"قلورينتينو بيريس" رجل بسيط في عاداته. يرتدي بذلات بألوان غامقة وابتسامته بسيطة يعلوها بعض الغموض، وحين يكون على مائدة الأكل في مطعمه المفضل القريب من ملعب "سانتياغو بيرنابيو" فإنه لا يفضل شيئا على صحن البيض الطري المخلوط بالبطاطس. أكلة جديرة بموظفين صغار يأكلونها خفية في آخر الشهر مباشرة من مكاتبهم. لكن "فلورينتينو" المليونير رجل غريب فعلا، والأكثر من هذا أنه رجل واضح.. واضح جدا. فعندما يفضل البيض الطري المخلوط بالبطاطس على مائدته فإنه يعرف جيدا ماذا تريد معدته وأي الأكلات تتناسق مع لسانه. وعندما يختار جلب أغلى النجوم في العالم إلى فريق ريال مدريد فإنه يعرف جيدا لماذا يأتي بهم. إنه يحب البيض الطري المخلوط بالبطاطس ونجوم كرة القدم على قدم المساواة, لا فرق سوى في الثمن.


بالنسبة لرئيس ريال مدريد فإن النجم الحقيقي لكرة القدم هو الذي يستطيع ان يأسر المتفرجين حين يكون داخل الملعب وخارجه أي أنه النجم الذي يبيع افضل وبعبارة أوضح, فإن السنيور "فلورينتينو" يفضل النجوم الذين يلعبون في الهجوم على غيرهم من اللاعبين والسبب بالنسبة إليه واضح تماما وضوح بيض طري على حبات بطاطس. فالمهاجمون هم الذين يأسرون مخيلة المشاهين ويتحولون إلى "سوبير ستار" أما المدافعون فلم يكونوا في يوم ما بالنسبة لهذا الرجل الغريب سوى ديكور إضافي لأحد عشر لاعبا في ملعب.


لهذه الأسباب فإن "السيد الرئيس"لا يتحدث أبدا عن المدافعين على الرغم من أن فريقه يعاني عجزا خطيرا في دفاعه, وتكرس هذا العجز أكثر بعد رحيل "فيرناندو هييرو" إلى "الريان" القطري" وتبعه قبل أيام الفرنسي "ماكيليلي" إلى "تشيلسي" الإنجليزي وصار الفريق يعاني الأمرين في دفاعه المتأخر. إنه يعتقد أن اللاعب يصبح مدافعا لأنه لم يستطع أن يكون مهاجما تماما مثل تلك الحكاية التي تقول إن أفضل حراس المرمى في العالم هم الذين كانوا مهمشين في طفولتهم ولا يشركهم زملاءهم في المباراة إلا من أجل الوقوف أمام المرمى كأنهم دمى محنطة.


"فلورينتينو" يعتقد ايضا أن المدافعين لا يبيعون شيئا في الوقت الذي يتهافت الناس على قمصان المهاجمين وصورهم.


"فلورينتينو بيريث" عاشق قديم لكرة القدم ولريال مدريد لكنه أيضا مقاول كبير له عقل مهندس يعمل كحاسوب. المهم هو بيع صورة فريق "ريال مدريد". ربما تغيب الألقاب أحيانا, لكن الصورة اللمّاعة للفريق يجب أن تبقى حاضرة دائما في أذهان الجميع. إنه يبيع "ريال مدريد" كأفضل فريق في العالم فريق الأحلام الذي يتعلق به مئات الملايين من المحبين والمعجبين. من اليابان إلى الشيلي, ومن جنوب إفريقيا حتى حدود القطب الشمالي. هذا ما يهم أكثر "فلورينتينو" لذلك فإنه استقدم إلى فريقه أفضل النجوم على ظهر الكرة الأرضية, فيغو, زيدان, رونالدو, بيكهام...


الرئيس... والنادلة الرومانية


قبل أن يتعاقد فريق ريال مدريد مع اللاعب "بيكهام" السنة الماضية أوردت صحيفة "البايس" الإسبانية حكاية محادثة طريفة جرت بين الرئيس والمدير العام للفريق "خورخي بالدانو" ونادلة رومانية في المطعم الذي تعود على ارتياده أياما قبل تفجيره "قنبلة" بيكهام.


كان النقاش يدور بين الرئيس و"بالدانو" حول ضرورة استقدام مدافع قوي إلى صفوف ريال مدريد لأن المدير العام يعتقد أنه الأهم لذلك كان يقترح اسم المدافع الروماني "تشيبو" الذي يلعب في صفوف فريق "أجاكس" الهولندي". الرئيس له رأي مختلف. إنه لا يرى ضرورة لذلك. تطور النقاش فاستنجد الإثنان بالنادلة الرومانية. سألها الرئيس: ما رأيك في "تشيبو"؟ اهتزت النادلة الرومانية طربا وأخرجت كل ما في جعبتها من مديح لفائدة مواطنها... لعل وعسى وقالت له إن الرومانيين يعتبرونه بطلا قوميا. استمع إليها "فلورينتينو" بانتباه ثم قال لبالدانو إنه غير مهتم بمدافع روماني, بل بمهاجم إنجليزي اسمه "بيكهام".


يؤمن "فلورينتينو بيريث" أن من واجبه أن "يفجر قنبلة" كل عام و"بيكهام" كان واحدا من قنابله وليس آخرها. لا يهمه أين يلعب "بيكهام" بشكل أفضل ومدى تنافسه حول مركز "فيغو" في الجهة اليمنى من الملعب كما لا يهمه إن كان "بيكهام" لا يقوم بدور دفاعي ولا يحاول استرجاع كراته الضائعة ولا غير ذلك المهم أن وجه "بيكهام" يبيع أفضل.


ليس وحده "بيكهام" من يبيع أفضل. رونالدو يوفر للفريق عشرة ملايين دولار كل عام تدخل صندوق الفريق كأرباح صافية. نفس الشيء, وإن بدرجات متفاوتة مع نجوم ريال مدريد الآخرين. وكلما صار الفريق أكثر امتلاء بالنجوم كلما صارت عائداته أكبر وصار على المقاولات أن تؤدي له المزيد من المال.


يقول "فلورينتينو" إن "بيكهام" لاعب كبير رغم ان الكثيرين يخالفونه الرأي, ولكن الأهم هو أن "بيكهام" ماركة تجارية أكبر. إنه يحرك الأسواق في كل قارة آسيا ويطوف بالفيتنام الشيوعية كما لو كان يطوف في نيويورك. وهذا ما تأكد خلال جولة ريال مدريد الآسيوية هذا الصيف الماضي. ماذا يمكن أن يفعل مدافعا رومانيا بئيسا اسمه "تشيبو"؟. لا شيء سوى الدفاع كلاعب حقيقي, لكنه لن يجلب للفريق فلسا إضافيا واحدا.


ريال مدريد فريق يمتلك اليوم كل أسس القوة في عالم كرة القدم. اللعب السلطة التجارية والحضور كأول فريق في العالم. هذا ما يسميه "فلورينتينو بيريث" تفجير قنبلة كل عام.