حقوق الإنسان هي هاجس جميع الأحرار، وجميع المظلومين والمنبوذين والمضطهدين، إنْ لأسباب سياسية أو دينية أو ثقافية أو قومية أو طبقية. إنها كلمة حق، لكن بعض المنظمات الحقوقية العربية، المحلية، أو التي يديرها عرب في بلاد الفرنجة، أرادوا بها باطلا، وجعلوا منها مركوبا يعبرون عليها إلى مآربهم الحزبية وأهدافهم العقائدية السياسية. وإلا كيف يمكن أن نفسر عدم التمييز بين الظالم والمظلوم، وبين القاتل والضحية؟ أو كيف يمكننا أن نفهم إقدامهم على وضع المضطهَدين، ومن يدعو لاضطهاد الناس، في سلة واحدة. وخطابهم الذي يُطنّش ويهمّش الآخر، بسبب معتقداته الدينية أو الفكرية أو السياسية، أو نزوعه نحو الحرية، أو بسبب الجنس أو القومية، وغض النظر عن الذين يسعون لإجبار (الآخر) على إتباع منهج معين، وصيغة حياة معينة. وإهمالهم من يطالب بالمساواة مع الآخرين، وعدم دفاعهم عن حقه في حرية الاعتقاد والانتماء الحر، والتعبير عن الرأي، وممارسة الشعائر؟

كثيرة هي الأحزاب السياسية في البلاد العربية، التي تتبنى فكرا شموليا، أرضيا كان هذا الفكر أم (سماويا)، والتي أنشئت لها فروعا (خلفية) ترفع يافطة حقوق الإنسان، من باب تقاسم الأدوار، وذر الرماد في العيون، ولتشحذ باسمها الأموال من الدول الغربية، والمنظمات الحقوقية العالمية، لتمويل نشاطاتها السياسية والتنظيمية والتكفيرية. متباكية فقط على حقوق أتباعها (المهدورة) هنا أو هناك، وهي، أي هذه الأحزاب ومنظماتها (الحقوقية)، أبعد ما تكون عن احترام حقوق الإنسان، وأكثر خطرا وعداءً واضطهادا له، وبالتحديد لحقوق الإنسان (الآخر) المختلف معها في العقيدة أو النهج أو الانتماء، وأكثر تحريضا عليه وحرمانه وإذلاله ونفيه وتهجيره.

إن المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أن (الناس يولدون أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميرا،ً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء). فهل تعترف هذه المنظمات الحقوقية (الأحزاب الشمولية) بهذه القاعدة، وتعمل بها؟

وتنص المادة السابعة من الإعلان أن (كل الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية متكافئة، دون أية تفرقة، كما أن لهم جميعا الحق في حماية متساوية، ضد أي تميز يخل بهذا الإعلان وضد أي تحريض على تمييز كهذا). فهل تؤمن هذه المنظمات (الحقوقية) المتباكية على حقوق الإنسان، والمرتبطة بالحركات والأحزاب الشمولية إياها، بهذه المادة؟ وهل تقر المساواة بين الرجل والمرأة، وبين الحر والعبد، وبين المؤمن والكافر؟ وهل تساوي بين دية الرجل ودية المرأة؟ وتطالب بتوفر حماية ورعاية متكافئة لهم؟ خلافا لتوجهاتها وأهدافها وتشريعاتها التي تنص: أن لا يؤخذ حر بعبد، ولا مؤمن بكافر، وأن دية المرأة نصف دية الرجل.

كذلك تنص المادتان: التاسعة، والتاسعة عشر، من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه (لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً). و (لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية). فلماذا إذن تناصر هذه المنظمات جماعة بن لادن والزرقاوي والمنظمات التابعة والمؤيدة الأخرى، ولا تنتقد مجرد انتقاد، إرهابهم وخطفهم للناس، وإجبارهم على تغيير دينهم، وذبحهم، والتمثيل بجثثهم، وتقاضي فدية ثمنا لإطلاق سراحهم.

هل يقبل هؤلاء المتباكون على حقوق الإنسان، الذين ينظرون إليها على أنها مطية، لتحقيق مآربهم ومصالحهم السياسية، هل يقبلون بالمادة السادسة عشر من الإعلان، التي تؤكد أن (للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله)، فيساووا بين الرجل والمرأة، ويزيلوا عن كاهليهما عائق وسطوة الدين، ويسمحوا لهما بالزواج دون أن يغير أحدهما دينه.

