مايحدث من هزل سياسي في عالمنا العربي أمر يفوق في تجلياته وملامحه وسيناريوهاته كل أشكال الإبداع الميتافيزيقي المؤطر سينمائيا وأدبيا !، ولعل قمة الهزل العربي يكمن في التلاعب بالأفاظ ومنظومة القيم والشعارات وخلط الأوراق، وهي الوصفة الغريبة وغير المتجانسة ولا المهضومة في مطبخ السياسة العربية الحافل بكل أنواع التوابل والبهارات المخلوطة بالشعارات الدينية والجهادية وبشوربة المخللات الثورية الساخنة، ولقد تعودنا أن يقوم مايسمى بالمؤتمر القومي العربي البيروتي بعقد ندواته وتجمعاته ومؤتمراته في أماكن معروفة في العالم العربي تبدأ من بيروت لتنتهي في الجزائر قبل أن يتكفله النظام البعثي العراقي البائد ليعقد أحد مؤتمراته الكلامية في بغداد وبرعاية همايونية من المتهم السجين طارق عزيز وبحنو إستخباري وإعلامي من مؤسسات النظام البائد الأمنية والإعلامية ووزارة الخارجية وكان ذلك عام 2002 أي قبل سقوط النظام بشهور قليلة؟ وقد عقد المؤتمر القومي العربي جلسته البغدادية وهو يهدد الغرب وأميركا بالويل والثبور وعظائم الأمور ! ومن أنه سيجعل من البحار العربية مستودعا لجثث العدو الأميركي !! ومن أن المؤتمرين القوميين حتى الثمالة سيقذفون بعدوة الشعوب لكهوف التاريخ!! ومن أن القومجية العرب سيدافعون حتى النفس الأخير عن التجربة القومية البعثية الرائعة في العراق!!.. إلى آخر المعزوفة العربية الثورية المعروفة! فلما دكت الأرض زلزالها واخرجت أثقالها وحانت لحظة الحقيقة والمواجهة وإقتربت (الحواسم) البعثية، لم نسمع للمؤتمرين (حس ولاخبر)! وإنزوى القوم من بيروت وحتى الرباط يستنكرون ويدبجون البيانات ودخل الأميركان بغداد وهرب بطل العروبة وأشباله ولاذ صناديد البعث القومي لحفر وجحور التخفي في التاسع من نيسان 2003 الخالد وحيث دخل البعث لجحور التاريخ الخلفية، لم نر أو نسمع من صناديد البيانات أي فعل عملي سوى التسابق لتخوين الشعب العراقي وصم الآذان وإغلاق العيون والأنوف عن الفضائح المأساوية والجرائم ضد الإنسانية التي تكشفت أوراقها وفصولها تباعا لتؤشر على حجم الفاجعة القومية التي حلت بالشعب العراقي في المقابر الجماعية الرهيبة التي كانت فعلا فريدا في العالم العربي وعملا إجراميا بشعا لانظير له سوى مافعله النازيون في أوروبا وكذلك الشيوعيون الروس أيام ستالين ضد الشعوب في آسيا الوسطى والشعب البولندي وحقول الموت لعصابات الخمير الحمر في كمبوديا والتي كشف عنها الإحتلال الفيتنامي لكمبوديا للأسف؟ القوميون العرب لم يحركوا ساكنا، ولم ينتصروا للشعب العراقي بكافة أطيافه القومية والإثنية وتنوعاته المذهبية، ولم يدينوا على الإطلاق العنصرية والنازية البعثية ضد الشعب الكردي بل إستمروا في هذيانهم السابق وحاولوا إخفاء كل معالم رفيقهم ومعلمهم وأستاذهم صدام مشوهين التواريخ والوقائع والأحداث؟؟ ومؤكدين أن المجازر والمقابر الجماعية ليست من فعل النظام القومي البعثي بل أنها مجازر إقترفها شيعة العراق ضد أهل السنة هناك؟؟ وهو ماشاهدناه وسمعناه من فم أحدهم على شاشة الجزيرة القطرية؟؟ ثم تطوع أحد القوميين الثوريين الآخرين للتأكيد على كون المقابر الجماعية تعود لأيام الحرب العراقية/ الإيرانية (قادسية صدام)!! أما جثث وبقايا أسرى الكويت والتي مازالت تتقاطر فإنها مجرد (دعاية إمبريالية مسمومة هدفها تبرير إحتلال العراق)!!، بهذه الطريقة العجفاء كان القوميون والثوريون يفكرون دون خجل من النفس والضمير أو إحترام لدماء الشعوب ومواقف التاريخ؟ ولم نعجب أو نستغرب لتلكم المواقف فالإناء ينضح بما فيه وبقايا النخب الفاشية العربية المضللة لايمكن أن تفكر بغير هذه الطريقة خصوصا
