قراءة لمواجهة الإرهاب والتحديات الراهنة في كردستان (2/2)


الإستعداد لمواجهة العهر الفكري والسياسي
أعتقد عن قناعة بأن الشعب الكردي لم يناضل عبر هذه السنين الطويلة ليسقط نظام صدام، ويأتي بصدام آخر بلباس العروبية أو الإسلاموية، ليمنع الكرد من ممارسة حقوقهم أو ليجردهم من ما حققوه في الأعوام الثلاثة عشر الماضية بدمائهم ونضالاتهم. فالكرد واعون بأنه لا يمكن قبول إستخدام سلاح الديمقراطية المزيفة للقضاء على التجربة الديمقراطية الكردستانية في المنطقة الحرة من كردستان الجنوبية. ولهذا ينبغي للكرد أن يكونوا على إستعداد لمواجهة العهر الفكري والسياسي.
المعادلة المعروفة لدى كل باحث مختص بالقضية الكردية هي أنه من الصعوبة تشويهها عن طريق إجراء مقابلات مع مَن يطلق على أنفسهم "محللين سياسيين" من العروبيين المتطرفين والإسلامويين المتعصبين على شاشات بعض القنوات العربية لتحليل الموضوع كما يحلو لهم. يمكن أن يكون أولئك الأشخاص محللين مختصين في القضايا العربية لكنهم وكما ألاحظ، كباحث مختص في الدراسات الكردية والعربية، لايجيدون حتى أسماء أغلب الأحزاب الكردية والكردستانية في الساحة الكردستانية، وفي كردستان الجنوبية تحديدا. ولايفهمون كثيرا عن الثقافة الكردية، والأحكام التي يطلقونها هي من منطلق قومي متزمت لا تمت بالواقع السياسي والإجتماعي الكردي. وهذه هي الإشكالية التي تواجهها العقلية العربية في مواجهة المعضلة الكردية بالنسبة لهم، فيخسروا الكرد وكردستان كما خسروا فلسطين وأفغانستان ووو.
الحقيقة هي أنه لايمكن للكرد لن ينهزموا بالعمليات الإرهابية السياسية والعسكرية لأنهم كانوا دائما معرضين لإرهاب الأنظمة التي تتحكم بكردستان. إنهم يقاوموها بالوعي والعمل، وسيستمروا حتى لو دعت الحاجة إلى تحالفهم مع الشيطان، إذا لم يجدوا مفرا من ذلك. تلك هي السيكولوجية الكردية التي تتمرد على الإضطهاد ماقدر الله تعالى لهم أن يتمردوا. وفي هذه المعادلة تكمن الخطورة في توجهات الكرد. فهناك اليوم قطاعات واسعة من الجماهير الكردستانية وخاصـة في الخارج، قد دخلوا مرحلة التنظيم الفكري والثقافي، وأسسوا منظمات وجمعيات ومؤسسات من أجل إستقلال كردسـتان، وذلك بسبب تنامي الوعي القومي والإجتماعي والحضاري لديهم، وبسبب المشاعر التي بدأت تنمو بإحساسهم صعوبة الإعتماد على بعض القوى والأنظمة العربية والمسلمة التي تطَوق كردستان أو تتحكم بها.
الإشكالية الأخرى التي يتعرض لها الشعب الكردي هي الدعايات المغرضة من قبل بعض القوى التركمانية المرتبطة بالنظام التركي العلمانوي الإستبدادي الذي لا يعترف بوجود أية قومية في تركيا بما فيها كردستان الشمالية التي تحكمها العلاقات الإستعمارية تحت ظلال أسم الديمقراطية الفارغة من الممارسة الديمقراطية، سوى شكلها وصورتها. مثل الإنتخابات الشكلية التي وصفها المفكر الفرنسي جان جاك روسو، بأن الناخب حر لحظة إدلائه بصوته، ومتى ما وضع بطاقة التصويت في صندوق الإنتخابات رجع عبدا. فلا يمكن تسمية دولة بالديمقراطية بدون الإعتراف بالأسس الأساسية للديمقراطية وهي الإعتراف بحق الشعوب في الحرية، والإعتراف بحقوق الإنسان بعيدا عن الطورانية والقومية الشوفينية والتفريس والتتريك والتعريب.
