خلال حرب تقويض نظام صدام حسين، كان الدولار الأمريكي يساوي ما قيمته خمسة آلاف دينار عراقي، وبعد توقف العمليات العسكرية يوم التاسع من إبريل نيسان عام 2003 تحسن سعر الدينار ليصبح ألفين وسبعمائة دينار مقابل الدولار الواحد، وبعد عام على حرب تقويض نظام صدام حسين، استقر سعر الدينار مقارنة بالدولار وأصبح ألفا وخمسمائة دينار للدولار الواحد.
إن كان ما سبق مؤشرا على تعافي الاقتصاد العراقي فهذه أمثلة أخرى:
ـ حسب وزير التخطيط العراقي فإن نسبة التضخم في العراق تصل إلى خمسة بالمائة ، وحسب وزارتي العمل والتخطيط فإن نسبة العاطلين عن العمل في العراق تصل إلى ثمانية وعشرين بالمائة وهي نسبة إن كانت صحيحة فإنها نسبة جيدة مقارنة بدول أخرى تصل فيها البطالة إلى هذه المستويات بدون أن تكون قد عانت ما عانى العراق من حروب وكوارث.
ـ حسب مهندس كهرباء في بغداد، فإن الطاقة الإنتاجية للكهرباء قد زادت بمقدار واحد وثلاثة من عشرة ميجاواط عن الإنتاج في نهاية حكم صدام حسين، ومع ذلك فإن الكهرباء غير منتظمة ويعاني العراقيون كثيراً من انقطاعها، والأسباب هنا كثيرة:
ـ زاد الضغط على استهلاك الكهرباء بشكل كبير وإن أخذنا بغداد كمثال فإن بيتا لم يكن يملك ( مروحة أو مبردة ) في زمن حكم حزب البعث، يملك الآن ما لا يقل عن ثلاثة أجهزة تكييف للهواء.
ـ من راتب لا يتعدى خمسة عشر ألف دينار في الشهر إلى راتب يصل إلى سبعمائة وخمسين ألف دينار في الشهر، هكذا أخبرني أستاذ جامعي عراقي في جامعة بغداد عن تحسن راتبه ومعيشته الآن.
ـ آلة الدولة العراقية تعمل وإن بتعثر نتيجة ما حدث ولكنها تعمل حتى بالفساد الذي لا يعمل فقط في هذه الآلة وإنما في آلة كل دولة عربية لم ينضج فيها القانون بوصفه حاكما لكل نشاط ولكل عمل.
ـ منذ استلام الحكومة العراقية للسلطة انخفضت نسبة الجرائم بنحو ثلاثين في المائة وهذا إن صحت النسبة في أقل من ثلاثة أشهر.
ـ تعاني بغداد زحاما شديداً، أهم أسبابه قطع الكثير من الطرق من قبل القوات الأمريكية وخاصة تلك المؤدية إلى قواعدها ومقارها ومقار الحكومة ( المنطقة الخضراء ) ولكن ثمة أسباب أخرى منها، زيادة عدد السيارات بشكل هائل في بغداد حتى أن السيارة ( البرازيلي ) تلك التحفة القبيحة التي فرضها صدام على مواطنيه تكاد تختفي وسط زحام السيارات الجديدة والمستعملة ولكنها حديثة الموديل على الأقل موديلات التسعينات.
ـ خلافاً لما يقوله خبراء ومحللو الكآبة العرب، فلا أحد من العراقيين العقلاء يؤيد مقتدى الصدر وحتى سكان النجف الأشرف لا يؤيدون مقتدى الصدر ولا يريدونه في مدينتهم لأنه ببساطة قطع أرزاقهم وأوقف حركة العمل والاقتصاد في المدينة.
ـ بين عام مضى وهذا العام تغير الكثير في العراق نحو الأفضل وهذا لا يلغي بأي حال من الأحوال فهم أن ثمة أزمة كبيرة قائمة وناجمة عن التغير الكبير الذي حدث في العراق.. ولكننا تعودنا على رؤية الصورة من الخارج وعدم بذل الجهد الكافي لفهم ما يحدث على الأرض.
ـ يحدث انفجار سيارة مفخخة.. تتوقف الحركة في منطقة التفجير ولكنها بعد ساعات قليلة تعود إلى طبيعتها.
ـ قد يتهمني أحد بالسذاجة لأنني لا أتحدث في الإستراتيجيات الكبرى التي يتحدث فيها خبراء ومحللو الكآبة العرب، هؤلاء الذين لا يفهمون عن الحكومة العراقية سوى أنها ( عميل أمريكي ) فهل رأي أحدهم وزيراً يعمل في وزارته وهل سمع أحدهم مثلا بالذي قامت وتقوم به سيدة وزيرة مثل ليلى عبد اللطيف وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية من أجل أبناء بلدها العراقيين.
ـ ينادون ( بالديموقراطية ) الناجزة في العراق ويقولون إن المؤتمر الوطني مثلا ليس ديموقراطيا وإنه صيغة من اللويا جيرغا الأفغاني.. حسناً.. أليس من حضر وشارك في المؤتمر الوطني عراقيين.. على اختلاف شرائحهم وهل توجد ديموقراطية إجماع مائة بالمائة إلا في عقول العرب الذين تعودوا على المطلق في كل شيء وعلى نسبة المائة في المائة للزعيم الخالد والقائد الضرورة والقائد الفاتح والقائد المغير والقائد الخطير.
العراق ليس بحاجة إلى خبراء ومحللي ومنظري الكآبة العرب وإن كانوا يحبون العراق فعلا ويريدون مساعدته فهذه قائمة عملية:
1ـ جامعات العراق تعاني من نقص في التجهيزات والمعدات والمراجع المعرفية والعلمية.
2ـ مستشفيات العراق تعاني من نقص في الأسَّرة.
3ـ مدارس العراق تحتاج إلى إعادة بناء وترميم.
4ـ لينسق محللو وخبراء الكآبة العرب حملة كبيرة من خلال مواقعهم و ( أسمائهم اللامعة ) لحث الحكومات العربية على المساهمة وبشكل فوري وفاعل في بناء منظومة جديدة للكهرباء في العراق لأن الاستهلاك على الكهرباء يزيد في العراق ساعة بعد ساعة بالمعنى الحرفي للكلمة ومن الأفضل أن يساهم العرب في إضاءة بيوت العراقيين بدلا من حثهم على المقاومة التي تتحول إلى أعمال إرهابية يرفضها العراقيون.
مطلوب.. خبراء في الأمل.. والعمل.. لا خبراء يتقاضى الواحد منهم مائتي دولار (.. وليس بأي عملة أخرى غير الدولار.. ) لقاء ظهوره على فضائية متحدثاً بأوداج منتفخة وبيقين لا يرف له جفن عن الاحتلال والمقاومة والمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط.. بدون أن يفهم أن ثمة مشروعاً للإنسان العراقي له الحق أن يجد من خلاله رزقاً وأمناً وسعادة وتطوراً في بلده.. وأن المساهمة في مشروع الإنسان العراقي هذا حتى بكلمة الأمل يمكن أن يساهم وسوف يساهم في زوال الاحتلال.