بعد أن إنضم لرعايتهم بعض الجماعات والأفراد من التيارات الأصولية المتوحشة والتكفيرية الظلامية وباتت تناضل تحت الراية القومية العلمانية في جبهة إنتهازية موحدة ومتحدة على تسويق الباطل، ولكن العجب قد إنتابنا وبحدة ونحن نقرأ ونسمع ونتأكد من أن الدورة 26 لإجتماعات الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي تعقد في الدوحة القطرية!! نعم في الدوحة القطرية وليس في بيروت أو دمشق أو مقاديشو؟ وفي توقيت غريب ومتزامن مع إشتداد الهجمات الإرهابية والظلامية في عالمنا العربي وحيث تحتدم حاليا كل الأفكار والتطلعات والرؤى؟ كما يأتي الإجتماع بعد أيام من الفتوى القرضاوية الشهيرة والنكراء بتحليل الإرهاب وتحليل دماء العراقيين وإباحة دماء الأميركان مدنيين وعسكريين كفارا ومسلمين ! وهي فتوى غريبة ومضحكة لم تزل ردود الأفعال حولها تتقاطر وتتفاعل؟ فهل سيقوم المؤتمرون ومن قاعدة (شيراتون الدوحة) بمهاجمة قاعدتي العديد والسيلية الأميركيتان تنفيذا لفتوى الشيخ القرضاوي بعد تطبيقها قوميا لتتعدى الحدود العراقية وتشمل ببركاتها وخيراتها الدوحة القطرية خصوصا وإنه حتى إبني الصغير والبالغ من العمر 12 عاما يعلم أن القيادة الوسطى للقوات الأميركية تقيم وتستقر في الدوحة القطرية وليس في البصرة أو عبادان! وهل سيشهد العالم العربي من الدوحة إنقلابا للإستراتيجيات الدولية بحيث تتحول (قطر) لجزيرة الحرية بالنسبة للمؤتمر القومي العربي وتقوم جحافل الأصوليين والوهابيين والقرضاويين والفلوجيين بكنس وتنظيف العالم العربي من الوجود الأميركي بقيادة الجنرالات معن بشور وخالد السفياني والرفيق عبد طيطو التكريتي؟ هل سنشهد من الدوحة ولادة عالم وقوى إقليمية وسياسية وقطبية جديدة؟ وهل سيكون البيان الختامي للمؤتمر القومي العربي بمثابة إنطلاقة نوعية في تفعيل النضال القومي ونمو حركة التحرر العربية!! وهل نستطيع أن نسمي البيان الذي سيصدر ببيان (المجاورين) لأنه يصدر من جوار قاعدتي العديد والسيلية؟ وهل سيكون قائد القيادة الوسطى الجنرال جون أبي زيد من ضمن ضيوف حفل الإفتتاح للمؤتمر القومي العربي بإعتباره عربي اليد والوجه واللسان والدم؟ وهل سنشهد صلحا بين القوميين والأميركان؟ أو زواجا للمتعة بين الأميركان والجماعات الأصولية؟ كل هذه وغيرها أسئلة ملحة أتركها للأستاذ فيصل القاسم ليجيب عليها من خلال برنامجه الشهير؟.

أغلب الظن أن عقد القومجية لمؤتمرهم في الدوحة القطرية هو أمر يتجاوز الضجة الإعلامية ليصل لربما لصفقة سياسية من نوع ما قد تسفر عنها الدبلوماسية القطرية الشهيرة بجمع الرؤوس في الحلال وحسب الشرع؟ وإلى أن يعقد المؤتمر وحتى إنتهائه سنضع أيادينا على قلوبنا فمفاجآت المؤتمر القومي أكثر من أن تحصى؟ مع تحياتنا للمؤتمرين وهم يسبون الأميركان بالقرب من بيوتهم؟... وياجبل مايهزك ريح؟.

[email protected]