في الماضي كانت مسألة الانتحار شيئا مذموما في باكستان بسبب الاعتقاد الراسخ بان الحياة هبة من الله وان قتلها من أكبر الكبائر التي ينهى عنها الله أما اليوم فان هذه الظاهرة في ازدياد مضطرد وغالبا ما نسمع عن انتحار واحد أو اثنين يوميا قي أماكن مختلفة من باكستان ,أغلبهم من النساء حيث أن الانتحار قد أصبح أمرا شبه معتاد .
الانتحار هو سبب الوفاة التاسع عشر من بين اسباب الموت الرئيسية في انحاء العالم ؛ حيث يصل معدل الانتحار على المستوى الدولي بين الرجال الى 24% من كل 100,000 ولكن النسبة اعلى بين النساء .
فالانتحار في قارة أسيا شائع بصورة أكبر بين النساء صغيرات السن حيث يصل عدد اللاتي يقدمن على الانتحار الى 148 من كل أمراة في حين أنه اقل بين الرجال . ويعود ارتفاع معدلات الانتحار بين النساء الى نقص التعليم والنزاع حول الزيجات المرتبة والمعدة سلفا وبسبب اخفاق مشاريع الحب واسباب اخرى كثيرة مثل المهور والفقر .
أما في باكستان فان الانتحار يعتبر مشكلة رئيسية في الاوقات المعاصرة على الرغم من ان الانتحار يتنافى مع التعاليم الاسلامية كما أن محاولة الانتحار تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون في باكستان ؛ حيث ان العقوبة هي الحبس لمدة عام أو الغرامة أوكلاهما معا .
وحياة الاسرة في باكستان متضامنة وتحكمها تقاليد اجتماعية موروثة تحتم هلى الفرد الانضواء تحت ظل العائلة وعدم التفكير مطلقا في الخروج عن كنفها ، ولكن المرأة مطالبة أكثر من غيرها من أفراد الاسرة بطاعة الجميع وتلبية احتياجاتهم ولكنها في المقابل لاتحصل الا على العنف الموجه ضدها بكل قسوة ..
وطبقا لتقرير حقوق الانسان لعام 2000م فان كل واحدة من خمس نساء في باكستان قد تعرضت لنوع واحد على الاقل من أنواع العنف وهذا ما يدفع النساء الى محاولة وضع حد لمعاناتهن من خلال الاقدام على الانتحار . والانتحار بين النساء في الارياف أكثر منه في المدن ويشاع أن انتحار النساء في الارياف يكون في بعض الاحيان مفبركا بطريقة تضمن حياة من يقوم بتعريض الضحية للعنف .. حيث يتم التخلص من الضحية التي تعرضت للعنف اذا كانت علامة العنف بارزة ويتم قتلها ومن ثم اشاعة أنها قامت بازهاق روحها بنفسها . ومعظم حالات الانتحار المفبرك هذه تحدث بسبب النظام القبلي الصارم الذي وضعه الرجل والذي يهدف بالضرورة الى حماية الذكور من الوقوع تحت طائلة أي عقوبة أو ازعاج بسبب اقدامهم على تعذيب المرأة ؛ فالذكور هم المبرزون والمحميون في النظام الاسري القبلي السائد .
أما اذا تم اجراء البحث حول انتحار النسوة في مدينة باكستانية واحدة هي مدينة لاهور ذات الخمسة ملايين نسمة على الاقل في الفترة من مايو الى يونيو 2004م فان 145امرأة حاولن الانتحار وماتت منهن 83 امراة ؛ وهذه الارقام في زيادة دراماتيكية وخصوصا بين الفئات العمرية الصغيرة وبين المرهقات على وجه التحديد .
والسبب الجوهري وراء انتحار الفتيات في باكستان هو الاخفاق في الحب أما في حالة الشابات الاكبر سنت فهو عائد الى توتر العلاقة مع الزوج وعائلته والى الاسباب الاقتصادية التي لا يمكن أغفالها لكونها السبب الرئيسي لتوتر أي علاقة عائلية فالفقر يكون دائما الدائرة التي لا تستطيع النساء الخروج منها الا بالموت أو الانتحار . كما أن تعقيدات العنف الاسري وانعدام التعليم والوعي الاجتماعي وعدم معرفة الذين بصورة صحيحة والظلم والقنوط واليأس والخوف من قادم الأيام وانخفاض المعنويات بسبب ما تشعر به الحواس كلها من انعدام الامان والشعور بالقنوط لدى الضحية تعتبر جميعها من العوامل الدافعة قسرا الى الاحباط والى الانتحار ...
ولا يمكن في جميع الاحوال النظر الى الانتحار على أنه عمل بطولي أو أنه خروج جبان من المواجهة ولكن يمكن أن يكون ردة فعل عكسية على الوضع القائم وبهذا فانه قد لا يكون هروبا من المواجهة بقدر ماهو نداء استغاثة للانقاذ ؛ انقاذ أي شي ممكن لان الكثير من الاوضاع المتردية قد تؤدي الى تكرار الانتحار بشكل أو بآخر .
نساء الغرب يقدمن على الانتحار بقطع معصمهن أو بتناول كميات خطيرة من الادوية وهما طريقتان قابلتان للاسعاف والمعالجة ، أما في دول العالم الثالث وفي باكستان خاصة فان طريقة الانتحار هي الشنق أو تناول السم الزعاف أو المضادات الحشرية القاتلة المحرمة والمحظورة في معظم بقاع الارض - باستثناء باكستان – أو باشعال النار وتعريض النفس للعذاب الشديد والطويل زمنيا قبل الموت وكلها حالات غير قابلة للاسعاف أوالعلاج في مطلقها .
المشكلة الاساسية هي أنه عندما تواجه فتاة أو امراة شابة مشكلة ما فان ذويها يشعرون بالخجل من مواجهة الامر أو اللجوء الى طبيب نفسي للبحث عن علاج لهذه المشكلة وتبقى الضحية بمفردها تنتقل من احباط الى أحباط أسوأ من الذي سبقه ؛ وعندما تكون الضحية غير متزوجة فان أهلها يرون أن العلاج في الزواج وهم بذلك لا يبحثون عن العلاج بل يحاولون التخلص منها . و مما يضيف أبعادا أشد خطورة للمشكلة هي أن الظروف الاقتصادية لا تسمح باقامة مراكز حكومية للمساعدة في التقليل من نسبة الانتحار لدى النساء ولا توجد منظمات أو مؤسسات تأخذ على عاتقها منع الضحية من الوصول الى درجة الحاق الاذى بنفسها ؛ ولكن عندما تنتحر امراة في عائلة ما فان الضرر لايلحق بها وحدها وحسب ولكن بناء وهيكلية العائلة ذاته يصبح في مهب الريح .
التعليقات