... هلا استغنيتم عن دقيق علم اليابان والصين؟!
"قمنا بفضل الله تعالى بتنفيذ حكم الله في 12 نيبالياً جاؤوا من بلادهم مستعينين بإلههم بوذا من أجل محاربة المسلمين في هذه البلاد خدمة لليهود والنصارى وأحفاد القردة والخنازير"(جيش أنصار السنَّة.. كتيبة علي بن أبي طالب). لكن بوذا ليس إله بل هو رسول أمة من الأمم، يطالب البشر اجتناب عشرة خطايا، من أجل نيل السعادة، وهي: "القتل، السرقة، الزنا، الكذب، الافتراء، الشتم، الكلام الباطل، الطمع، البغض، الضلال"(انجيل بوذا، ترجمة سامي سليمان شيا). وحث بوذا من أجل السعادة أيضاً أتباعه مراعاة التأملات الخمسة في الأمور التالية: المحبة للأصدقاء والأعداء على السواء، والشفقة على كل الكائنات الحية التي تتألم وتتعذب وتحزن، والفرح لفرح الآخرين ونجاحهم وازدهارهم، والنجاسة وهو إمعان النظر في النتائج المميتة لتأثيرات الفساد والخطيئة، وطمأنينة الفكر وصفائه وهدوئه.
حسب بيان أنصار السنَّة أنهم قتلوا النيباليين لبوذيتهم! فهل يختلف المسلمون مع واحدة من كراهة الخطايا العشرة وممارسة التأملات الخمسة؟ فعلام يستعمل اسم الله بقتل أهل تلك المبادئ، وأي سنَّة تجيز لأنصارها الإفتاء بقتل أكثر من مليار إنسان، ينتشرون على أرض الصين واليابان والكوريتين والهند وجنوب شرق آسيا عامة. وهل لعلي ابن أبي طالب كتيبة حصاد الرؤوس؟ وكيف يكون الإنسان حفيداً للقرد والخنزير، وهو الذي قال القرآن فيه "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم"، قال: الإنسان ولم يقل المسلم أو نصير السنَّة! فما هو خلاف هذه الجماعة إذن مع نظرية عالم الأحياء الإنكليزي داروين "أصل الأنواع"؟ ولماذا اختلفتم مع إخوان الصفا عندما قاربوا بين الإنسان والقرد؟
لو احتكم هؤلاء إلى الجغرافيا لوجدوا بلاد النيبال قصية مرمية بين أدغال وسهول وسط جنوبي آسيا، يحيطها عملاقان في كثافتهما البشرية هما الصين والهند، ومع ذلك آوت الإسلام، وتصالحت معه فكان في عاصمتها كاتماندو مسجد كبير. ولو حسبوا حساب حرية المسلم في تلك البلاد، التي لم تعترض عليهم بوذيتها في أداء صلاة جمعة أو صلاة عيدين أو تراويح، لشعروا بمروءة أهل هذا الدين، وتعلموا منهم شريعة التسامح إن لم يريدوا تصديق خبر أن الرسول ترك النصارى يصلون بصلاتهم في داخل المسجد النبوي. ولو نظروا إلى فقر وجوع النيبالي، وهو يركب الصعاب ليعمل منظفاً أو طباخاً، في شركة أردنية لا أمريكية، لشعروا بالخجل من أنفسهم أن خناجرهم تمتد إلى مَنْ تغرب للقمة عيش أطفاله، ولا يجوز دينه وعقيدته إيذاء الحيوان، إلا في حالة الدفاع عن النفس القصوى، وهي واحدة من تعاليم بوذا. ستون عاماً والزعيم الروحي للبوذية دالاي لاما، وهو بمنزلة المرجع الأعلى أو مفتي الديار في أعرافنا، يعيش متصوفاً يشعرك بالجنيد ومعروف الكرخي وسفيان الثوري، يعبد الله فوق أقرب نقطة من الأرض إلى السماء، حيث التبت، ولا ندري، كم يبعد قرار منحه جائزة نوبل من أجل السلام العام 1989عن دهاليز السياسة الدولية نكاية بالصين.
