استمعت بتأثر وتأمل معا إلى خطاب النائب بهية الحريري، شقيقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في ذكرى مرور شهر على اغتياله. لقد كان خطابا منهجيا عالج بموضوعية مشاكل لبنان الراهنة. واضح من الخطاب أن بهية الحريري رشحتها عائلة شقيقها الشهيد لتملأ الفراغ الهائل الذي تركه في الحياة السياسية اللبنانية وعلى الساحة العربية.

بهية الحريري خير من يساعد لبنان على الخروج ليس من أزمته الحكومية وحسب بل وأيضا من أزمته الشاملة، المالية والاقتصادية والسياسية، فهي، كما عبر خطابها الجامع، قاسم مشترك بين معظم اللبنانيين على اختلاف طوائفهم ومشاربهم السياسية. لبنان، كما العالم العربي، في حاجة ماسة إلى تجديد طبقته السياسية بتداول أجياله على الحكم. من الضروري تجديد الطبقة السياسية اللبنانية، التي ظل معظم الذين يتداولون على الرئاسة، الرئاسات الثلاث، فيها من شخصيات وعائلات وأجيال الحرب الأهلية وبعقلية هذه الحرب التي حولتهم إلى وكلاء للقوى الإقليمية والدولية وإلى آكلي لحوم البشر، لذلك عجزوا عن تحقيق إنجازات تذكر فتشكر. الرئيس الشهيد، رفيق الحريري، هو الوحيد الذي استطاع أن يحقق إنجازات ربما كان بعضها مثيرا للجدل لكن لا يستطيع الملاحظ الموضوعي إلا أن يقول أنها غيرمسبوقة في لبنان وفي تاريخ الرئاسات السنية التي أهلك الاحتلال السوري بعضها واستهلك بعضها الآخر. فهو الذي حمى لبنان من الإفلاس المالي والانهيار الاقتصادي. بامكان بهية الحريري، بالعطف اللبناني والعربي والعالمي الذي تحظى به أن تواصل إنجازات شقيقها الشهيد وأن توفر للبنان ما يحتاجه من حماية إقليمية ودولية في هذه الفترة الانتقالية الحرجة في تاريخ الشرق الأوسط والعالم العربي. وهي الوحيدة القادرة، في المشهد السني الحالي، على إنجاز المهام الملحة المطروحة على جدول أعمال لبنان: تحقيق دولي في اغتيال رفيق الحريري، تسريع جلاء الجيش والمخابرات السورية، إقالة الأجهزة الأمنية، إجراء تشريعات شفافة؛ نزع سلاح حزب الله بالتي هي أحسن، رفع الغبن عن تمثيل الطائفة الشيعية بإعطائها نيابة رئاسة الحكومة؛ إعادة تأسيس علاقات لبنان مع القوى الإقليمية والدولية؛ مواصلة ورشة إعادة تعمير لبنان في مناخ السلم الاجتماعي والتآخي الوطني وحسن الجوار. لبنان، الذي يمر بمرحلة انتقال حرجة من الاحتلال إلى الاستقلال، في حاجة ماسة إلى حكومة تتمتع بثقة فرنسا وتاليا الإتحاد الآوربي؛ بهية الحريري هي الوحيدة التي يتوفر فيها هذا الشرط.

إذا كان لبنان يريد حقا إعادة اختراع ديمقراطيته، بعد التخلص من الاحتلالين الإسرائيلي والسوري، فليدشنها بكسر المحرم الغبي في الفقه القديم الذي سنه الرجال للرجال لحرمان المرأة من المساواة مع أخيها الرجل في حقوق المواطنة وواجباتها وكسر تقسيم العمل القروسطي بين الجنسين: الرجل للحكم والسيادة والمرأة للطبخ والولادة.

مؤشرات كثيرة تتضافر على أن لبنان بدأ بانتفاضة الاستقلال السلمية يدشن دخول العالم العربي تدريجيا إلى الحداثة السياسية، أي احترام حقوق الإنسان واحترام الديمقراطية بما هي تداول سلمي على الحكم. ولن يدخل العالم العربي إلى الديمقراطية طالما ظلت المرأة فيه تعامل ككم مهمل: "ناقصة عقل" في الولاية و"ناقصة دين" في العبادة كما يزعم فقه القرون الوسطى.

الشعب اللبناني الذي استمع بخشوع في مظاهرته غير المسبوقة لخطاب بهية الحريري أفتى لها بالحق في رئاسة حكومة لبنان لتوحيد ومؤاخاة جميع اللبنانيين.فليدشن لبنان ولادته الثانية لنفسه برمز قوي وواعد: تجديد القيادات السنية، وربما الطبقة السياسية اللبنانية، بتنصيب بهية الحريري رئيسة للحكومة تساعده، كما ساعدت انديرا غاندي الهند، على الخروج من نادي الدول المحتلة والمتخلفة إلى نادي الدول الحرة والمتقدمة.