واهمٌ من يظن ان الهجمات الارهابية المسلحة ضد مرتكزات البنى التحتية ومؤسسات وأفراد الادارة والامن الوطنية ستتراجع حدتها ـ كما يدعي البعض ـ في حال إرجاء الانتخابات المزمع اجراؤها في الثلاثين من الشهر الحالي.
لماذا؟ لآن منفذي هذه الجرائم بحق الوطن والمواطنين لا يمثلون طرفا سياسيا ذا برامج اجتماعية واقتصادية وسياسية واضحة الاهداف, ويشعر بالغبن ويرغب في التنافس والحوارالسلمي مثل بقية الكيانات السياسية العراقية من اجل الفوز بأكبر عدد من المقاعد في برلمان العراق المستقبلي.
كما ان الجهة المسؤلة مباشرة عن ارتكاب هذه الجرائم كما هو واضح من خلال بياناتها ومنشوراتها ودعاوى مناصريها في الداخل والخارج هي ليست مجموعة أشخاص غرباء جمعتهم الرغبة في الاغتناء السريع عن طريق الابتزاز.. فحزب البعث الذي فقد سلطته ومصالحه في التاسع من نيسان 2003 ما يزال يحتفظ بمليارات الدولارات في حسابات سرية في مصارف عربية واجنبية وملايين اخرى في حقائب تتنقل عبر الحدود لتمويل عمليات تتميز بدقة التنظيم والتخطيط والتنفيذ وبأسلحة وعتاد وخطوط امدادات ومخابئ وورش ادامة وملاذات آمنة داخل وخارج البلاد معتمدا على تشكيلات لم تتفكك تنظيماتها وقياداتها, وسجلات ومعلومات لم تصلها نيران الحرائق المتعمدة التي أكلت وثائق المؤسسات المدنية الحكومية ابان الايام الاولى للحرب, وأفراد كانوا يدركون منذ البداية انهم بمأمن وان القوات المتحالفة لن تستهدفهم في عملياتها العسكرية للاطاحة بالنظام الدكتاتوري ولا بعدها.
ان البعثيين سيواصلون هجماتهم وبدعم متزايد من اطراف عراقية واجنبية حتى لو أعلنت القوات الاجنبية جلاءها عن البلاد, فغايتهم هي الامساك ثانية بزمام السلطة بالقوة المسلحة والانتقام من كل طرف ساهم قولا وفعلا في حرمانهم منها منذ نيسان 2003.. مستفيدين من الخلل الامني الراهن الناجم عن تهاون الحكومة الموقتة والقوات الاجنبية المسؤولة عن الملف الامني.. وكذلك فرص قدرتهم على اختراق المؤسسات الامنية الفتية ومرافق الدولة الاخرى ما سيسهل عودتهم للسلطة مرة اخرى دون ضجيج.
اغتيالات وهجمات وتفجيرات تضرب كل أنحاء العراق يوميا.. دون ان يسمع المواطن بالقبض على الفاعلين الحقيقيين.. لا ايضاحات او بيانات ولا أسماء من جانب الحكومة الموقتة سوى انها اعتقلت (مشتبه بهم) او ان الفاعلين مجهولون او ارهابيون من بينهم أجانب!!
في سوربا..أغلقت محكمة أمن الدولة الاسبوع الاخير من عام 2004 ملف المتهمين بتفجير سيارة في المزة في 27 نيسان الماضي التي ذهب ضحيتها مواطنان سوريان بالحكم على اثنين منهم بالإعدام، وعلى اثنين آخرين بالأشغال الشاقة المؤبدة، وعلى آخر بالسجن لمدة عشرين سنة، كما حكمت المحكمة على سبعة عشر آخرين بالسجن لفترات تتراوح بين سنة واحدة واثنتي عشرة سنة.
وفي المملكة العربية السعودية.. كشفت وزارة الداخلية هويات 10 من الارهابيين، قتلتهم قوات الأمن في مدينة الرياض، وتبين ان بينهم 3 من أبرز المطلوبين ، هم سلطان العتيبي المطلوب رقم 5 في قائمة الـ 26 الارهابية وبندر الدخيل ، المطلوب رقم 20 .
وبين القتلى سعود عبد الله الجضعي الذي شارك في تجهيز 5 سيارات مفخخة وسبق له السفر الى افغانستان، وعبد الله محمد صالح المحسن ومحمد سليمان ابراهيم الوكيل، الذي التحق بالتنظيم اخيرا، وعبد الوهاب عادل عبد الوهاب الشريدة ، وكان احد المتعاونين مع التنظيم ويؤوي عددا منهم وارتبط بسعد بجادو وبندر عبد الرحمن عبد الله الدخيل الذي جهز سيارات مفخخة وشارك في اطلاق النار على قوات الأمن.
لقد بدأ العراقيون يتململون ويتساءلون ..لماذا يعلن السوريون والسعوديون اعتقال ومحاكمة أشخاص مع أسمائهم وجنسياتهم فيما تعجز الحكومة الموقتة عن ذلك؟ هل ان منفذي هذه الهجمات التي تودي بحباة العشرات يوميا أشباح؟ ألا يحملون أسماءا ويعملون ضمن تنظيمات معروفة؟
ان الادعاء بأن الملف الامني لا يمكن حسمه الا عن طريق الترضية مع البعثيين قبل اجراء الانتخابات حتى لو استدعى ذلك تأجيلها لآسابيع او أشهر هو اغتيال في وضح النهار للعملية السياسية وانحراف واضح عن النهج الديمقراطي الذي دفع العراقيون وحلفاؤهم آلاف الارواح لآرسائه كوسيلة لتخليص البلاد من مسلسل العنف والكراهية والاضطهاد.
ان المشاركة في العملية السياسية ليست حكرا على طرف دون آخر.. فالابواب مفتوحة أمام كل عراقي ينشد الحرية والديمقراطية والرفاهية ويؤمن بحق الغير في الحياة.. واذا ما رغب البعثيون حقا في دخول هذه العملية والمشاركة بالانتخابات فما عليهم سوى تحرير أنفسهم من عقدة الخوف والاضطهاد وذلك بالوقوف بشجاعة أمام الشعب العراقي وادانة جرائم النظام الدكتاتوري والاعلان عن رغبتهم الحقيقية في نبذ العنف كوسيلة لتحقيق الاهداف السياسية.. وليبرهنوا ان الوطن تشيده السواعد وابراء الذمم وليس الجماجم والدم.

[email protected]