رغم تعدد المشاكل التي يواجهها المهاجرون العرب في أوربا الغربية، الا انه لم يجر تسليط الضوء الكافي لمعاناتهم اليومية، ويمكن القول انهم وقعوا في دوائر النسيان،
حيث تكثف الدول الأوربية من إجراءاتها لمواجهة ظاهرة تزايد الهجرة الوافدة أليها من مختلف أنحاء العالم وخاصة من دول الشمال الأفريقي، وفي الوقت نفسه هناك غياب عربي رسمي كامل تجاه ما تتعرض له الجاليات العربية من انتشار مظاهر العنف ومشاعر الكراهية حيال الأغراب الذي يستشري في كل مكان.
ورغم ان الدول الأوربية عمدت منذ سنوات الى إجراءات مشددة لوقف مد الهجرة، لكن اللافت تصعيد هذه الإجراءات غداة مجيء الحكومات اليمينية وتهاونها في مواجهة نزعات التطرف، وفي بعض الأحيان الى مهادنتها طمعا في كسب جمهور ناخبيها، فشجعت حاجة عنصّري هذه البلدان الى مثل هذا الضرب من السلوك العدواني اليومي، وعودة الخطاب العنصري، بمفردات جديدة او باستعادة تلك القديمة البالية، على نحو لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وما أعقبها من أفول للحقبة الاستعمارية. اذ تسود الآن حمى كراهية الأجنبي والوافد الفقير والمغاير، كما هو الحال في ايطاليا ، فاصبح الغلو اليميني والجموح العنصري سمة تنزع الى الشمول . كما ارتفعت نبرة الحديث عن الأصولية كعدو جديد ساعدت على تضخيمه بعض الحوادث الموضعية، واعتقال عدد الأفراد والجماعات التي وجهت أليها أصابع الاتهام بممارسة الإرهاب .
الراجح ان الإفصاح عن هذا الخطر وتحديده للمرة الاولى، لا يعكس وعيا مفاجئا فالأوربيون بشكل عام ينظرون الى غيرهم من الشعوب الوافدة إليهم بانفتاح اقل، وخاصة من مواطني آسيا وأفريقيا والعالم العربي، اذ بّينت آخر استطلاعات الرأي الإيطالية بان 56 في المئة من المستفتين يفضلون فرض شروط على الوافدين ، كما ان 24 في المئة يعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية.
ومعظم المهاجرين العرب، الذين تبتلع منهم ضفاف البحر، على متن قوارب الموت في صمت كامل، مئات الأشخاص الذين يحلمون بالفردوس الأوربي ، حتى وا ن كانوا من حملة الشهادات العليا في أوطانهم لا يقومون في الدول الأوربية الا بالأعمال المتواضعة من غسيل الأطباق الى تنظيف المحلات والشوارع الى باعة في الشوارع، وغيرها من الأعمال المهينة التي لا يقبلها الايطالي عادة الا بصعوبة، كما ان الحياة هنا لا تسمح لهؤلاء المهاجرين تحسين مستوياتهم الاجتماعية، اذ لا تترك لهم ساعات العمل الطويلة فرصة للدراسة او لمعادلة شهاداتهم العليا كما هو الحال مع أبناء أوربا الشرقية وبلدان أمريكا اللاتينية، فيموت الطموح بداخلهم.
رغم الامتحان العسير الذي يجتازه المهاجرون العرب، فان الذين يتمكنون من العبور الى ارض الأحلام سرعان ما يسقطون ضحايا العنف والاستغلال وشبكات الاجرام المنظم مثل عصابات المافيا والكومورا التي تقوم باستغلال جهلهم، إضافة الى الحرب التي تشنها السلطات التي يقودها تحالف اليمين، بلا هوادة عليهم كسبب الضغوط الأمنية او نتيجة الاتجاهات العنصرية، الأمر الذي وضعهم في مواجهة قرارات القصد منها إبعادهم عن البلاد.
المهاجرون العرب المقيمين بصورة قانونية في دول الاتحاد الأوربي يصل عددهم نحو خمسة ملايين، وبلغت نسبة الجاليات العربية في الاتحاد الأوربي نحو 4 في المئة من مجموع المهاجرين غير الأوربيين، و40 في المئة من مجموع المهاجرين، ويتساوى عدد المهاجرين العرب مع المهاجرين الأتراك. وفي ايطاليا فان نسبة المهاجرين الاجانب تصل الى 4 في المئة من اجمالي تعداد السكان الذي يصل الى 57 مليون نسمة.
