القسم الثاني
مواقف متباينة
هناك مؤسسات أوربية وأمريكية وكردية تُحبذ تشكيل دولة كردستانية في الجزء الجنوبي من كردستان (كردستان العراق)، لكن القيادات الكردستانية للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يترأه البارزاني الإبن، والإتحاد الوطني الكردستاني الذي يترأسه مام جلال الطالباني ينوون البقاء ضمن عراق ديمقراطي تعددي برلماني فدرالي. في حين هناك قوى كردستانية أخرى تعمل بشكل منظم ومن خلال قنوات سياسية ودبلوماسية من أجل تشكيل دولة كردستانية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر "المؤتمر الوطني الكردستاني" الذي يترأسه جواد ملا ومقره في لندن، وموقف الحزب الإسلامي الكردستاني الذي يترأسه د. محمد صالح كابوري، إضافة إلى مواقف شخصيات كردية معروفة مثل د. جمال نبز في ألمانيا.
لنأخذ مثلا رسالة جواد ملا مسؤول المؤتمر الوطني الكردستاني واالمقيم في أنكلترا إلى رئيس الوزراء البريطاني السابق جون ميجر بعد الغزو العراقي للكويت، والداعية بتأييد بريطانيا العظمى لدولة كردستانية. وكان موقف جون ميجر واضحا وجليا من خلال رسالة جوابية أوصلها. S Wall J الى الملا، بأن القيادات الكردستانية تفضل البقاء في حدود العراق. وقد جاءت في الرسالة:
"نحن نؤيد الحكم الذاتي وليس الإستقلال للمنطقة الكردية في شمال العراق. القيادات السياسية في المجتمع الكردي قد أخبرتنا بأن هذا ما يريدونه". (أنظرمجلة Kurdname لسان حال تنظيم كاك، العدد 21، يونيو 1992، ص 1، باللغة الأنكليزية). وبطبيعة الحال عقد المؤتمر الوطني الكردستاني عدة مؤتمرات في أوربا، محددة أهدافها بضرورة تأسيس دولة كردستانية مستقلة على عموم التراب الكردستاني.
ماذا يريد الكرد حقا؟
أجرى مركز أبحاث المكتبة الكردية في نيويورك، والتي تترأسها الأميركية مدام فيرا أول إحصائية للرأي العام الكردي من نوعها في المهجر، بصدد مجموعة من القضايا الهامة والمتعلقة بالقضية الكردية، والمطروحة على الساحة الكردستانية والدولية. وقد وزع المركز إستمارة تتضمن عشرين سؤالا باللغة الإنكليزية على المجموعات المختلفة للجواب على الأسئلة.
العنوان "عرض الرأي العام الكردي". ونشرت نتائج الإحصاء في مجلة أمريكية يصدرها المركز بأسم ”Kurdish life”، نيويورك، عام 1992.
نحن هنا لسنا بصدد طرح جميع الأسئلة والأجوبة إنما نشير إلى السؤال الكبير: ماذا يريد الكرد؟
وهذا السؤال يتكون من أسئلة فرعية نأخذ سؤالين إثنين.
أولهما: "هل تقتنع بالحقوق الثقافية والمدنية للأكراد في الدولة التي ولدتَ فيها؟"
وجوابا على هذا السؤال قال 87% لا لم أقتنع. وضمن هذه النسبة المئوية جاوب:
94% من أكراد كردستان تركيا بالنفي.
90% من أكراد كردستان العراق بالنفي
67% من أكراد كردستان إيران بالنفي.
أغلبية أكراد كردستان سوريا جاوبوا بالنفي.
والسؤال الثاني: هل تريد أن ترى دولة كردستانية مستقلة في الشرق الأوسط؟
كان الجواب بالشكل التالي:
100% من أكراد كردستان تركيا وسوريا بالإيجاب. (نعم نريد دولة كردستانية).
99% من أكراد كردستان العراق بالإيجاب.
67% من أكراد كردستان إيران بالإيجاب.
وجاوب 95% من الأكراد بشكل عام بأنهم مستعدون للنضال من أجل كردستان مستقلة. واعتقد 97% من الأكراد بأن "كردستان مستقلة" هدف يستدعي النضال من أجله".
القضية الكردية في الأمم المتحدة
-تشكيل منطقة آمنة في كردستان العراق "الملاذ الآمن Safe Haven" شمال خط العرض 36 بقرار من بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
-قرار مجلس الأمن المرقم 688 في 5 نيسان/أبريل عام 1991 عزز الموقف الكردي دوليا وأخذ القضية الكردية في كردستان العراق إلى الساحة الدولية من أوسع أبوابها، حيث قضى القرار بوقف ملاحقة الكرد ووضع حد لقمعهم، وضرورة تسهيل إمدادهم بالمعونة الإنسانية.
