اختلاط المشاهد الإعلامية والدينية والسياسية في العالم العربي قد بات من سمات عصر الضياع العربي الذي نعيش بعد أن طفت على السطح المجاميع الظلامية والإرهابية التي تحاول أن تكون البديل الموضوعي للأنظمة الديكتاتورية والإرهابية التي تهاوت بفعل الحتمية التاريخية أولا وقوة الضغط الخارجي ثانيا، وقد ولد هذا الاختلاط نماذج وأساليب مرعبة لحالة شاملة من الغوغائية الفكرية والسياسية والفقهية بعد إن اختلط الحابل بالنابل واشتبكت كل الخطوط، وتحالف كل المتخاصمين، وذابت كل الفوارق الرهيبة أمام وحدة الهدف والمسيرة لجماعات الإرهاب والفوضى والغوغاء ذات المسوح الدينية والتي غيرت وجهتها وانتماءاتها الفكرية والسياسية السابقة، ولبست على حين غرة جبة التقوى وعمامة الإيمان لتمارس سلاح الدجل الديني والشعاراتي وهو الرائج للأسف في أسواق السياسة العربية هذه الأيام والذي أثبت نجاعته وفعاليته في التدمير الشامل لكل مقومات وأسس الحياة الحرة والمستقبل المشرق وهو ما أدركته جيدا قوى الظلام وفرق الموت والتعصب الدينية وهي تطرح رؤاها وتمارس رؤيتها التدميرية وتراهن على سحابات الموت وحمامات الدم لتعويق مسيرة الحرية والانطلاق، ولعل ما يحصل من مناورات سياسية واسعة النطاق في العالم العربي حاليا يؤكد جدية واستماتة تلكم الجماعات وتحالفها في حلف شيطاني مقدس من أجل إشاعة التخريب والتدمير تمهيدا وتوطئة لقيام الظروف الممهدة للإنقضاض على السلطة ومراكز القرار في العالم العربي وهو حلم الجماعات الإسلامية السرمدي والخالد، ولعل مايثير الطرافة والتأمل بآن هو معرفة حقيقة تكتل كل القوى المضادة للحرية والمستقبل في جبهة واحدة رغم إختلاف الشعارات والنوايا، وبما شكل صورة كاريكاتيرية طريفة تؤشر على بهلوانيات والأعيب ( أهل عمائم الزيف والدجل ) من المسعورين الطائفيين وحملة الفكر الغوغائي المبرمج، فمثلا تطوع ( حزب خدا ) اللبناني وهو الطبعة العربية لحزب الله اللبناني بالتكفل بتنظيم مؤتمر عراقي أسموه ( المؤتمر التأسيسي) لمناكفة الحكومة العراقية ولمحاولة خلق نماذج قيادية عراقية بديلة كانت قد إستهلكت نفسها في الماضي فعلا وقولا وفعلا وفكرا ولم تعد تصلح إلا لمتحف التاريخ ! إلا أن الرفاق في ( حزب الله) اللبناني ومن خلفهم أولياء أمرهم في جهاز ( إطلاعات ) الإيراني والمخابرات السورية قد حاولوا وبجد تنظيم ( حفلة زواج كبيرة للمتعة) بين المتخاصمين ! فقد جمعوا رؤوس بعض بقايا الديناصورات الناصرية والمتحجرات البعثية مع لفيف من عمائم مخابرات الأمن القومي البعثي البائد الذين تحولوا لهيئة علماء المسلمين! كمامزجوا بين الشخصيات المتهافتة من بقايا الشيوعية والماركسية وبعض الشخصيات القومية العربية المهزومة التي تحشر انفها في الشأن العراقي وتمارس تدخلا فجا في شؤون شعب هو أعرف بحاله ومآله ؟ والعجيب إن كل ذلك يجري بتمويل ودعم من حزب الله اللبناني الذي لايخجل قادته من إنهيار التجربة الديمقراطية اللبنانية ويتناغمون مع إرادة النظام السوري وهو يهمش ويغتال إرادة اللبنانيين الحرة في مشهد سوريالي ليس بغريب على سلوكيات القيادة التي تسير حزب الله وهي قيادة مترامية في أحضان الخارج ولامصداقية لها في الشأن العراقي لأنها سبق أن وقفت وبكل صراحة وعلنية مع النظام البائد في أخريات أيامه وحيث دعا حسن نصر الله للمصالحة الشهيرة بين صدام والشعب العراقي وهي دعوة مرفوضة وفاشلة وتعبر عن رأي القيادة الإيرانية المرتعبة من دمقرطة العراق وتغيير أحواله واليوم إلتقط الإيرانيون الفرصة ليحركوا خيوطهم من العرب لتلغيم ونسف الساحة العراقية بعد أن فشلوا في المراهنة على الحرب الأهلية وإستغلال أحداث النجف والجنوب إستغلالا تدميريا شاملا، فلم يعد من بديل لديهم سوى خلط الأوراق ( وتحريك الكراكيز) والمهرجين ونفخ الروح في الرميم من السياسيين الفاشلين ودعم تيارات وعصابات القتل والخطف واللصوصية والذبح ولكن تحت عباءة الشعارات الدينية ونصوصها المقدسة التي حاولوا تطويعها لتخدم أهدافهم الفاشية والتدميرية.
