بهاء حمزة من القاهرة: حينما اقدم مسؤولو قناتي المستقبل وال "أل.بي.سي" اللبنانيتين على تقديم برنامجيهما الأكثر إثارة للجدل حتى الآن وهما سوبر ستار وستار أكاديمي وحينما اقدم الفنان عادل أمام على الاستعانة بالممثلة اللبنانية نيكول سابا لتشاركه بطولة فيلمه "التجربة الدانمركية" لم يكن ببال اي من هؤلاء بالطبع أن يتجاوز رد فعل ما اقدم عليه حدود التأثير التليفزيوني المؤقت إلى الشارع وفي دولة ظلت لسنوات طويلة بحكم أنها الأكبر عربيا والأغزر فنيا هي المصدر لكل أنواع المؤثرات الفنية إلى كل الدول العربية الأخرى .. لكن هذا ما حدث، فقد تحولت النكهة اللبنانية في كل شيء إلى موضة أو صرعة جديدة تجد كل يوم سوقا رائجة ومتسعة لها في الشارع المصري حتى المناطق الشعبية التي بقيت لزمن طويل عرينا للسلوكيات المصرية الأصيلة وعنوانا للسمات المصرية.
والآن من السهل على أي زائر لمصر ملاحظة الروح اللبنانية تمرح في الشارع سواء في المطاعم التي تتنافس حاليا على أي منها يقدم الطعام اللبناني الأصلي في أطباقه أو في المخابز ومحال السوبر ماركت التي تتفاخر بتقديم الخبز اللبناني الأصلي (رغم أن هذا النوع من الخبز عرفته مصر منذ سنوات طويلة جدا وكان يطلق عليه الخبز الشامي قبل أن يحصل على التخصيص في عصر الفضائيات) وحتى صالونات تصفيف الشعر إذ ستجد العديد منها يعلن على فاترينته توافر خبيرات تجميل لبنانيات وهي ميزة كفيلة بحسم المنافسة مع الصالونات الأخرى لصالحه.
"اللبننة" إذن نجحت في إيجاد موطئ قدم بارز لها داخل الشارع المصري لكن هل السبب فقط انتشار الأطباق اللاقطة فوق أسطح منازل المصريين وذلك السحر الذي أحدثه برنامجا المحطتين اللبنانيتين؟! سؤال ظل يشغلني لأيام قبل أن اطرحه خلال نقاش عابرمع أحد الأصدقاء من الصحافيين المصريين الذي رأى أن الظاهرة ليست وليدة السوبر ستار أو ستار أكاديمي وإنما كان البرنامجان وقبلهما بالطبع برنامج يا ليل يا عين بمقدمته الصاروخية ماريان خلاط القشة التي أقنعت العديد من المصريين بان المهرب الوحيد من مشاكلهم وأزماتهم الاجتماعية هي في التغيير وتوازى هذا مع استغلال البعض لحالة الانبهار السائدة في مصر باللبنانيين واللبنانيات في تحقيق مكاسب تجارية فسارعوا بإنشاء مطاعم تقدم الأكل اللبناني ( الراقية منها تقدم التبولة والفتوش والعرايس وغيرها أما المتوسطة فتقدم المناقيش والطريف أن عددا من المخابز كانت تقدم بالفعل فطائر شبيهة من قبل لكنها أعادت تسميتها ضمن الهوجة إلى مناقيش والغريب أنها اكتسبت زبائن جددا لمجرد تغيير الاسم ) ومخابز تبيع الخبز اللبناني وصالونات تجميل تحول البوصة إلى عروسة بفضل اللمسة اللبنانية وروجوا بين الناس خصوصاً البسطاء منهم أن في إقبالهم على هذه الصرعة الجديدة الخلاص من مشاكلهم .. فالسيدة التي وصلت حياتها الزوجية إلى مرحلة الملل تستطيع استعادة الأيام الدافئة بزيارة هذه الصالونات.. والمرأة التي فشلت في التخلص من بدانتها يمكنها الاعتماد على سلاح الطعام اللبناني الصحي للعودة إلى وزنها المثالي ، وخلال الترويج لذلك كانت صورة المذيعات اللبنانيات " اللواتي ينرن في الظلام" حاضرة دائما .. فالموظفة المصرية "المطحونة" بين عملها وبيتها مرورا بوسائل المواصلات العامة وعذابها رأت فيهن نموذجا يجب أن يحتذى أملا في الخلاص من روتين الحياة، والرجل شعر انه يمكن أن يلتقي بواحدة منهن إذا استمر في زيارة المطاعم اللبنانية بانتظام فضلا بالطبع عن انجذاب المصريين "مثل باقي شعوب العالم الثالث" للصرعة، كل هذا توازى مع قناعة بدأت تترسخ يوما بعد يوم عند الكثيرين سواء من خلال الكتابات المباشرة أو عن طريق حكايات عالمية وهي أن المصري يجب أن يتغير إذ لم يعد الزمن وتقاليده يحتاجان الشخصية المصرية الأصيلة وسماتها المميزة مثل الشهامة والجدعنة والعمل بجدية وقت اللزوم وإنما بات الزمن الحالي يحتاج إلى "نيو لوك" في كل شيء من ملامح الوجه حتى السياسة والعلاقات الدولية وغيرها حتى يستعيد قدرته على المنافسة في عالم أصبحت الصورة فيه هي العنصر الحاسم والعامل المرجح.