-قرار مجلس الأمن الدولي المرقم 986 في 14 نيسان/أبريل عام 1994 دَعم القضية الكردية من الناحيتين الإقتصادية والمالية للتحرك على مستويات عديدة، حيث أصبح للكرد حصة من مبيعات النفط العراقي بنسبة 13%.
-قرار مجلس الامن المرقم 1546 في 8 يونيو عام 2004 والذي بموجبه انهى العقوبات على العراق، ونقل السيادة الى العراقيين في 30 حزيران / ينيو من العام نفسه واجراء انتخابات حرة في عام 2005. والمهم بالنسبة للشعب الكردستاني في هذا القرار الدولي هو التأكيد على الديمقراطية والتعددية والفدرالية في العراق، وهي تدخل ضمن مطاليب الكرد، وحسب ما جرى الحديث عنها في إتفاقية واشنطن التي سميت ب "إتفاقية المصالحة والسلام" في 17 أيلول/ سبتمبر عام 1998 والموقعة من قبل السادة مسعود البارزاني وجلال الطالباني وديفيد ويلش مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت آنذاك. وتضمن الإتفاق إدانة الإقتتال الداخلي، وإقامة حكومة أقليمية موحدة على أساس نتائج إنتخابات عام 1992 وتوحيد الإدارتين في كردستان وإسترجاع الإيرادات الكمركية إلى خزينة حكومة الأقليم، وتهيئة الأجواء لإجراء إنتخابات حرة في منتصف عام 1999. وكذلك إجتماع المعارضة العراقية في نيويورك في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1999. حيث ساهم الموقف الأمريكي في بلورة المشروع الفدرالي الديمقراطي التعددي البرلماني للعراق بموافقة المعارضة العراقية. وأكد مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في لندن بين 14-17 ديسمبر عام 2002 تحت رعاية أمريكية، وتحت شعار (عراق ما بعد صدام)، على الهدف المنشود، عراق ديمقراطي تعددي برلماني فدرالي، مما عزز من دور الكرد في المعادلة العراقية والأقليمية والدولية. ثم تأكيد المعارضة العراقية في مؤتمر صلاح الدين المنعقد في مارس من هذا العام (2003) وبحضور زلماي زادة ممثل الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن، على قرارات مؤتمر لندن، وضرورة إستفتاء شعبي على الدستور الفدرالي المقترح للعراق الديمقراطي التعددي البرلماني الفدرالي. واخيرا الضمانات الشفوية والاتفاقيات الجانبية والتصريحات العلنية لكل من الرئيس العراقي الجديد غازي الياور ورئيس الوزراء العراقي الجديد أياد العلاوي على الديمقراطية والتعددية والفدرالية، وأن الفدرالية أصبحت مطلبا عراقيا وليس كردستانيا فقط، وأنها أمل العراقيين.
موقف جديد في المجتمع الدولي
لا شك أن فشل تحقيق عراق ديمقراطي تعددي برلماني فدرالي يعطي للكرد الحق في خيارات أخرى بما فيها إعلان الدولة الكردستانية. ومن حقهم طبعا أن يسلكوا هذا الخيار لمواجهة حماقة بعض الإتجاهات الدكتاتورية والشوفينية في العراق. ولابد من أن يكون هناك تفاهم بين الكرد والعالم الحر لتحقيق هذا الخيار. وأعتقد جازما بأن هذا الخيار الذي يكون خيارا ملحا للمجتمع الدولي وللكرد لحماية المنطقة من الدمار لسبب بسيط هو أن سيطرة الأتجاهات الدينية المتطرفة في العراق كما هي في ايران، او الإتجاهات القومية الشوفينية المتطرفة كما هو الحال في سورية تؤدي الى تشكيل جبهة معادية لحقوق الشعب الكردي وحقوق الانسان بشكل عام، ويهدد المصالح الدولية في المنطقة، وتصبح الشرق الأوسط بؤرة الغضطراب والارهاب الدولي، مما يهدد السلام العالمي برمته. لذلك فإن فشل عراق ديمقراطي تعددي برلماني فدرالي لا يضمن للشعب الكردستاني حقوقه المشروعة، هو فشل للسلام والاستقرار، بل فشل لوحدة العراق، وللسلام، وهو بالتالي انتصار للاستبداد والتوجهات الدينية والقومية الشوفينية والارهابية في الشرق الاوسط. وعلى هذا الأساس يجد المجتمع الدولي، وفي مقدمته الأمم المتحدة بالتدخل ولتشكيل دولة كردستانية تقوم بدور توازن. وفي هذه الحالة تدخل اسرائيل أيضا في المعادلة.
* مقيم في السويد
التعليقات