مصيبة النيبال بمواطنيها ستحول مسالمة البوذية إلى حرب لا تميز بين مسلم وآخر، فالمشهد يفوق تأمل البوذي في محبة عدوه. لقد جعلت قسوة خناجر أنصار السنَّة كل حرف عربي وآية قرآنية واسم مسلم وديار مسلمة مشروع ثأر! فتأمل كيف قاد السفاحون فقراء النيبال إلى العنف، فكانت البداية حرق المسجد الكبير. هذه هي نتائج مسيرات أكفان السيد نصر الله، مشاهد تلهب العنف، وتخدر العقول، هذه هي نتائج مشاريع الشهادة، مشاريع للموت المجاني، مشاريع تمتلك الهتاف وحماسة الألفاظ، لكنها فاشلة في الصناعة والبضاعة، حتى نسيج تلك الأكفان هي مصنوعة بأيد بوذية أو أياد ليس لها في الدين من خاطرة.
كم هو ضعيف مَنْ يهوى بساطوره على لائذ من جوع وعري، مثل البوذي النيبالي، وهو مشمول بقول القرآن "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم"، والسائل والمحروم ليس بالضرورة أن يكون مسلماً. أليس من المفروض أن يكون القرآن وهو سماوي الصدور أقرب إلى الرحمة والعدل من قوانين وضعية ببلاد أوروبا وأمريكا واليابان، التي لا تجدها ميزت بين اللاجئين من السائلين والمحرومين على أساس دين أو محتد، فشملت حتى الداعين إلى تكفيرهم وإباحة أموالهم، وذراريهم ونسائهم!
وإن كان قتل النيبالي لتهاون أو تعاون أو تآمر مع أمريكا، حسب ادعاء أنصار السنَّة، ففقراء النيبال لا يعرفون أمريكا ولا يفقهون مفردات مثل الاحتلال والاستعمار والتحرير، لا يفقهون غير عودتهم إلى بلادهم بطعام وكساء إلى أطفالههم ومَنْ يعيلون، فما هول الفاجعة عندما يردون إليهم بلا رؤوس! إذن، مَنْ يمتلك حق الامتعاض من عنف نيبالي ضد مسجد أو مكتب خطوط يعود لجماعة مسلمة، والزوجات والأمهات النيباليات تستلم جثامين أزواجهن وأبنائهن تنقصها الرؤوس؟
كم يضايقنا مشهد أثر أو تمثال روماني أو مصري في المتحف البريطاني أو اللوفر بباريس وهو يقف بلا رأس، فما هو الخطب أن تنظر جثة إنسان بلا رأس، وكم يكون الخطب أعظم لو شاهدت صف من الجثث بلا رؤوس، يمزق صدورها الرصاص والخناجر؟
أنصار السنَّة ليسوا أحق بالعراق من النيباليين والكوريين، هؤلاء أتوا بتجارة قتل، وأولئك أتوا منظفين وطهاة، وشتان بين كسب الموت وكسب الحياة.
يوم أقدمت طالبان على تكسير تمثالي بوذا وهما من آثار الدنيا القديمة الباقية، ولا يقلان شأناً عن شأن الهرمين، قدمت تجربة ودرساً في خراب النفوس، فالعقائد عند أغلب البشر مثل الأنفس، تؤذى وتخدش وتنكسر. أعطت صورة لا تقبل التأويل والتفسير عند أتباع بوذا، مُفادها أن في صدور المسلمين فؤوساً لا قلوباً، وإلا ما معنى تخريب تمثالين نقشا من قبل الإسلام بقرون في جبل هندوكوش بباميان، وتحول الجبل وما فيه إلى الإسلام في عهد الصحابة وظل التمثالان قائمين؟
للتعريف، بامِيان هي مدينة جبلية أفغانية، محاطة بجبال هندوكوش، كانت يوماً ما مركزاً للديانة البوذية، نقرت في جبالها الصوامع والمعابد، تقع بين بلخ وهراة وغزنة، ومن يقرأ التاريخ يجد لهذه المناطق الثلاث حضوراً في التاريخ الإسلامي لكثرة ما نسب إليها من متكلمين وفقهاء وسلاطين، إضافة إلى نوع الديكة الممتازة المعروفة بالهراتي.