لماذا ترفض هذه المنظمات المتشدقة والمتباكية على حقوق الإنسان المادة الثامنة عشر من الإعلان التي تنص على أن: (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة).ولماذا لا تساند هذه المنظمات حق المرء في تغيير ديانته، وتناصره في رغبته تلك، في حال كان مسلما، فلا تكفره، ولا تعتبره مرتدا يستوجب الإعدام؟ ولماذا ترفض هذا الحق رفضا كليا وبالمطلق؟
إن حقوق الإنسان بالنسبة لهذه المنظمات لا تعني لها سوى شيئا واحدا وحيدا، وهو حق (بعض الناس) في الصمت أمام المحققين، وعدم الاعتراف بالجرائم المرتكبة، أو المخطط لارتكابها، والتستر على الشركاء، وإخفاء المعلومات التي من شأنها أن تساهم في حماية المجتمع من شر الإرهاب والإرهابيين؟

بالأمس دافعت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين عن إرهابيي الفلوجة من الزرقاويين والبرقاويين والبنلادنيين، الذين روعوا الأطفال والنساء والشيوخ بأعمال التفجير والخطف والذبح وقطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، وتفجير الكنائس والمساجد بمن فيها من مصليين، ومنع الموسيقى، والأفلام السينمائية، والتشهير بباعة المشروبات وجلدهم بالسياط علنا أم الناس، واضطهاد المرأة، ووأدها في كيس أسود محكم الإغلاق، وتكفير من تخالف منهن، وإعدامها (أنظر بلاغ تأييد إرهابيي الفلوجة الصادر عنهم، والمنشور في جريدة قاسيون الشيوعية – أخبار 19).

واليوم، من تسمي نفسها (المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا) تدافع عن محطة الجزيرة الفضائية في بيان مؤرخ في (دمشق في 25/11/2004) تحت عنوان: اعتقال تيسير علوني. وتعتبر اعتقاله في أسبانيا (محاولة للحد من حرية التعبير، وضغطا مباشرا على محطة الجزيرة الفضائية لانتهاجها نهجا إعلاميا موضوعيا ومستقلا) نعم. هكذا وبكل جرأة، ودون أن يرف لها رمش، تدعي هذه المنظمة أن (الجزيرة) تنهج نهجا موضوعيا لا أثر فيه للتحريض أو التهويش، أو الدعاية للإرهابيين!! وتتابع المنظمة في بيانها (وبما أن اعتقال الصحافي السوري تيسير علوني لا يستند إلى نص القانون الأسباني، لذلك يغدو قرار اعتقاله خارج دائرة القانون ويفتقر للشرعية القانونية). لقد نصبت هذه المنظمة من نفسها قاضيا يصدر الحكم قبل أن يصدره القضاء الأسباني، ليس هذا فقط، بل جعلت من نفسها أيضا خبيرا دوليا بالقانون، فاتهمت القضاء الأسباني بعدم النزاهة، والتحامل، والتآمر على حقوق الإنسان المتمثل بتيسير علوني. علما أنها لو سألت تيسير نفسه عن مدى احترام أسبانيا لحقوق الإنسان، لأجاب بدون تردد أو تمهل: أنها من أفضل ما يمكن، ولو سألته إن كان يشك أن القضاء الأسباني متحامل عليه، ولن ينصفه، لأجاب جازما بالنفي، وبالطريقة السابقة نفسها. وهذا واحد من أهم الأسباب التي شجعت تيسير وعائلته بعد خروجهم من أفغانستان على العودة إلى أسبانيا، والعيش فيها.

لماذا تتحدث هذه المنظمة عن أسبانيا، وتعبئ قواها للدفاع عن حفنة صغيرة جدا من المتهمين هناك، وتتجاهل أبناء جلدتها في مصر، طالما أنها تطلق على نفسها اسم المنظمة (العربية)، ولا تقف إلى جانبهم لتطبيق الفقرتين الأولى والثانية من المادة الواحدة والعشرين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن: (لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً) وأن (لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد)، فلا تتحدث عن تهميش الأقباط في مصر ومنعهم من ترميم دور عبادتهم، وعدم تقلدهم مناصب عامة، وإشراكهم في إدارة شؤون بلادهم التي هي بلدهم الأصلي، وهم من سكانها الأصليين، أي أنهم ليسوا غرباء عن مصر أو مهاجرين إليها؟

أم أن حقوق الإنسان لدى هذه المنظمات تعني شيئا آخر، تعني الحق فقط لمن على رأسهم ريشة، دون غيرهم من الناس، وتعني حق (بعض المتهمين) بالتزام الصمت أمام المحققين، وإخفاء المعلومات، والتستر على المخططين والممولين والمنفذين؟

[email protected]