... أنظروا كيف نقطع رؤوس أعدائنا على شاشة التلفزيون

"أعلن جيش أنصار السنة أنه قتل ذبحا 12 من الرهائن النيباليين كانوا يعملون مع القوات الاميركية في العراق، وقام أحد الخاطفين بذبح أحد النيباليين في مشهد رافقته حشرجة الضحية الذي كان معصوب العينيين. وقال جيش أنصار السنة أن النيباليين بوذيون جاءوا للعمل ضد الإسلام".
هكذا أوردت وكالات الأنباء هذا الخبر. لكن مراسلي وكالات الأنباء لم يقولوا هل اهتز، أو لا، آسى وكربا وحزنا، عمر بن الخطاب، وأبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وهم في قبورهم، عندما سمعوا هذا الخبر الذي نفذه "أنصار" سنة رسول الله.
ومراسلو وكالات الأنباء، خصوصا مراسلو الفضائيات العربية، لم يشرحوا لنا، نحن مشاهديهم العرب المسلمين، إن كانت حشرجة النيبالي الذبيح، تنسجم مع ما تعلمناه في مدارسنا، وهي على أي حال مدارس علمانية، تابعة للدولة، وليست دينية، عن تلك "المرأة التي دخلت النار لقطة حبستها، لا هي أطلقتها، ولا هي أطعمتها".
أما مثقفونا العرب، فأنهم لم يشرحوا لنا أسباب حشرجة النيبالي الذبيح. هل لأنه كان يفكر في لحظات ذبحه، بأبنائه الذين خلفهم وراءه، وعبر القارات لإطعامهم، مثلما نعبر نحن العرب والمسلمون، قارات أوربا واسيا وأميركا، لنعيل عيالنا ؟ هل كانت حشرجته، شعورا بالندم وبالإثم، لأنه نسى أن يؤدي صلاته في تلك اللحظات الرهيبة، تماما مثلما يشعر المسلم والمسيحي واليهودي والسيخي، و... عندما يكونون مثله في مثل هذه اللحظات ؟ هل كانت حشرجته، ندما، لأنه لم يطالب قبل ذبحه، أبناء جلدته بقتل عشرات من العرب والمسلمين، انتقاما لدمه المراق؟

أما وعاظنا وشيوخنا وفقهائنا وقادة حركاتنا الإسلامية فننتظر منهم أن يشرحوا لمريديهم وأتباعهم وأنصارهم، فيما إذا كان ذبح النيباليين سينصر، حقا، سنة رسولنا العظيم الذي ساوى بين الحبشي بلال والفارسي سلمان، وبين سادة العرب. سيشرح لنا شيوخنا وفقهائنا فيما إذا كان ذبح أبناء آدم وحواء، بأيادي "أنصار" سنة محمد بن عبد الله، ينسجم مع قوله، صلوات الله عليه، "الناس سواسية كأسنان المشط".
يقينا، أن شيوخنا وفقهائنا سيجيبون على هذه الأسئلة، فهم أولى من غيرهم بالإجابة. لكنهم لن يفعلوا، لا جبنا منهم، حاشاهم الله، ولا جهلا منهم، وعلمهم غزير. ولكن، لانشغالهم بأم القضايا، وهي قضية الحفاظ على "ثوابت الأمة" من الضياع.

فأكثر الجمل التي نسمعها، نحن العرب، هذه الأيام، خصوصا على ألسنة وعاظنا وشيوخنا الدينيين وزعماء حركاتنا الإسلامية هي، جملة "الحفاظ على ثوابت الأمة". إذا صدر كتاب لا يوافق شيوخنا على محتوياته، فأنهم يطالبون بمنعه، احتراما لثوابت الأمة. وإذا بثت أحدى الإذاعات العربية أغنية لا يستسيغها شيوخنا، طالبوا بمنعها، خوفا على ثوابت الأمة من أن تهدم. وإذا عرض برنامج تلفزيوني لا يقبلونه، أفتوا بوقف بثه، لأنه يتعارض مع ثوابت الأمة.
وأخر من أبدى خشيته من العبث بثوابت الأمة هو، نائب إسلامي كويتي، طالب حكومته بعدم بث ألعاب الاولمبياد في أثينا على شاشة التلفزيون الكويتي، لأن صور الفتيات المشاركات ) نكرر: صور الفتيات، وليست صور النيباليين، لأن رؤوسهم لم تكن قد قطعت إثناء تصريح النائب ( تخدش حياء المشاهدات والمشاهدين المسلمين، وتسيء، بالتالي إلى ثوابت الأمة.
ولكثرة ما رددت هذه الجملة على مسامعنا، بتنا نجزم، نحن العرب، جزما قاطعا، بأن ما من أمة أخرى غيرنا، تملك ثوابتها الخاصة بها. بل، أصبحنا نصدق، تصديقا لا يأتيه الشك، بأن جميع الشعوب على هذه الكرة الأرضية، ما هم إلا مجموعة من البهائم البشرية، تفسخت أخلاقهم، وذهبت مرؤتهم، وانعدمت غيرتهم وضاعت المقاييس عندهم، فأمسوا يعيشون وفقا لغرائزهم البهيمية، لا رادع يردعهم، ولا ثابت يقيسون عليه تصرفاتهم.
لا ندري ماذا قال سعادة النائب الكويتي وزملاءه في البلدان العربية، عندما شاهدوا على شاشات التلفزيونات العربية، صور الذبائح النيبالية. ولا نعرف ماذا سيقول النائب الإسلامي الكويتي وزملاءه، وهم يشاهدون حرق مسجد للمسلمين في النيبال، من قبل نيباليين هندوس، انتقاما لذبح مواطنيهم داخل العراق. هل سيقولون إنها مؤامرة دبرها أعداء الإسلام، سعيا منهم للعبث بثوابت الأمة ؟

