لم أتوقع شخصيا ان تدين محاكم ايران القاضي أو ضابط الاستخبارات أو كائن من الذي قتل الصحفية الايرانية الأصل (الكندية الجنسية) زهرة كاظمي ضربا باداة حادة على الرأس أثناء "التحقيق"، فعصر المعجزات قد ولى.. ولم اتوقع ان تطالب نقابات الخراف العرب ايران بالعدالة في قضية زهرة، و لا أن ترسل محامين أو ترفع برقيات احتجاج، فزهرة ليست تيسير علوني الإخواني الطالباني الذي قامت الدنيا لاعتقاله لبضعة أيام في سجن خمس نجوم و لم تقعد.. فليس هناك من يمول كل هذا الجهد أولا، ثم ان يد ايران طويلة ثانيا، على طريقة انظمة هذا الجزء الشقي من المعمورة.

بالاضافة الى انها أمراة، نصف في كل شئ، في العقل و الطهارة و الدين و الدية. وقد تجاوزت الحدود فارتكبت الجرم الاعظم.. لقد بحثت عن الحقيقة في عاصمة العدالة، المحكومة بشرع الله من قبل ايات الله، فالتقطت صورا قرب سجن ايفين الرهيب، في بلد حلت فيه عدالة السماء محل عدالة الأرض و اصبحت قيد التصدير الى العالم، و ها هي تطيح بالابرياء بالجملة في العراق و اليمن و الحبل على الجرار.. وفي كل الاحوال.. وفي حال ادانة كبش الفداء في القضية، فستكون تهمته ثلاث سنوات من الحبس حسبما نقلت الاخبار، و لن تكون بالتأكيد حبسا مؤبدا و لا اعداما، فزهرة- الاعلامية و الأم - لا تستحق كل هذا العناء، و حتى كبش الفداء هذا، حكم له بالبراءة..

ثم أن كندا دولة لا أنياب لها، تكتفي بالاحتجاج المعنوي، و تشتكي لمنظمة العفو، و تبدي امتعاظها، فلا اساطيل تبحر و لا جيوش تجرد، و لا تزال تفتح ابوابها لملايين المهاجرين من كل طيف و لون و دين..فلا بأس على من يقتل مواطنيها.. و ببيان رسمي يقول "إن زهرة كاظمي قد تكون قد قتلت عرضا.."..

و على الضفة الاخرى من هذا الفكر المتسربل بالله الذي سبقت رحمته بطشه، تقف عصابات الملثمين قاطعي الرقاب.. أية تتلى، و قرآن يدنس بأيدي قتلت من شعوبها و شعوب غيرها ما قتلت، ثم سيف يقطع بأسم الله و الاسلام رقبة مسكين قد يكون سائقا أو حمالا أو مهندسا، لا دخل له بمناورات السياسة و مطابخ القرارات الدولية. سيارات مفخخة، تنطلق بأسم الله، فتنفجر ممزقة الابرياء في الشوارع و الحارات، و رصاص ينطلق في غفلة، فيقتل مسيحيا أو صابئيا، رجلا ام أمرأة..لا فرق مادام هنالك فعل القتل، و دائما باسم الله، فهنالك "أسد الله" و "سيف الله" و خذ ما شئت. عاهات نفسية و ذهنية لم تر غير الإله لتعلق عليه كل انحرافاتها، تساندها هيئة علماء تدعي تمثيل المسلمين، لم نسمع منها دعوة لتعبيد شارع أو بناء مدرسة، فقط ذلك الصراخ المستمر دفاعا عن القتلة و داعيا للمزيد..

" من قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعد له عذابا عظيما"..النساء 93"، هكذا يقول القرآن ألكريم، فيجيب الملثمون " كل من يتعاون مع الاحتلال هدف.." بما في ذلك الباحث عن لقمة الخبز، و التلميذ الذي يحتضن كتبه الى المدرسة في صباحات وطننا القائظة، و شباب يتقدمون يقفون في طوابير لإعالة عائلاتهم المنهكة، و باعة متجولون، و نسوة و أطفال و شيوخ، و جموع من المصلين في مسجد..كل هؤلاء متعاونون مع الاحتلال..

هذه النماذج هي "البديل" المطروح على العراق.. اشلاء فوق اشلاء، رؤوس مقطوعة، التحقيق بادوات حادة، الخطف و الغدر و الابتزاز و الانتهاك.. فهذا يطارد السواق و العمال، و ذلك يطارد خصلات الشعر، و آخر همه صحون الالتقاط الفضائية، وذياك يبحث عن بائعي الخمور، و تسيل الدماء، وتتطاير الرقاب، و يرسمون جميعا صورة العراق كما يريدونه منسوخا من اقبية طهران، ومغاور أفغانستان و جبال الجزائر بعد ان ابتلى بعقود الذبح القومي التي اكتشفت فلوله مؤخرا الدين.. التجارة الأنجع التي لا بوار لها، بعد ان بعثرت رياح العراق شعارات ألأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة..

الدين وطنا، أم الوطن دينا..

أين هو الاسلام الآخر إذن ؟ لماذا لا تخرج تلك العمائم و اللحى لتتبرأ من "التحقيق بالآلات الحادة" و "قطع الرؤوس". لماذا لم أر أو أسمع فتوى أو عقوبة من جهتي الاسلام السياسي الرئيسيتين (السنة و الشيعة) تجرم قتلة ابناء العراق من غير المسلمين، و هل اصبح الدين وطنا بدلا من يكون الوطن دينا.."أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله – غافر 28 "..

نعم يقتلون و يقتلون.. يبقرون الصدور ويرون ما في القلوب، و ينوبون عن العلي العزيز في الحساب والعقاب والنوال والعطاء، ويقسمون العالم الى بياض وسواد، ويقسمون الجنة وجهنم بين العباد، ويغتالون الله بكرة وأصيلا..