أوربا بشكل عام وايطاليا بشكل خاص واعية بحاجتها الماسة في الوقت الحاضر وخلال السنوات القادمة ، الى تجديد شعوبها التي بدأت تهرم وتشيخ والى ضخ طاقاتها الإنتاجية بالفتوة وبأعداد ضخمة، كما يؤكد ذلك أرباب الصناعات الفخمة في كل من ميلانو وتورينو وجنوى وفيشينسا وغيرها من المدن الصناعية الكبرى، ففي الوقت الذي يطالب فيه أرباب العمل باستخدام مزيد من المهاجرين ويرى خبراء السكان انه لاغنى عنهم من اجل تجديد شباب ايطاليا، فان الرأي العام الايطالي لا يزال يعتريه القلق تجاههم ويجد صعوبة في إدماجهم داخل المجتمع على الرغم من ان عددهم لا يزال قليلا نسبيا.
لقد وجدت أوربا نفسها اكثر القارات استضافة للمهاجرين منذ مطلع السبعينات عندما اصبح عدد الوافدين أليها اكثر من عدد الخارجين منها، ولم تعد وجهة القادمين الجدد محصورة في ألمانيا وفرنسا وهولندا كدول غنية ، بل تعدتها الى بلدان جنوب القارة التي كانت هي ذاتها الى وقت قريب مصدر أساسيا لليد العاملة الى الدول المجاورة ، وهي إيطاليا وأسبانيا والبرتغال واليونان، ومع الثمانينات لم يعد المهاجرون الجدد يقدمون فقط من المستعمرات القديمة، بل من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وفي إيطاليا ، تفاقمت المشكلات نتيجة التغيرات التي انعكست سلبيا على أحوال المهاجرين كان على رأسها تفاقم المشاعر والمسلكيات العنصرية التي نشطت من ورائها العديد من الأحزاب السياسية وحولتها الى منابرها السياسية حيث طغى النفور والرفض لـ( الآخر) الدخيل ، وبدأت أحزاب اليمين تفرض اجندتها على الواقع السياسي لتصف القادم الجديد بأنه يتسلل الى حضارتها لتدميرها وتلوينها بألوان سمراء عوضا عن ألوانها الشقراء التي ظلت تميزها زمنا طويلا.
صورة العرب والمسلمين في هذه البلاد، يجدها المرء الذي يعيش من سنوات طويلة بأنها أصبحت كريهة، بل ان آلة الإعلام التي يهيمن عليها اللوبي اليهودي، إضافة الى كتابات العديد من المستشرقين، لا تفتأ عن وصم العرب بالإرهاب، التعصب، التخلف، عدم القدرة على دخول العصر، تعدد الزوجات، حضارة الجمل والصحراء والخيمة.. الخ . وتسود حاليا موجة عاتية من الانتقادات العنيفة التي بدأت تتناولها الأوساط الثقافية، ضد الإسلام كدين، كونه اخطر الأديان، ويمثل تهديدا لإيطاليا الكاثوليكية ولقيمها التاريخية والثقافية.
اليوم يتردد في معظم مدن البلاد، ضرورة الاندماج وتكيف الجميع مع الواقع الجديد الا ان العرب لا يبذلون الجهد ليثبتوا انهم ليسوا فئات تعيش على الهامش، كما ان معظمهم لا يدرك عواقب الانعزال والتمرد على المجتمع المضيف وان الايطاليين الى جانب حاجتهم الماسة يمكنهم الاستغناء عن استيراد العمالة الأجنبية. ورغم مظاهر اندماج بعضهم في مجتمعاتهم المهجرية، الا ان شعورهم بهويتهم العربية يظل قائما بتطرف أحيانا، الا ان العديد من العرب المعتدلين حافظ على توازن بين ولائه لعروبته والارتباط بالواقع الجديد من خلال مختلف الآليات كالاتحادات والنوادي والمعاهد والمدارس، وابعدوا عن أنفسهم أكذوبة( معاداة السامية) التي يتم التلويح بها هذه الأيام بقوة وغطرسة ضد الوجود العربي من جانب المحور الإعلامي الصهيوني الذي يسعى الى طرح تصور كل عداء لممارسات إسرائيل العدوانية وكل نقد لها كأنه عداء لليهود وكشكل من أشكال العداء للسامية الى درجة تصل بعض الأحيان الى الإرهاب الفكري. الا ان أعمال العنف التي يشهدها العراق والأعمال الإرهابية التي وقعت مؤخرا في السعودية وتركيا ومناطق أخرى بالعالم ، خلقت ارتدادات وخروقات للجهد الذي تقوم به العديد من المؤسسات الثقافية اليسارية والأفراد في مجال الدفاع عن حقوق المهاجرين العرب .
