نصر المجالي من لندن: كثفت الصحافة البريطانية ومعها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية اليوم تقاريرها الإخبارية مع تحليلات سياسية عن الانتخابات البلدية التي بدأت مرحلتها الأولى اليوم في العاصمة السعودية الرياض ومنطقتها، وأجمع كثير من هذه التقارير على وصف الانتخابات بأنها "خطوة تاريخية على طريق طويل نحو تحقيق الديمقراطية في هذا البلد العربي المسلم الغني". لكنها أجمعت من جانب آخر على طرح السؤال الذي أيضا طرحه الكتاب والمفكرون السعوديون وهو دور المرأة في هذه الانتخابات، وتوقعت التقارير أن المرأة السعودية قد تستطيع المشاركة ناخبة أو مرشحة مع حلول العام 2009 ، حسب ما تردد في هذا الشأن. وقالت صحيفة "التايمز" إن الحكومة السعودية بقرارها إجراء الانتخابات البلدية تهدف إلى تحقيق أولى عناصر الديمقراطية في المملكة، حيث القيادة دأبت التأكيد على عزمها المضي في الإصلاحات حسب مصالح الشعب السعودي وخصوصياته. وأفردت الصحيفة تقريرا واسعا للانتخابات وأعداد المشاركين فيها من المرشحين الذين لهم حق التصويت في مختلف مناطق المملكة. وذات الأرقام والمراحل أبرزتها الصحف البريطانية الأخرى مثل "ديلي تلغراف" ، و"إنديبندانت"، و"الغارديان"، و"فايننشال تايمز" وكذلك هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي وهي جميعا أوفدت مراسلين من لندن إلى الرياض للمشاركة مع زملاء لهم هناك لتغطية الحدث.
وأعادت بي بي سي من جانبها إلى الأذهان أنه ليست هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات من هذا النوع في المملكة، بل أن انتخابات بلدية محدودة كانت تجري حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي.

ومن جهتها، قالت صحيفة "التايمز" إن "المملكة حين اتخذت قرار إجراء الانتخابات في وقت سابق من العام الماضي إنما كانت تساير المطالب سواء من الداخل أو الخارج الداعية إلى ضرورة الشروع في إصلاحات ليس في المملكة ذاتها ولكن في منطقة الشرق الأوسط بكاملها"، وأضافت الصحيفة "إن القيادة السعودية ترى في الانتخابات التي ستأتي بنصف أعضاء المجالس البلدية، مقدمة أولى لديمقراطية واسعة في المستقبل نحو تحقيق مبدأ المشاركة الشعبية التي أصبحت مطلبا ملحا".

وقالت "التايمز" "ومهما يكن من أمر، فإن انتخابات اليوم تحقق ديمقراطية على الطريقة السعودية"، وهي أشارت في هذا الاتجاه إلى كثافة الحملة الانتخابية، معتبرة ذلك "أمرا حيويا للقيادة السعودية وللمواطنين السعوديين سواء بسواء"، ولكن الصحيفة كغيرها من وسائل الإعلام البريطانية "لاحظت غياب العنصر النسوي".

ونبهت الصحيفة البريطانية المعتدلة في توجهاتها السياسية إلى أن المملكة العربية السعودية ظلت للسنوات الأربع الأخيرة تواجه ضغوطا من جانب حلفائها الغربيين للبدء بخطوات ليبرالية، وذلك غداة تفجيرات 11 سبتمبر العام 2001 في نيويورك حيث بعض الانتحاريين من التابعية السعودية، كما أن المملكة هي الأخرى عانت ولا تزال من هجمات إرهابية ينفذها متشددون.

وأشارت "التايمز" من جانب آخر، إلى خطوات في مجال الانفتاح السعودي حين قرر "الملك فهد بن عبد العزيز اختيار مجلس للشورى يضم خبراء وتكنوقراط ومن النخبة في المجتمع السعودي لمساعدة الحكومة في إبداء الرأي والمشورة حول كثير من القضايا المحلية التي تهم المواطنين بالدرجة الأولى".