"ثوابت الأمة"، ثوابت الأمة ! نحن العرب، الآن، أمة لا ثوابت لها. "كانت" لنا ثوابتنا. وبفضل تلك الثوابت أهدينا للعالم، وبثقة عالية بالنفس، بن سينا وبن خلدون والكندي والخوارزمي وبن حيان وبن طفيل والفارابي و ) ... ( . وترجمنا، دون وجل، مؤلفات الإغريق، وجادلنا الملاحدة، واجتهدنا في استنباط مذاهب إسلامية، تعيننا على مواجهة ما استجد في حياتنا اليومية من قضايا جديدة. وبفضل تلك الثوابت رفرفت رايات الحضارة العربية الإسلامية على مشارف أسيا وأوربا وأفريقيا.
أما الآن، فثوابتنا الكبرى هي، الهلع من ثوابت الأمم الأخرى، وإدمان كراهية "الآخر" المختلف عنا، وحز رقاب البشر، والاستخذاء أمام القوي، والتنمر أمام الضعيف.

وألا، فكيف نفسر هياج شيوخنا ومثقفينا ورجال إعلامنا وقادة حركاتنا الإسلامية وقادة دولنا وزعماء منظماتنا الإقليمية، عندما تم اختطاف رهينتين فرنسيتين، ولا نحرك ساكنا إزاء رؤية 12 ذبيحة نيبالية.
لو كانت النيبال تملك ما تملكه فرنسا من قوة ونفوذ، هل كان ذبح النيباليين سيواجه بهذا الصمت العربي؟
النيبال، مثل فرنسا، لم تشارك الاميركيين في غزو العراق، فلماذا تقام الدنيا العربية على احتجاز الفرنسيين، ولا تهتز شعرة عربية واحدة، لذبح النيباليين؟
نحن ضد إلحاق الظلم بأي إنسان، وحسنا فعلت وسائل الإعلام العربية عندما طالبت، وما تزال تطالب بإطلاق الرهينتين الفرنسيتين. فالصحافيان الفرنسيان ذهبا إلى العراق لأداء واجبهما المهني، ونقل ما يشاهدانه من وقائع، ولم تثبت ضدهم أي تهمة. لكن، النيباليين الذين ذبحوا، هم أيضا، لم تثبت ضدهم أي تهمة، ولم يشترط قاتلوهم أي شرط، لقاء بقائهم على قيد الحياة.

النيباليون ذبحوا، فقط لأنهم من دولة فقيرة، ربما لا يملك وزير خارجيتها حتى أجور السفر إلى عواصم الدول العربية، للتفاوض على إطلاق سراحهم. والخاطفون يعرفون ذلك، وهم استغلوا هذه الحقيقة ليجعلوا من ذبح هولاء البشر، درسا، يهدفون من وراءه، إدخال الهلع في قلوب الدول القوية التي قد تفكر في إرسال مواطنيها إلى العراق.

هو درس علمنا إياه بطلنا القومي، عنترة بن شداد: أضرب الضعيف، حتى يهابك القوي. وهذا الدرس العنتري جدير بالمحافظة عليه، لأنه من ثوابت الأمة.
هكذا، نحن العرب في بداية الألفية الثالثة، وهذه عنتريات ثوابتنا العظيمة. نحن العرب، "على أعتابنا تقطر الدما "، ونحن "نورد الرايات بيضا/ ونصدرهن حمرا قد روينا" بدماء الضعاف والمحرومين من بني البشر.

وهم، أعني أمم الأرض قاطبة، يقطر على اعتباهم، خزي ثورة الحاسوب، وعار محو الأمية، وداء الديمقراطية، وجرثومة حقوق الإنسان.