نحن نجد بأن التركمان في كردستان الجنوبية، ولا سيما في مدينة كركوك الكردستانية يتمتعون بكافة حقوقهم، والدراسة بلغتهم التركية، ولهم مؤسسات وإذاعات وقنوات تلفاز ومنظمات سياسية ومهنية، ومع ذلك يستمر تنسيق البعض، وهذا البعض شريحة صغيرة وقليلة من الأخوة التركمان، من المأجورين لممارسة الإرهاب السياسي، والإرهاب الدموي بإغتيال العناصر القيادية الكردستانية في كركوك وغيرها لتشويه القضية الكردية. وحبذا لو إرتفع هذا البعض كالأخوة من التركمان الآخرين، وكالأخوة من الكلدو آشور الى مستوى المسؤولية في بناء الصرح الديمقراطي التعددي الفدرالي لخير الشعب العراقي ككل. ويمكننا أن نقارن ما للأقليات القومية والدينية في كردستان العراق من نعيم وما يتمتعون بها من حقوق، مقابل ماكانوا معرضين للقتل والتشريد على يد نظام صدام حسين المنهار. كما يمكننا مقارنة وضعهم اليوم مع وضع الشعب الكردي وما يتعرض له من إضطهاد في الأجزاء الأخرى من كردستان.
إننا مدركون أن المسؤولية الوطنية تتطلب أن نكون مخلصين للديمقراطية التعددية الفدرالية البرلمانية، وأن مصلحة العراق تتطلب هذه الديمقراطية والتعددية والفدرالية حيث يتمتع الشعبين العربي والكردي والأقليات التركمانية والكلدو آشورية والطوائف الدينية بحقوقها في حدود مسؤولياتها الإخلاقية والوطنية. وان أي خضوع للأجنبي مثل تركيا أو ايران أو سورية أو أية دولة اخرى يعد تجاوزا للحدود الوطنية. أما إذا فشلت الديمقراطية والفدرالية والتعددية البرلمانية فيمكن لكل شعب أن يختار السبيل الأنجع لتحقيق حقوقه القومية الديمقراطية المشروعة.

خيارات كردستانية لمواجهة التحديات الراهنة
لقد برزت توجهات لدى الكرد بإمكانية التحالف مع أعداء أعدائهم كمخرج لتدويل القضيـة الكردية أكثر فأكثر. فهل فكر العرب وحلفاءهم خطورة النتائج التي تترتب على ذلك بترك القضية الكردية دون حل، والركوب على رؤوسهم، وإهمال الكرد بدلا من التعاون معهم، وإيجاد حل لقضيتهم، والتحالف معهم، لمواجهة الأعداء ؟ ولعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر متفهما لأهمية دور الكرد في المنطقة، حين نصح الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف بحل القضية الكردية، والتحالف مع الشعب الكردي لضرب إسرائيل. وواضح أيضا تفهم القائد العربي الليبي العقيد معمر القذافي، حين ينادي بأعلى صوته بحق الشعب الكردي في تشكيل دولته على أرض وطنه كردستان، لتكون سندا للقضايا العربية. ومعروف أيضا مواقف عشرات الكتاب العرب الواعين المتفهمين لحقوق الكرد، ومساندتهم للقضية الكردية، لئلا يتوجه الكرد نحو أمريكا وإسرائيل.