لقد عمد المهاجرون العرب في ايطاليا الذين قدموا خلال السنوات الأخيرة الى إقامة التجمعات( الغيتوات) السكنية المقصورة عليهم في الأحياء والضواحي الفقيرة البعيدة عن مراكز المدن مثل روما وميلانو ونابولي، وأمام الضغوط والاحتياجات المادية اضطرت النسوة والأطفال الى ترك المدارس والبيوت للعمل لتحسين دخل الأسرة ومواجهة بطالة متفشية بين صفوف المهاجرين، كما تولدت مشكلات تتعلق بتدني المستوى الدراسي، فعمد الكثير من الأبناء الى ترك مقاعد الدراسة واختيار المهن الحرة والأعمال اليدوية، وقد ابتعد معظمهم عن لغتهم الام ، وعما تحمله من روح وقيم وثقافة ، وانسلخ الأبناء عن تقاليد الآباء، وتضاءلت الفرص في تعلم اللغة العربية واصبح الغالبية من الشبيبة العربية المهاجرة التي ولدت في البلاد، لا تقرأ ولا تكتب اللغة العربية، ويتحدث جزء قليل منهم لهجة البلد الأصلي بصعوبة، ويتحاشون الحديث بلغتهم أمام الآخرين لمحو أي اثر لانتمائهم العربي الذين يشعرون بأنه غير مرغوب فيه، ويسارعوا في الانضمام الى العصابات والتجمعات الشبابية المنحرفة، لكسب ودها وحماية أنفسهم ، وتستغل هذه العصابات وجود بعض الفئات الأجنبية بين صفوفها لتوغل في تسخيرهم لاعمالها الانحرافية كأعمال السخرة وبيع المخدرات في الساحات والمدارس، وسرقة البيوت والمتاجر الكبرى.. الخ. اما الأمهات او الآباء الذين لا يتحدثون بلغات البلد المضيف فهم لا يفهمون أبنائهم، واصبح هؤلاء الأبناء جيل مهمش لاينتمي الى ثقافة الابوين، الى جانب شعوره بالغربة والتمييز العنصري والعرقي، مما خلق له مشكلات نفسية كبيرة يقف على رأسها الإحباط والانفلات.
مقابل الأسواق الكبيرة( السوبر ماركت) في غالبية المدن الإيطالية، يلاحظ تجمعات عرب المغرب العربي، يبسطون بضائعهم على الأرصفة، ولكنهم لا يجيدون الحديث بالإيطالية التي يعوضونها احيانا بكلمات فرنسية واشارات.
الحاج فاضل( 53 عام) من الدار البيضاء في المغرب ، يبيع لعب الأطفال ومحافظ النقود والمقادح والحلي المصنوعة في تايوان او الصين، بانه يعاني من قانون الهجرة الإيطالي الجديد الذي قدمه كل من رئيس الرابطة الشمالية بوسي وزعيم حزب التحالف الوطني( الفاشية الجديدة سابقا) جانفرنكو فيني، ووافق عليه البرلمان العام الماضي والذي حرم عليه استدعاء اثنين من بناته حسب القانون السابق بجمع الشمل، لانهن بلغن سن الرشد، لان القانون يسمح باصطحاب الأبناء القصر او البالغين ممن يعانون الإعاقة الكاملة فقط، كما ان السلطات الأمنية طردت ابنه الكبيرلانه لم يستطع الحصول على عمل موثق من السلطات المختصة، ودخل البلاد بصورة غير قانونية، وهو يحاول العودة من جديد الا انه يعرض نفسه للسجن لمدة تتراوح بين سنة واربع سنوات سجن.