قال ياقوت الحموي (626هـ): باميان "قلعة حصينة، والقصبة صغيرة، والمملكة واسعة، بينها وبين بلخ عشر مراحل، وإلى غزنة ثماني مراحل، وبها بيت ذاهب في الهواء بأساطين مرفوعة، منقوش فيه كل طير خلقه الله تعالى على وجه الأرض، ينتابه الذَّعار، وفيه صنمان عظيمان، نُقرا في الجبل من أسفله إلى أعلاه، يسمى أحدهما سُرخبد والآخر خِنكبد، وقيل: ليس لهما في الدنيا نظير. خرج من هذه المدينة جماعة من أهل العلم" (معجم البلدان). ونقوش الطيور، وتمثالا بوذا العظيمان هي جزء من تركة أفغانستان الأثرية، ترتزق بها أفغانستان للتخفيف من أزمات اقتصادها الهالك، وتستعين بها ضد زراعة وتجارة المخدرات، فهما أعظم المقاصد الدينية لكثافة الحجاج والسياح.
فأي حكمة اقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية انتهجتها جماعة طالبان، وأنصار السنَّة واحدة من فروعها، في تحطيم هذين التمثالين؟ وهما يدران عملة صعبة، تبتاع بها الجماعة عربات التيوتا ذات المنشأ الياباني البوذي، وهما شاهدان على تاريخ فني نقش في صخور أعظم الجبال، يشيران إلى عالم استقر فيه الإسلام بعد قرون من البوذية. وهنا أُذكر بحكمة الوزير البرمكي في حفظ الأثر عندما أراد هارون الرشيد، في لحظة غياب العقل والزهو بالانتصار، هدم طاق المدائن، لكن نصيحة الوزير البرمكي منعت الكارثة.
قال ابن عبدوس الجهشياري (ت310 هـ): "أمر الرشيد يحيى بن خالد (البرمكي) بالتقدم في هدم إيوان كسرى، فقال: لا تهدم بناءً دل على فخامة شأن بانيه، الذي غلبته وأخذت ملكه. قال (الرشيد): هذا من ميلك إلى المجوس، لا بد من هدمه! فقدر للنفقة على هدمه شيء أستكثره الرشيد، وأمر بترك هدمه، فقال له يحيى: لم يكن ينبغي لك أن تأمر بهدمه، وإذ قد أمرت فليس يحسن بك أن تظهر عجزاً عن هدم بناء بناه عدوك، فلم يقبل قوله ولم يهدمه"(الوزراء والكتاب). فماذا لو تركت حكومة طالبان لحظة زهوها وغرورها بانتصار لم يتعد ذرة من زمن مثول سُرخبد وخِنكبد في جبال هندوكوش بباميان.
لكن هولاكو البوذي عندما اجتاح ديار الإسلام، مما وراء جيحون إلى ما وراء دجلة والفرات،لم يهدم مسجداً ولا ضريحاً، وظل سلاطين التتار يحكمون الشرق الإسلامي وهم بوذيون حتى أسلم حفيد هولاكو. جاء في تفاصيل إسلام الملك البوذي "إن غازان خان نطق بكلمة التوحيد في أوائل شعبان سنة 694هـ (1294م) بحضور الشيخ صدر الدين إبراهيم بن حمويه، ومعه كافة الأمراء (قيل أسلم معه مئة ألف مغولي) صار الجميع مسلمين، ولقد أقيمت الولائم والأفراح، واشتغل الحاضرون بالعبادة"(جامع التواريخ، تاريخ غازان خان). إلا أن السلطان المسلم الجديد أسرع إلى اضطهاد أهل الأديان الأخرى، ربما كان ذلك بدافع المشورة والقصور في فهم الدين، فأصدر أوامره بهدم دور عبادة اليهود وكناس المسيحيين ومعابد البوذيين والزرادشتيين. و"جعل العمامة زياً رسمياً في البلاط، والزم المسيحيين التمنطق بالزنار، مثلما فعل المتوكل العباسي، وألزم اليهود اعتمار القلنسوة، وعمَّ اضطهاد الطائفتين وما تأخر من البوذيين عن مرسوم غازان القاضي بدخولهم الإسلام، وعمم هذه الإجراءات على مختلف مناطق السلطنة".