كيف يمكن للأنظمة العربية كسب ود الأكراد وهم يعادونهم ويسلبون منهم حقوقهم. القوميون العروبيون المتطرفون والإسلامويون المتزمتون لايعون المخاطر التي تترتب على مواقفهم ضد الشعب الكردي، ومعاداتهم لحقوقه والقوميات والأديان الأخرى ؟ لقد خسروا فلسطين، وخسروا الكثير الكثير، دون أن يفيقوا من غفوتهم، ويظلون ينشدون أناشيد قومية متطرفة فارغة من المعنى. كلام كثير وكثير، وعمل معدوم، كالجمرة تلتهب فتترك وراءها رمادا. وكما قال الرئيس الراحل عبد الناصر بعد فشل الوحدة المصرية السورية التي دامت ثلاث سنين (1958-1961)، أنه لم يكن يعلم بوجود قوة أخطر من الإستعمار، ألا وهي الرتل الخامس. وبعد هزيمة حزيران 1967، وما أكثر الهزائم العربية، قال عبد الناصر : " عشرون عاما نعمل من أجل السلام ونتحدث عن الحرب، وعشرون عاما تتحدث إسرائيل عن السلام وتعمل من أجل الحرب، فكانت النكسة ".
من غير الممكن تحقيق أي نصر بدون الإعتراف بحقوق الأخرين، وإعطائهم الحق في التعبير عن رأيهم، وتمتعهم بالكرامة الوطنية، كما يحلو لهم أن يقدسوا كرامتهم الوطنية. لايمكن إكتساب الحرية عن طريق سلب حرية الأخرين، ولا يمكن تحقيق أي نصر بالإرهاب. ومن غير الممكن أيضا جعل الدين أداة للإرهاب، لتحقيق مطامح قومية شوفينية ضيقة.
كلما ناضل الكرد اكثر، كلما إزدادت مطالبهم، لذلك من الضروري إيجاد حل للقضية الكردية بالإعتراف بحريتهم لتقوية صرح الأخوة العربية الكردية. فالكرد متمسكون بحقوقهم في حق تقرير المصير، وضرورة إجراء إستفتاء عادل في كردستان الجنوبية تحت إشراف الأمم المتحدة، ليقرروا شكل العلاقة مع النظام المركزي العراقي. وأن هذا الإستفتاء يقوي نوع العلاقة الإختيارية بين الكرد والعرب والأقليات القومية الأخرى. فتمسك الكرد بحريتهم لايختلف عن تمسك الأنبياء والرسل بعقيدتهم، وهم صامدون لمواجهة العدوان والإرهاب صمود جبال كردستان في أماكنها، والعزيمة أقوى من اي وقت مضى بعد سقوط صنم ساحة الفردوس. وتحالف الكرد ووحدتهم في الطريق، وهو أكثر وعيا لتطهير كردستان من الإرهاب.
أمام الشعب الكردي مخاطر جمة من جميع النواحي لمواجهة المرحلة القادمة. فالشعب الكردي يواجه تناقضات داخلية في كردستان الجنوبية تتطلب الحل دون تأخير. وإيجاد حلول لازمة لحل الخلافات الكردستانية-الكردستانية في الأجزاء الأخرى من كردستان. كما ينبغي للكرد والقيادات الكردستانية في جنوب كردستان طرح مطاليبها أمام مجلس الحكم الإنتقالي العراقي وسلطات التحالف بوضوح وجرأة وبلا تردد. والأهم من كل ذلك تجنيد كافة القوى الجماهيرية فكريا وسياسيا وإجتماعيا وثقافيا وحضاريا، وعدم حصرها في بوتقة الحزبين الكردستانيين فقط، الإتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. فتحرك الجماهير يمثل قوة للحزبين الكردستانيين الكبيرين، ودعما لهما أيضا بعدم المساومة على االحقوق. وأنه من غير الممكن للكرد أن يصنع التاريخ بدون جغرافيا، وأنه لايمكن المساومة على أرض كردستان لإرضاء هذه القوى أو تلك، لأن المساومة تجر الكرد إلى الخضوع والإستسلام.
