سلسلة المواقف الرسمية السورية الأخيرة من تداعيات الوضع العراقي المبتلى بالإرهاب وعصابات التخريب تؤكد من أن نظام دمشق البعثي الذي ينتظر مصيره الحتمي والمعروف والمستند للحتمية التاريخية ، قد قطع خط اللاعودة في المراهنة على تدمير العراق ومحاولة إفشال التجربة السياسية الجديدة التي كنست البعث العراقي من على واجهة التاريخ العراقي والعربي أيضا؟ والأساليب الإستخبارية للنظام السوري من خلال العمل السري الذي يمكن بعد ذلك التبرؤ من تبعاته ومصائبه عبر البيانات الديبلوماسية المعروفة ! وهي مهمة سهلة لاتتطلب من الإعلام السوري الموجه مخابراتيا سوى اللجوء للغة الكذب بصيغته المؤدلجة وهو مايفعله النظام السوري منذ أكثر من عشرين عاما ؟ فالهروب الفضائحي والمتسارع من لبنان قد تحول في الإعلام السوري والدكاكين الحزبية اللبنانية المرتبطة به ( لنصر بعثي ) عظيم و جديد يضاف لإنتصارات البعثيين العظيمة في الجولان عام 1967 وذلك حينما تم تبرير الهزيمة الساحقة والمفجعة أمام الإسرائيليين يومها بأنها مجرد نكسة عابرة!! فالمهم في تصور وعرف جنرالات البعث المهزومين هو الحفاظ على النظام الثوري والتقدمي!!! وقد ظلت الجولان منذ ذلك الحين أسيرة الإحتلال الإسرائيلي لحين تحقق مايسمى ب( التوازن الإستراتيجي )؟ ، ومن أجل الحفاظ على روح النصر البعثية المعروفة وإدامة زخم الهيمنة السلطوية والمخابراتية فإن البعثيين خير من يعرف ويطبق الأساليب المخاتلة والمخادعة وهو يمتلك إستراتيجية أمنية مخادعة متوارثة وأصيلة وإمتلاك فذ لفن خداع الجماهير التي تعرف كل شيء ولكنها تصبر على البلوى بفعل العنف والإرهاب اللامحدود الذي تمارسه أجهزة القمع البعثية التي تخصصت في تكميم الأفواه ومحاولة إخصاء قوى الشعب الحرة ، البعثيون في الشام وبعد إضمحلال البعث العراقي وإنقراضه التام من عالم الوجود باتوا يعدون الساعات والدقائق التي مرت سريعا بعد الزلزال اللبناني الشعبي الهائل الذي أعقب إستشهاد الرئيس الراحل رفيق الحريري ، واليوم وعشية الإحتفال بالذكرى السنوية الثانية لسقوط أصنام البعث البغدادية في التاسع من نيسان / إبريل الخالد عام 2003 ، فإن دمشق على موعد مع التاريخ لامحالة ، وهي مشرعة الأبواب اليوم أكثر من أي وقت مضى لإستقبال نسائم الحرية وربيع دمشق الذي لم يعد حلما بعيد المنال ، بل تحول لواقع ملموس وأمل كان يعتمل في النفوس المتعبة واليوم بات على وشك التحقيق والتجسيد ، فما حصل في بغداد قبل عامين وبرغم كل صور وصيغ المأساة قد رسم خطوطا تاريخية وآفاقا تغييرية هائلة في الشرق القديم والعالم العربي وبشكل تغيرت معه وإلى الأبد معالم الأشياء وطبيعة المتغيرات ، فالعالم العربي قبل سقوط صدام والبعث وخروجهم من معادلة الجغرافية والتاريخ والإيديولوجيا ليس هو نفس العالم الذي باتت معالمه تتشكل بعد ذلك السقوط التاريخي ، فالعراق يعيش اليوم إيقاعات متغيرات بنيوية فاصلة وتاريخية قد لاتكون واضحة اليوم ولكن نتائجها ستتبلور خلا ل عقد من الآن وسينبثق عراق جديد بالمرة لاعلاقة له بعوالم التخلف العثمانية والإنكشارية التي ظلت مهيمنة على الفكر والحياة والسياسة حتى وقت قريب ، والإرهاب الأصولي المتأسلم في طريقه للإنحسار التام بعد أن أفلس بالكامل وتحول لمجرد قطعان سائبة من الفرق الإجرامية تواجه اليوم بفعل تضحيات رجال الأمن العراقي الأبطال لحظات الحسم النهائية ، والمشروع الوطني العراقي البديل وبرغم كل مخاضات وآلام الولادة الصعبة ولربما القيصرية في طريقه للتشكل والبروز وبما سيفرض متغيرات هائلة على الخريطة الإقليمية ، قد يعتبرنا البعض مغالين ومتطرفين في التفاؤل ، ولربما يتصورنا البعض من العرب من المغالين في العمالة والإرتباط بالمخططات الأجنبية الهادفة للنيل من وحدة وسلامة الأمة العربية!!! وهو الكلام الواهي والسقيم الذي تكفل يوم التاسع من نيسان الخالد عام 2003 بقبره إلى الأبد؟ ، فالقيامة العراقية الحقيقية على الأبواب ، وطريق الحرية التي سلكتها قبلنا العديد من شعوب العالم الحرة مشرعة الأبواب وباهرة الأضواء والدماء العراقية المسفوحة اليوم ماهي إلا قرابين غالية وأصيلة لمستقبل الحرية ، ووفق كل هذه الإستحقاقات والمتغيرات السريعة بل والصاروخية فإن النظام البعثي السوري بات يعي جيدا متطلبات التغيير وضروراته الحتمية وإنهيار سوق كل الشعارات التدليسية والتخديرية التي عاش على ريعها وتسويقها ذلك النظام الذي ظل يحتجز الشعب السوري ويمارس ساديته الأمنية والمخابراتية في زمن وعقلية لم تعد تقبل بما يدور ، والشعب السوري الذي كان في طليعة شعوب العالم تحررا وأملا وإقبالا على الإنفتاح والإنطلاق يتهيأ اليوم لإستعادة دوره التاريخي والتخلص من أوثان الهزيمة ورموز العبودية والتخلف ودولة الأمن والقمع والمخابرات المستمرة فصولا منذ الخمسينيات الإنقلابية العسكرية البائسة ثم تجربة الوحدة الأشد بؤسا مع ( بكباشية وادي النيل وعصابة تمام ياريس ) تلك الوحدة المسخ التي رسخت ثقافة دولة القمع والمخابرات وأسست لكل عناصر الهزيمة والتخلف وفسحت المجال للعصابة البعثية الطائفية في الهيمنة على الشعب السوري منذ ربيع 1963 وحتى اليوم حيث يحكم الشعب السوري بالحديد والنار وتسلب ثرواته ويصادر حقه في التعبير والحرية ، ولاأعتقد أن الوضع الشاذ في سوريه والمتشابه لحد بعيد مع الأوضاع السابقة في العراق سيستمر لمديات أطول ؟ فالزلزال العراقي ثم الزلزال اللبناني الهادر الجميل قد وضح ورسم معالم الطريق ، والنظام العسكري الحزبي الوراثي ذاته يدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى جدية التحديات ويرتعب من آفاق التغيير وحتمياته التي لن يقف في وجهها أي طاغية أو أي نظام مهما تفرعن وأبدع في القتل والترهيب ، فالشعوب تصبر طويلا ولكنها لن تخنع أو تستسلم ، وكان على طغاة الشرق الصغار أن يأخذوا العبرة منذ أكثر من عقد ونيف من السنين حينما شاهد العالم جثة الدكتاتور الروماني البائد ( نيقولاي شاوسيسكو ) وهي مكسورة الظهر فوق ثلوج بوخارست في أعياد ميلاد 1989؟؟ ليعرفوا مصيرهم الحتمي؟ ولكن المشكلة أن طغاتنا الصغار لايقرأوون ولايكتبون ولايتعظون ؟ وهم حتى إن حاولوا القراءة لايفهمون أو يستوعبون أبعاد ماقرأوه ؟ .. وتلك هي معضلة الفاشية العربية والمشرقية ، فالعالم يسير بخطى رهيبة نحو التغيير وأنظمتنا لم تزل حتى وقت قريب تجتر الشعارات وتأكل ( تبن ) الإستعارات الآيديولوجية المنقرضة ؟. ليل الظلام والتسلط في ربوع الشام الجميلة قد أوشك على الإنحسار ، وسقوط وتكسير أصنام الدكتاتورية والعبودية قد أضحت تحصيل حاصل ، والمؤتمر القطري السوري العاشرلحزب البعث النافق سيكون لامحالة المؤتمر العاشر والأخير في حياة وتاريخ حزب فاشي عقيم سقيم لم يورث الأمة سوى الهزائم وصناعة أصنام الهزيمة والتخلف والطائفية ... وكل الإجراءات الترقيعية لم يعد لها محل من الإعراب أو الواقع المعاش شيئا ، فأوراق البعث قد تيبست وشجرة البعث الفاشي قد قطعت من الجذور في العراق ، أما مشاهد إعادة الترتيب والتنظيم ومحاولة إحياء الرميم فليست سوى مشاهد لديكورات خلفية لمسرحيات بائسة أشرفت على نهاية العرض في مسرح الشرق الأوسط والعالم العربي الكبير ، فقد رسم التاسع من نيسان العراقي الخالد 2003 طريق النهاية الحتمي لكل صيغ وصور الديكتاتورية والإستبداد ، ولم تعد للحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق فقط ؟ بل تحتم على البعثيين والمؤتمرين والذين يحاولون إحياء الموتى ضرورة جمع أوراقهم والرحيل بعيدا ... إنه موسم سقوط أصنام البعث والهزيمة ، كما أنها سنة الله ( ولن تجدوا لسنته تبديلا ) .. ولاقرار إلا للشعوب الحرة .
- آخر تحديث :
التعليقات