اما الشاب بن عيسى( 19 عام) الذي وقف بالجانب الآخر من الرصيف المقابل للسوق الكبير في مدينة افتسانو القريبة من روما فهو يبيع خلسة الاسطوانات المدمجة
لا يعرف الحديث باللغة الإيطالية مع انه يعيش في البلاد منذ اكثر من عامين، ينام في غرفة مع اثنين من رفاقه في ضواحي المدينة ويدفعون ايجارها بنحو 200 يورو شهريا . يقول عن تعامل الطليان معهم كشبيبة عربية:
انهم على العموم وخاصة الشبيبة الايطالية يتسمون بالطيبة والتسامح، ولكن بعضهم وخاصة كبار السن، يحمل حقد كبير على وجودنا المسالم، ولا يكتفي هذا البعض بنظراته القاسية المستفزة، بل انهم احيانا يتصلون بالشرطة بحجة بيعنا مواد غير مصرح بها قانونيا، وبعضهم يقترب منا ليسألنا بكل وقاحة ان كانت عندنا قنابل للبيع في الأكياس التي نحملها. انا اشتغل كعامل موسمي في حقول الفوشينو الزراعية بقطف الخضار والفواكه، ولكني استغل أوقات الفراغ المسائية لبيع الاسطوانات المدمجة، فهي تدر ربحا جيدا الا انها من البضائع المحرم بيعها لأنها مقلدة نشتريها من مدينة نابولي بأسعار زهيدة. الشرطة متسامحة معنا، وهم في اغلب الاحيان يغضون الطرف عنا، وعدم قدرتي بتعلم الإيطالية يعود الى اننا مجموعة من الأصدقاء نعيش مع بعضنا وتطغي هموم العمل على حياتنا اليومية، لكني أجيد بعض الكلمات الايطالية .المهم هو ان أعيل عائلتي الكبيرة في الدار البيضاء، كما ان أخي الكبير يصحو يوميا الساعة الخامسة صباحا للذهاب بالحافلة من مدينة افيتسانو الى نابولي( مسافة 250 كيلو متر) للعمل في بعض المزارع هناك ويرجع في المساء لينام فقط، فاين يجد الوقت لتعلم الايطالية؟
تتصف العديد من العوائل العربية بعدم اندماجها مع نمط الحياة الأوربي لا في الملبس ولا في الأكل، وتتبع أسلوبا حياتيا يتنافر مع تقاليد هذا البلد، ففي الوقت الذي نلاحظ العوائل الأجنبية الأخرى( من بلدان اوربا الشرقية وامريكا اللاتينية والفلبين) سريعة الاندماج في الوسط ، فان العديد من الشباب العربي المسلم ، يؤكد على ارتداء الملابس التقليدية( الجلابية البيضاء وتحتها السروال الأبيض الطويل) ويطلق لحيته وكان حالة تحدي واستفزاز يزيد من مشاعر الكراهية والازدراء، ويوسع الفجوة بين الاقلية وسائر افراد الشعب لتزداد عمقا. اما الحجاب الذي ترتديه بعض الفتيات المسلمات في المدارس فقد أثار بعض الحساسية حتى بالغت فيه بعض الفئات اليمينية والعنصرية وخاصة بعض الروابط والأحزاب العنصرية الذي استغلته لإثارة الرأي العام الايطالي وتعبئته وشحنه ضد المهاجرين العرب والمسلمين. مستغلة بعض الهفوات والحوادث المتفرقة للتأليب ضد المهاجرين، وجعله مناهض لهم ورافض لمنحهم أي حقوق.
يمكن القول بان اعداد كبيرة من العرب والمسلمين لا زالوا مولعين بإبراز خصوصيتهم كي يثبتوا ان الغربة لم تفعل فعلها فيهم، وانهم أوفياء للجذور، ويعيش اغلبهم على هامش الحياة السياسية والثقافية وتحبيذ الانعزال وتجنب الظهور وحب الانغلاق. كما ان نفور الناس منهم نتيجة الصورة الشائهة عنهم، هو الاحتكاك اليومي بجاليات معظم أفرادها ذوو مستوى حضاري متدن، عاجزون عن الاندماج في المجتمع والتأثير الإيجابي فيه، حتى اصبحوا غير مؤهلين لتقديم صورة ناصعة عن حضارتهم وثقافتهم.
اما العرب من المتعلمين والمثقفين فانهم قطعوا شوطا كبيرا في التأقلم مع ثقافة البلاد العريقة، وانشغلوا بأساليب كسب العيش، بعض الأحيان ليس لها أي صلة بهويتهم، فأصابهم الإحباط والنفور من أبناء قومهم. وهذا الأمر سهل علينا كعرب ان نعيش محبطين تحت رقابة عيون الآخرين التي انفتحت بكل آفاقها المتفحصة لرصد حركاتنا لاجل دفع فواتير يومية من دمائنا ودماء أولادنا للتهديدات التي تنطلق بين الحين والآخر من (أمراء المؤمنين) وهي تتوعد الأمريكيين والأوربيين بالويل والثبور، وتذكر ضعاف النفوس بحتمية الانتصار الموهوم لتجرفنا مياه الحق من ان نعيش معهم اكثر فاكثر بسلام وأمان.
العديد من العرب غير قادرين على ان ينشروا بين جيرانهم ومواطنيهم الجدد توقيرا وفهما لحضارتهم، واطلاعا عميقا على القضايا العربية، واحتراما للشخصية العربية، وما إذا كانوا في حال توافر هذه القدرة راغبين حقا في بذل بعض الجهد من اجل تحقيق هذا الغرض.
