أحمد نجيم من الدار البيضاء: دعا السيد نيكولا ساركوزي رئيس حزب "اتحاد لأجل حركة شعبية" الفرنسي اليوم الاثنين بالعاصمة الرباط إلى إقامة شراكة متميزة بين الاتحاد الأوروبي وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط،
وخلال كلمته القوية والمقتضبة، أبدى ساركوزي إعجابه ب"مبادرتين ملكيتين" : قانون الأسرة و"هيئة الحقيقة والإنصاف" وقال : لقد "خلفا إعجابا فرنسيا كبيرا وأكدتا على انخراط المغرب في الحداثة".
وفي سياق نصائحه لهذه الدول المتوسطية العشر التي تحظى ب"شراكة تفضيلية" من قبل الاتحاد الأوربي، قال ساركوزي، في محاضرة بمناسبة الدرس الافتتاحي بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، بأن هذا الاتحاد بني على "الفحم والصلب"، في إشارة إلى نواته الأولى عام 1957، وتساءل سؤالا استنكاريا "ألا يمكن للماء أن يوحد البلدان المتوسطية" ثم أضاف "هل يمكن أن تبنوا مستقبلكم على الماء كما فعلنا نحن مع الصلب والفحم".
تحدث رئيس الحزب اليميني الاتحاد من أجل حركة شعبية بفرنسا بعد كلمة ترحيبية مقتضبة لرئيس جامعة محمد الخامس، قدم صورة شاملة عن انخراط المغرب في بناء جامعة حديثة، وذكر بميثاق التربية والتعليم و250 اتفاقية للجامعة مع جامعات ومؤسسات في القارات الخمس.
وفي موضوع العلاقة المغربية الأوربية ذكر الوزير الفرنسي السابق للداخلية أن على المغرب أن "يبحث عن علاقات جيدة مع أوربا"، وقال "كنتم أول من طلب في العام 1995 بفضاء أورو متوسطي من خلال معاهدة برشلونة". واعترف أن تلك المعاهدة لم تكن في مستوى تطلعات "ما عبر عنه قبل 10سنوات" رغم أن المغرب وظف "طاقات كبيرة لإنجاح برشلونة". وقدم نماذج من التعاون الثقافي والاقتصادي غير المثمر بعد تلك المعاهدة. وقال "إننا أصدقاء يجب أن نذهب أبعد وأن تكون لنا قدرة تخييلية لتصور فضاء متوسطي".
وفي علاقة بهذه الشراكة أوضح أنه رفقة صديقه في الحزب جون كلود كودار، يحاول إقناع الفرنسيين بالتصويت بنعم للدستور الفرنسي". دستور يدافع عن الشركاء المفضلين، خاصة في الحوض المتوسطي.
كان بليغا في حديثه مشددا أكثر من مرة أنه "لا يتكلم لغة الخشب"، كما أضاف "لا تعتقدوا أن انتقالي من الضفة الشمالية للمتوسط سيغير شيئا".
في حديثه عن الشراكة الأورو متوسطية، كان ساركوزي دقيقا، إذ شدد على دور الحفاظ على الثقافة "الشراكة تقبل الاختلاف"، وأضاف أن المغرب لن يربح شيئا إذا تخلى عن قيمه. وذكر بالبند 57 من الدستور الأوربي الذي ينص حرفيا على "الشريك التفضيلي" وعلى ضرورة الحفاظ على الاختلاف.
مضمون هذه الشراكة "التفضيلية"، بحسب ساركوزي، خلق "فضاء مزدهر وآمن". بخصوص "الازدهار والرخاء" أوضح رئيس الاتحاد من أجل حركة شعبية أن "الهدف الأول لهذه الشراكة التفضيلية" هو التنمية الاقتصادية "المبنية على حرية التبادل"، وفي هذا السياق، دعا المغرب إلى تنمية التبادل مع الجارة الجزائر.
أما بخصوص الجانب الأمني، فذكر ساركو، كما يحلو للفرنسيين أن ينادوه، بتهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة الدولية لأمن الدول المتوسطية، وشدد على ضرورة "التعاون وتبادل المعلومات"، وأضاف "على كل شريك أن يتحمل مسؤوليته". واعترف بما يقوم به المغرب لمكافحة الإرهاب "المغرب كان مثالا في محاربة الإرهاب".
لم يكن هم وزير الداخلية الأسبق الجانب الأمني، بل دعا إلى البحث عن التعاون الثقافي والتركيز على التعليم. هذا الأمن تهدده، حسب الوزير الفرنسي السابق، الهجرة التي كان المغرب مصدرا لها فأصبح يعاني منها من خلال وفود مهاجرين راغبين أفارقة في بلوغ أوربا.
طموح ساركوزي لم يكن فضاء أورو متوسطي بل إنشاء قوة تفاوضية تواجه أميركا وكندا والمكسيك: "بلدان الاتحاد الأوربي والدول المتوسطية التي تحظى بشراكة مميزة وتفضيلية يكونون 750 مليون نسمة، في حين أن تجمع أميركا الشمالية لا يتجاوز ضعف هذا العدد، لذا يجب أن نشكل قوة تفاوضية".
وأعاد خلال أقل من ساعة قضاها في المدرسة المحمدية للمهندسين التأكيد على أن نجاح المغرب يسهل بناء شراكة قوية مع أوربا.
تفادى ساركو إثارة الحديث عن الوضع الداخلي للمغرب في سؤال لإحدى الطالبات "هذا سؤال مغربي، ولا أحد يفكر فيه غيركم" وأكتفى بالقول: "لا ديموقراطية بدون مؤسسات سياسية".
كان حاسما في موضوع ولوج تركيا إلى الاتحاد الأوربي "تقع أنقرة حسب ما تعلمته في المدرسة في آسيا". وأضاف "إذا أضحت تركيا عضوا في الاتحاد الأوربي، فلماذا لا يصبح المغرب كذلك".
قدم ساركوزي إلى المغرب بمبادرة من مهدي قطبي، رئيس جمعية الصداقة المغربية الفرنسية وسفير فرنسا في المغرب. كان رفقة مجموعة من أعضاء الحزب. طريقته في إلقاء الكلمة وتوظيفه ليديه وعينيه وفصاحته شدت الطلبة والأساتذة والمسؤولين على السواء، فنال تصفيقات حارة وكلمات إطراء بعد وقبل الدرس، طار إلى فاس ومجموعة من الضباط لم يتمكنوا من إثارة مواضيع معه، لأن المشرفين على الدرس همشوهم. ربما جرأة شاب منهم وهو يقتحم دائرة ساركوزي ويوجه له أسئلة أثناء المغادرة أشفت غليل الكثير من الطلبة الضباط.
وبعد انتهاء الدرس الافتتاحي انتقل وزير المالية والداخلية الفرنسي السابق إلى فاس والتقى العاهل المغربي محمد السادس.
ورافقه في رحلته إلى المغرب جان كلود غودان نائب رئيس "الاتحاد ن أجل حركة شعبية" عضو مجلس الشيوخ الفرنسي وعمدة مارسيليا والسيد فليب فور سفير فرنسا بالرباط.