وبعد أن استتب الأمر لهولاكو السنة 656هـ (1258ميلادية) جلس يستفتي الفقهاء في أمر الحكم وما يريده الناس، هل يفضلون إسلام مع الجور أم عدل مع البوذية؟ عندها أحجم الفقهاء عن الجواب إلا الفقيه الشيعي رضي الدين علي بن طاوس أجاب بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر (ابن الطقطقي، الفخري في الآداب السلطانية). وحباً بالعدل أراد المحبون من العامة والخاصة لهذه الكلمة وقعها في النفوس فنسبوها شفاهة إلى الإمام علي بن أبي طالب، لكن وصية الإمام لعامله على مصر مالك بن الأشتر تتناغم إلى حد ما من هذا المعنى، يوم قال له "يا مالك ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"(نهج البلاغة). فمن أين أتي (أنصار السنَّة.. كتيبة علي بن أبي طالب) بعظمة هذا الجور، وكل هذا التعطش إلى الدماء، والشوق إلى حز الرقاب؟
قُتل النيباليون البوذيون وأراهم كوكبة تخفق أرواحهم في فضاء الجنة، فلي ثقة غير محدودة بعدالة الله، أصحو معها من مخدرات النصوص وأغراضها، تقول: إن المظلومين كافة لهم جنات النعيم، وتحرم الجنة على كل مسلم جائر. قُتل النيباليون، وهم أضعف خلق الله إنسانا، لم يحتج لذبحهم وجهاء العروبة والإسلام مثلما احتجوا تضامناً لحفظ ماء وجه شيراك. ما تكلمنا وميزنا فرنسا عن غيرها بكتابة مقال "أما سمعت ياشيراك شكوانا" لولا التمييز بين بشر وآخر، بين نيبالي وكوري وبين فرنسي، بين صحفي وبين منظف أو طباخ.
إن من الجرأة ضد الحق والمروءة أن يفتى بحز رقبة البوذي بينما لا يستغنى عن علمه الدقيق في الذرة والإلكترون، فجماعة أنصار السنَّة.. كتيبة علي بن أبي طالب أذاعوا حفلة ذبحهم للبوذيين النيباليين والكوريين من على شاشة خلقها عقل بوذي وثني، وأن الآذان في الحرمين وثالثهما لا يستغني عن العقل البوذي والوثني في فرض من فروض الصلاة، فلم تعد أصوات أحفاد بلال الحبشي تخترق الآفاق بغير آلة بوذية أو مسيحية أو وثنية. اخجلوا من تخلفكم، فالخراب تجيده الثيران الهائجة، أما العلم والبناء فلا يجيده غير البشر. ورحم الله سفيان الثوري حين قال: "الفقه مع الرخصة أما التشدد فيحسنه كل أحد"، لكن أين أنتم من سفيان الثوري القريب إلى السماء مثل قرب زعيم البوذية الروحي دالاي لاما إليها. قال سعيد بن الخميس: "رأيت سفيان (الثوري) في المنام يطير من نخلة إلى نخلة، وهو يقرأ: الحمد لله الذي صَدقنا وعده"(سير أعلام النبلاء).
تحجر هؤلاء داخل مفاهيم لا ترى في البشر غير مشروع قتل وتدمير، وعشقوا الدم إلى حد أصبح عندها مادة عبادة. واعتادوا على مشهد الذبح اليومي، فإن لم يجدوا نيبالياً أو كورياً جاهزاً للذبح ذبحوا مَنْ تأخر عن أداء الصلاة خلف أميرهم، ومَنْ لم ينفذ فتواه.
التعليقات