حملة العداء الحالية للمهاجرين العرب في ايطاليا بشكل خاص والدول الأوربية الاوربية بشكل عام، التي انخرط فيها عدد كبير من السياسيين والأحزاب اليمينية والعنصرية، بدأت تترجم نفسها، في عدد من المدن، اقله حتى هذه اللحظة، عنفا سافرا فالتا من عقاله بدأ كل منا يشعر وكأنه في حالة اشتباه او اتهام دائم في مواقع العمل وفي الشارع والسوق وحتى في اسرة النوم، وقد نجحت هذه القوى العنصرية التي تساندها الأبواق الإعلامية من صحافة ومحطات تلفزيونية خاصة وشبكات إلكترونية على الانترنيت، إضافة الى مساندة اللوبي الصهيوني بالربط بين الإرهاب والعرب، فألحقت بالعمالة العربية المهاجرة وبالذات العمالة غير الشرعية من الذين لا يحملون بطاقات إقامة قانونية كل أنواع العسف الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والسياسي، تتوجت بالطرد الجماعي للعدد الكبير من الأبرياء من مساكنهم ومواقع عملهم. كما تعرض العديد من أبنائنا وبناتنا الى حملات تكاد تكون منتظمة من مظاهر التمييز العنصري، ولم تترك لاحد حرية الاختيار او الحياد، لقد كان الكلام ولا يزال علنا ومن قبل الولايات المتحدة الأميركية رددته بعدها حليفاتها الأوربيات حيث الخيار واحد اما ان تكون معنا او مع الإرهاب الذي يعني لبعض المتعصبين الأوربيين تردد بعضنا على الجوامع او المراكز الثقافية العربية التي أصبحت تراقب من أفراد اجهزة مخابرات الدولة ووكلائها ليل نهار.
المواطن العربي بدأ يشعر بأنه خارج كل منافسة حتى لو كانت شكلية في الواقع الاجتماعي الذي يعمل ويعيش بداخله، فثقافة الهيمنة التي تقوم على زعم الطرف الوحيد القوي الذي لا يرغب في إشراك غيره بكونه الضحية المستهدفة، فهو المحق والقوي والأفضل، وهذا الموقف اشعر العديد من المهاجرين وحتى الذين يتمتع وجودهم بالشرعية بوجود حدود لأوهام التعايش السابقة، فالعربي من وجهة نظر الآخر هو مجرد إرهابي وشيطان يستحق الرجم والطرد، وقد قامت الآلة الإعلامية اليهودية التي تفرض هيمنتها على ابرز المؤسسات الإعلامية الايطالية بتنشيط دماء مؤسساتها ورجالها، لتسبق السياسة الايطالية في توجيه أصابع الاتهام الى كل من يظن انهم خلف هذه الاعمال، ولترسم صورة الإرهابي العربي الذي يعيش الى الجوار ، وتحفر في ذهن الجميع صغارا وكبارا وشيوخا وأطفالا لتحقيق أغراضها العدائية وتعبئة الرأي العام الايطالي بصورة مكثفة لمواجهة العدو الجديد الذي هو ( العربي) من خلال تغطية كانت مكثفة وتركز على الأحداث، وقد استطاعت هذه الآلة الجبارة على تشكيل الرأي العام العالمي المساند لوجهة النظر الأمريكية التي تشحن النفسيات وتعبئ المشاعر المعادية لتكيل الاتهامات الى العرب أينما كانوا لتلبيسهم الصورة الإرهابية الوحشية التي تسعى للقتل وسفك الدماء.
التغيرات شملت جميع القطاعات، يتلمسها العربي من خلال المعاملات التي باتت تستغرق وقتا أطول في إنجازها، او من خلال المعلومات الثبوتية التي بات العديد مطالب بتقديمها الى الأجهزة الأمنية، او في عمليات التدقيق وتأشيرات السفر والمطالبة بالحقوق في مقاعد الدراسة او المعامل، كما فرضت تدابير اكثر صرامة على المقيمين، وجر العديد منهم الى أقبية التحقيق حيث سلحت العديد من المؤسسات الامنية نفسها بسلطات أوسع للاعتقال وقلصت الحقوق المدنية للمحتجزين في إطار ما تدعيه بسعيها للتعرف على شركاء محتملين للإرهابيين. وقد تراجعت في السنتين الأخيرتين سياسة الحقوق الاجتماعية الممنوحة للمهاجرين والمقيمين الأجانب وبالأخص العرب منهم، حيث شملت التشريعات الجديدة بالسماح بترحيل المهاجر اذا طرده رب العمل، مما شجع في زيادة استغلال أرباب العمل للمهاجرين.