لا شك في أن القتل الفظيع والمأساوي للضحية المصرية، مروة الشربيني، هي واحدة من بين الجرائم المروعة التي اقترفت جراء كراهية الآخر، والاعتداء على حريته الشخصية.
المأساة كان لا بد أن تهز ضمائر المصريين، ولكنها هزت الضمائر الألمانية كذلك، بل وكل الضمائر الحية - هي جريمة كانت تستحق كل إدانة، وتستوجب القصاص العادل.
هذا كله صحيح، ولكن ردود الفعل المصرية، على مختلف المستويات، تثير أكثر من تساؤل وعلامات استفهام عما وراء محاولات توجيه التهمة لألمانيا، بل للغرب كله، وكأن كل ألمانيا مسئولة عن جريمة شخص فرد، وهو أصلا روسي لا ألماني. إن تشييع الراحلة بهتافات quot;الموت لألمانياquot;، وشعارات التحريض والكراهية الأخرى، واستغلال المشاعر الطيبة لعامة الناس استغلالا غوغائيا مشحونا، لا يمكن تفسيره بغير وجود جماعات ومؤسسات، منها خاصة الإخوان المسلمون، تسعى للمزايدة بدماء الضحية لأغراض سياسية، وللنفخ في بوق التطرف الديني الموجه ضد الغرب، بل وحتى ضد أقباط مصر بوصفهم مسيحيين.
إن كان مجرم ضال قد أثاره الحجاب لحد اقتراف جريمته البربرية، فهل تجهل تلك الجهات أن مئات الآلاف من المحجبات المسلمات يسرحن ويسرن في شوارع الغرب بكل حرية، وأن آلاف المساجد قائمة في ألمانيا، ودول الغرب الأخرى، حيث يمارس المسلمون فيها فروضهم بمنتهى الحرية؟؟ هل حقا لا يعرفون ذلك، لاسيما ولهم هم تنظيمات واتحادات في قلب الغرب تنشر الأصولية المتطرفة؟؟!! أكثر من ذلك، إن هذه الأوساط،، التي تستغل المشاعر الطيبة والتلقائية لجماهير مصر لغرض إثارتها ضد الآخر، تعرف جيدا أن المتطرفين المسلمين في الغرب قد اقترفوا آلاف الجرائم المروعة، ومنها تفجيرات 11 سبتمبر وتفجيرات مدريد ولندن، وذلك دون أن توجه الدول الغربية أصابع الاتهام للدول التي اقترف مواطنوها تلك الجرائم الجماعية، أو اتهام شعوبهم والتحريض على كراهيتهم.
لقد تناولنا في عشرات من المقالات السابقة كيفية استغلال المتطرفين الإسلاميين للحرية والخدمات التي تمنحها لهم الدول الغربية، وكيف يحاولون فرض ممارساتهم المبرقعة بالدين، كالبرقع والنقاب. بل إن من المسلمين، من راحوا يقتلون بناتهم أو أخواتهم باسم غسل العار، وكأنهم في البوادي والصحارى العربية والإسلامية.
من المؤسف أن بعض السلطات المحلية المصرية والصحف قد شاركت وتشارك في التأجيج، والإثارة، بدلا من توضيح الأمور كما هي.
إن التطرف والتعصب الدينيين موجودان في الغرب بين بعض الأفراد والجماعات، ولكن الحكومات الغربية تلاحقهم كلما أرادوا التعبير الاستفزازي عن تلك الميول. غير أنه، ومهما كان عدد هؤلاء، فالتطرف منتشر بين المسلمين في بلدانهم أضعافا مضاعفة، بل إن التطرف الديني في بلداننا يلاحق ويقتل ويفجر حتى غير المسلمين من مواطنيهم، ولننظر مثلا لأحوال الأقباط ومسيحيي العراق، والصابئة المندائيين عندنا، وغيرهم من أبناء الأقليات الدينية والمذهبية في العديد من الدول الإسلامية، التي لا نجد في العديد منها ولا كنيسة واحدة، وإذا وجدت، فهم يضيقون عليها.
كراهية الآخر في الدول العربية والإسلامية منتشرة على نطاق واسع، وتغذيها تنظيمات وأحزاب وأنظمة الإسلام السياسي بمذهبيه، السني والشيعي، من إيران، وإلى السودان، والعديد من الدول الأخرى، ومن المضحك حقا أن الرئيس الإيراني قد استدعى السفير الألماني حول حادث الراحلة المصرية مروة الشربيني! فأي نفاق، وأي ضحك على الذقون، إذ من لا يعرف ما تتعرض له الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية من تمييز واضطهاد في إيران.
نعتقد أن من واجب حكومة مصر، والصحافة المصرية الموضوعية، وممثلي المجتمع المدني المصري، أن يقوموا بحملات توعية مقنعة لمنع استغلال الإسلاميين للموضوع، ولوقف التشجيع على الكراهية، ومحاولات تخريب العلاقات مع ألمانيا ودول الغرب الأخرى. وبهذه المناسبة، لابد من تثمين مقال الأستاذ عبد المنعم سعيد بهذا الشأن، والمنشور في الشرق الأوسط، عدد 17 تموز ndash; يوليو- الجاري.