ونقلت الصحيفة عن الأكاديمي عبد الرحمن الحبيب وهو من دعاة الإصلاح قوله "هذه الانتخابات تؤكد العزم على تغيير حقيقي وتاريخي، حيث هي لا تعني فقط منح المجالس البلدية قوة جديدة، أو الإشراف على جمع القمامة وتنظيف الشوارع وإصلاح الطرق"،

على هذا الصعيد، أجمعت التقارير الصحافية في حديثها على الدور الكبير الذي قام به ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز في اتخاذ قرار إجراء الانتخابات، وكذلك على دور الجيل الجديد من أمراء البيت السعودي الحاكم في هذا الأمر.

ومن جهتها، قالت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية اليمينية التوجهات في تقرير لها إن الانتخابات البلدية "تعتبر خطوة متقدمة لكنها خجولة في ذات الوقت". وتوسعت الصحيفة في وصف الحملة الانتخابية والدعاية الإعلانية المرافقة وما حملته الملصقات واللافتات التي رفعت في شوارع العاصمة الرياض، حيث رفع أحد المرشحين شعارا يعد فيه الناخبين بتحويل "برك المياه الآسنة في بعض شوارع العاصمة إلى أماكن للتزلج"، بينما وعد آخر "بحاويات قمامة خالية من الروائح الكريهة".

وقدمت "ديلي تلغراف" وصفا حيا للحملات الانتخابية، حيث تحدثت عن بيوت الشعر والخيام والدواوين التي نصبت في الميادين العامة من جانب المرشحين، حتى أن بعضها كانت مساحته بحجم مساحة ملعب التنس الأرضي، وقالت إن كثيرا من الشعارات الانتخابية ركزت على قضايا اجتماعية تخص الطفل والمرأة والحفاظ على الطبيعة وقضايا الأرض وكذلك الثروة الحيوانية، مشيرة إلى أن نوافذ السيارات وأعمدة الإنارة حملت آلاف الملصقات والدعايات، مصحوبة بأضواء كهربي مختلفة، هذا إضافة إلى نحر الإبل وذبح الأغنام أمام دواوين المرشحين.

وفي تقريرها، اعتبرت صحيفة (إنديندانت) البريطانية أن الانتخابات التي ستأتي بنصف أعضاء المجالس البلدية "خطوة مهمة واعدة على طريق الديموقراطية في المملكة الحليفة للولايات المتحدة، رغم أن بعض دعاة الإصلاح غير مبتهجين كثيرا".

وتطرقت الصحيفة، من ناحيتها إلى عدم مشاركة المرأة في الانتخابات، ونشرت فقرات من مقال للكاتبة السعودية بدرية البشير انتقدت فيه حرمان المرأة من هذا الحق، وفي المقال قارنت الكاتبة بين منع المرأة من قيادة السيارات ومنعها من المشاركة في الانتخابات "وهكذا فإن الرجال ياخذون المقاعد الأمامية ثانية، ونظل نحن في المقاعد الخلفية". كما نقلت الصحيفة بعض فقرات من الانتقادات التي وجهتها الأكاديمية السعودية مي أحمد زكي يماني الباحثة في معهد تشاتهام هاوس البريطاني للانتخابات التي تستثني المرأة .

وأشارت "إنديبندانت" في تقريرها إلى أنه "في غياب الأحزاب السياسية في المملكة، فإن رجال الأعمال تصدروا قوائم المرشحين، وركزوا في دعاياتهم الانتخابية على منجزاتهم الشخصية بدل مواقفهم السياسية".

وفي الأخير، نقلت التقارير الصحافية البريطانية كلاما لوزير العمل السعودي الدكتور غازي القصيبي أكد فيه أن "هذه الانتخابات خطوة مهمة ولو أنها تبدو محدودة، إلا أن نجاحها سيدفع باتجاه خطوات متقدمة أكبر وأهم".