضائع بين معايير الحيادية والمصداقية في كتابة ما يفكر به وبين أن يواجه ضعف الكتابة عنه أصحاب الرأي الفكري أو المهني كي يقابل بالرفض لأنه يمازج روح الشباب والشبيبة وروح العصر، فعلاً، كيف يفكّر المصير؟!
[email protected]