ربما لا ينتهى يوم الأحد القادم إلا وهناك رئاسة فلسطينية جديدة إختارها شعبها لخلافة الرئيس ياسر عرفات.. وربما تصدق توقعات الخبراء والمتابعون ويكون الشخص المعلن عنه هو محمود عباس / أبو مازن الذى يحظى بالقسط الأوفر من الدعم داخليا وخارجيا.. وربما تبرهن النسبة الأكبر من الشعب الفلسطينى بكل تياراته السياسية انها تقف وراء الرجل لأستكمال مسيرة النضال والتحرر والاستقلال ( كما تقول الشعارات التى رفعها هو وبقية منافسيه للفوز بهذا المنصب )، لكن السؤال الحيوى يتمحور حول كيف سيكون مسار إستكمال المسيرة؟؟..

كل فصيل من الفصائل التى ينتمى اليها الشعب الفلسطينى يسعى الى هذا " الإستكمال " وفق أجندته الخاصة التى تجمعه مع " آخرين " تتطابق أفكارهم حول منهجية نضالية قد تتآلف مما هو سياسى وعسكرى فى آن واحد، وقد تتوحد حول ما هو عسكرى استشهادى فقط.. وإسرائيل تضع الجميع فى سلة واحدة تقوم على اعتبار كل عمل نضالى تحررى " ارهاب " وترفض الإلتزام بقرارات الشرعية الدولية ولا تعترف لها بقيمة مادية أو أدبية وتطابق إستراتيجيتها الأستعماريه مع توجهات أمريكا الأمبرالية مما يزيد الضغط على جبهة النضال الفلسطينى سواء كان رسميا أوشعبيا لكى تندفع نحو تقديم تنازلات أكثر لصالح مخططاتهما فى مستوى المنطقة العربية ككل..

إستكمال المسيرة فيما يوصف بمرحلة ما بعد عرفات صعب للغاية لأنه يتم فى أجواء توصف بأنها تعكس إنتصارات إسرائيلية وامريكية فيما يتعلق بقضية الصراع العربى الإسرائيلى على طول الخط !!، وفى ظل انتكاسات عربية تتراوح ما بين فشل مبادرة قمة بيروت العربية العربية منذ حوالى أربع سنوات وإعتراض المنظمات الجهادية الفلسطينية على وقف عسكرة الانتفاضه والألتزام بهدنة دون قبول إسرائيل لموقف ملتزم مماثل وإنغماس غالبية الأقطار العربية فى أمور داخلية جعلتها تهمل الشأن الفلسطنيى بعض أوكل الوقت، ومواقف اوربية تحاول أن تقف إلى جانب الحق الفلسطينى أخلاقيا وماليا وفق إشتراطات إسرائيلية المنشأ تحمل خاتم واشنطن المطاطى مما يعنى ان أمريكا تؤيدها..
هذا هو المشهد الذى يحيط بجو الإنتخابات الرئاسية الفلسطينية والذى سيؤثر سلبا وإيجابا على تحركات الفائز بها والذى تتوقع كل مواقع المتابعه عربيا ودوليا كما أشرنا أن يكون محمود عباس / ابومازن.. فكر محمود عباس كشخصية قيادية تولى منذ حوالى عامين ولبضعة شهور منصب رئيس أول وزارة فلسطينية تتشكل بضغط دولى مقروء على المستويين الإسرائيلى والامريكى والاوربى وتحظى غالبية مكوناته بتأييدها جميعا، وهو مقروء ايضا على مستوى كافة التيارات السياسية فى الوسط الفلسطنيى ولكنه لا يحظى بتأييدها ودعمها جميعا خصوصا ذات التوجه الإسلامى منها..