القرضاوي وفتاوي الذبح الجديدة!
ووسط إشتعال المشهد العراقي وتداخل كل الخطوط في جوانبه وزواياه المعتمة والمضيئة برزت تصريحات مفتي ( قناة الجزيرة) الشهير وأحد المدافعين عن ( جمهورية الطالبان) البائدة، والفقيه الذي ملأ الدنيا وشغل الناس الشيخ يوسف القرضاوي أحد دعاة مبدأ الوسطية الشهير ليتخلص من وسطيته ويمارس لعبة الشد السياسية ويدلي بدلوه في ملف الدم والإرهاب والذبح العراقي! فهو مثلا لم يستنكر خطف وذبح وإغتيال فقراء النيبال وتركيا ومصر وبلغاريا، ولم يستنكر مجازر السيارات المفخخة في مدن وشوارع وأسواق العراق، ولم يستنكر أو يشجب إغتيال رجال العراق الأحرار من الشرطة العراقية الساهرة على حماية أمن المجتمع والناس وليس أمن الأميركان بطبيعة الحال، بل إستنكر وكبقية إخوته المهووسين قضية إختطاف الصحفيين الفرنسيين فقط ؟ فهل الذين قتلوا سابقا حيوانات هائمة لاقيمة لها والبشرية والإنسانية فقط لاتتجسد إلا في الفرنسيين ؟ ماهذه المكاييل المريضة في تقويم الأمور؟ وبعيدا عن ملف الفرنسيين فإن الشيخ القرضاوي قد أفتى بفتوى خطيرة لم تراع الله سبحانه وتعالى ولامصلحة الشعب العراقي ولامسيرته السلمية التي تحاول الخلاص من الإحتلال عبر تفعيل العملية السياسية ونبذ حوارات الدم والخطف والإغتيال إلا أن لفقيه الجزيرة رأي آخر على مايبدو يتناغم ورأي أصحاب الزعيق الفضائي والفضائحي الدموي والفاشل، فقد أفتى ( سماحته ) بجواز قتل المدنيين من الأميركيين في العراق لأنهم حسبما قال يعملون لخدمة قوات الإحتلال!!! فهل يعلم الشيخ الفقيه فداحة ماقال ؟ وهل يعلم إن تلك الفتوى قد سحبها بشكل مباشر على رجال وهياكل الدولة والمجتمع في العراق؟ وحيث وفر لعصابات وفرق الذبح والموت الظلامية الغطاء الشرعي ليمارسوا الذبح والإرهاب الحلال؟ والعجيب أن القرضاوي وفي ( لفتة إنسانية) قد نهى عن التمثيل بالجثث لأنها محرمة شرعا!!! أي أن القتل حلال وتقطيع الأوصال كما فعل مجرمو الفلوجة وهيئة العلماء حرام؟؟ وبصرف النظر عن القيمة الحقيقية لتلك الفتوى السياسية والصادرة من نقابة الصحفيين المصرية وبإعتبار الشيخ يوسف القرضاوي من مواطني دولة قطر فإنني أتساءل هل تسري هذه الفتوى على المدنيين الأميركيين في دولة قطر من العاملين في قاعدتي العديد والسيلية القطريتين؟ أم ن الفتوى القرضاوية تخضع للتصريفات الإقليمية فما يجوز في العراق مثلا لايجوز في قطر؟ وإن دماء الأميركان في الدوحة مصونة ومحرمة ويلقى من يخوض بها في النار! ولكنها حلال زلال في العراق ومن يخوض بها ويموت سيدخل الجنة وسيضمن يوسف القرضاوي وحارث الضاري وعبد السلام الكبيسي توفر كل أنواع ( الحور العين الرعابيب) لصاحبها!! ماهذا الهراء والغثاء الذي نسمع ونعايش ؟ وكيف تتطور أمه لها تلك المواصفات من الفقهاء والعلماء الذين يميلون مع الرياح ويفتون في المساء عكس مايقولون في الصباح ؟ وكيف نفسر أبعاد الفتوى القرضاوية الجديدة؟
لانقول سوى لاحول ولاقوة إلا بالله، ومن ( إن اللي إختشوا ماتوا) ولوكانوا من فقهاء الساتلايت في زمن الذبح الحلال؟.
التعليقات