لقد تمكن الكرد في منتصف العام الماضي من البدء بتشكيل لجان إستفتاء في الخارج، وتطورت العملية فوصلت إلى كردستان. وفي البداية واجهت لجان الإستفتاء رفضا من قبل بعض الاحزاب الكردستانية، لكن العملية الجماهيرية إستمرت في كردستان بالتوازي مع الخارج، حيث تم تشكيل مئات، بل ألاف اللجان المنظمة لجمع ملايين التواقيع، والمطالبة بإجراء إستفتاء في كردستان الجنوبية تحت إشراف دولي، ليختار الكرد نوع العلاقة مع النظام المركزي العراقي، ومع العراق ككل. وإنه من غير الممكن للكرد تحقيق شئ بدون تجنيد الجماهير فكرا ووعيا وحضارة. ومن هذا المنطلق إنضمت كافة الأحزاب السياسية الكردستانية ولاسيما الإتحاد الوطني الكردستاني لهذه الصحوة الجماهيرية، وهي تسير إلى الأمام بخطى حثيثة، لجعل القضية الكردية قضية دولية، ينبغي حلها في إطار دولي.

خطوات نحو وحدة الكرد لمواجهة الإرهاب
لابد من اتخاذ خطوات نحو وحدة الكرد لمواجهة الإرهاب والتطورات العراقية والاقليمية والدولية ضد العمليات الإرهابية البغيضة التي حدثت في جنوب كردستان في أول يوم من أيام عيد الأضحى المبارك من هذا العام، حيث أودت باستشهاد كوكبة جديدة من الكرد بينهم عناصر قيادية مناضلة، إلتحقت بالشهداء الذين سبقهم. وهي ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، لأن قوى الظلام والتخلف والإرهاب تخشى من حرية الشعب الكردي، ولن ترضى خيرا له، لذلك يجب على الكرد أن يتوحدوا لمواجهة المخاطر الداخلية والأقليمية. كما يجب أن يكونوا على إستعداد للتعاون مع القوى الدولية الأخرى، لخير الكرد وكردستان ومن أجل السلام والاستقرار في الشرق الأوسط كله.
لابديل للوحدة الكردية أولا، والتي هي خطوة أساسية للوحدة الكردستانية في جنوب كردستان. فبالوحدة الكردستانية يكون الكرد أقوى، وبوحدة الخطاب السياسي ووحدة الإدارات والمراكز والمؤسسات يصبح الكرد أكثر قدرة على المناورة السياسية، وبالتالي يستطيع الكرد وتستطيع القيادات الكردية طرح شروطها، وتحقيق أهدافها، حين تجد إلتفاف الجماهير الكردستانية حولها في الداخل والخارج.
على القيادات الكردستانية أن تتفهم الحقيقة التي مفادها أن أمريكا لن تطلب من الكرد أن يؤسسوا دولة، إنما يجب على الكرد أنفسهم أن يكونوا مستعدين لإختيار الطريق الذي يناسبهم، وبذلك تقتنع القوى الدولية بأن الكرد مستعدون أن يحققوا ما يمكنهم أن يحققوا. وصدق هنري كيسنجر حين قال: " نساعد الذين يساعدون أنفسهم ". ولكن مع الأسف لم يساعد الكرد أنفسهم بالقدر الكافي لحد الأن. ولعل أبسط خطوة نحو تحقيق هذه المساعدة هي وجود إدارة كردستانية واحدة وموحدة في كردستان الجنوبية بعيدا عن الاحتكار العشائري وكارتل الشركات التجارية ونهب الأموال من قبل القابضين على السلطة. فليبدؤوا بهذه الخطوة أولا، ويأبوا أن يتراوحوا، بل يجب أن يتحركوا نحو الأمام، وليس بإتجاه حلزوني. ولتكن مأساة الأول من فبراير عام 2004، وفاجعة الأول من عيد الأضحى نقطة إنطلاق نحو الوحدة والحرية، ودك قلاع الإرهاب. لابد أن يتمتع الكرد شعبا وقيادة بالجرأة الكافية، للدخول في الغابة الكثيفة المظلمة المليئة بالوحوش المفترسة، وينظفوها، لكي ينعم فيها أطفالهم بالحرية والسلام والإستقرار.

[email protected]