وهنا يكمن المصدر الاكبر للمخاوف التى تظلل سحاباتها ساحة العمل الفلسطينى فى الفترة القادمة.. لماذا؟؟ لأن الرجل ينهج الى العمل الدبلوماسى السياسى القائم على قاعدة " خذ وهات " وعلى مبدأ " البناء على ما باليد خير من التشييد فى الهواء " وعلى قاعدة تفعيل المؤسسات الداخليه وإستيعاب " مرتكزات النضال الفلسطينى كلها " قبل التوجه للجلوس مع الآخر الى مائدة المفاوضات.. لذلك سيكون مطلوبا منه بعد أن يحظى بشرعية " رئيس كل الفلسطينيين " وقبل أى شئ آخر أن يستمع لكل رموز العمل النضالى الفلسطينى ولا يستبعد منها أى رمز مهما كان موقفه منه، وان يفتح صدره لكل ما يطرح عليه من أفكار وتبادل للمصالح دون ان يقحم اى طرف عربى فيما يجب ان يتوصل اليه معها لكى يتحول ما يتفق عليه إلى خطة فلسطينية خالصه المنشأ والتوجه والتعهد والإلتزام..

بهذه الخظة أزعم انه سينال إحترام كافة الأطراف التى سيتقابل معها فى " اجتماع لندن المصغر " الذى سيكون أول منبر سياسى دولى يعبر من خلاله عن قناعاته القائمة على شرعية تولية المسئولية الفلسطينية وعلى شرعية التحدث بإسم كافة التيارات النضالية التحريرية الناشطة على ساحتها دون زيف او إقصاء او إملاء.. بهذه الخطة يمكنه ان يتعامل مع أولى خطوات اصطدامه بحكومة إسرائيل الإتلافية التى ستعلن بعد بضعة أيام، وبذلك تكون لكل طرف خطة قائمة على شرعية كل منهما خصوصا أن شارون أعلن مؤخرا أنه يرحب بلقاء الرئيس الفلسطينى المنتخب !!..

الكفاح الفلسطينى من أجل التحرير والإستقلال لا يجب ان يتوقف، ولكن لا بد من تقاس أبعاده ونتائجة على أرض الواقع التى تأخذ فى إعتبارها معطيات الموقف الداخلى والخارجى عربيا ودوليا.. الكفاح الفلسطينى إن لم يقم على شرعية القيادة والإلتزام بما تفرزه مؤسساتها المرتكزة على الشعبية من قرارات لن يتقدم خطوة عما عليه الوضع اليوم بل سيتأخر خطوات الى الوراء.. الكفاح الفلسطينى المعتمد على الذات وفق طبيعة الحقائق التى تعكسها الأمكانيات التى تجمع شمل كل ما هو فلسطينى بلا مزايدة وإبعاد ومحاولة الانفراد بالواجهة والصورة والاعلام !! هو الذى يجب أن يكون عنوانا للمرحلة التالية.. الكفاح الفلسطينى القائم على حقيقة الحسابات التى تواجهها إسرائيل داخليا وخارجيا وعلى حقيقة الاوجاع التى سببتها لها إنتفاضة الأقصى التحريرية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا دون تضخيم او تهميش هو الذى سيملك فى المستقبل القريب حرية توجه دفة العمل الفلسطينى سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا..

الشرط الوحيد الذى يجب ان يكون عنوانا لهذا الكفاح فى مرحلة ما بعد عرفات مكون من شقين : الشق الأول ضرورة إرتكاز القيادة الفلسطينة الجديدة على كل الوان الطيف التى تتشكل منها الساحة التى يتحرك فيها الشعب الفلسطينى صاحب المصلحة الأولى فى نتائج هذا الكفاح التى تأخرت طويلا، والشق الثانى حتمية التعامل بوعى جماهيريا مع هذه القيادة طالما أن كل لون من الألوان التى تمثلها عرض افكاره وناقشها واتفق على منهج واحد للحركة يقوم فيه كل بدوره المرسوم له اتفاقا وإختلافا داخليا وخارجيا..
المهم ان يكون هناك قائدا مسئولا وفريق عمل ملتزم وتناغما فى الحركة يعبر عنه صوت فلسطينى يسمعه الداخل والخارج بلا نشاذ او صراخ او خروج عما هو متفق عليه !!..

استشارى إعلامى مقيم فى بريطانيا
[email protected]