زكي شهاب من لندن: جراء تصاعد الضغوط، وجد رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون نفسه مرغماً على الاستغناء عن دعوته إلى إجراء انتخابات عامّة مبكرة في بريطانيا، بالرغم من مطالبة أركان حزبه ومعارضيه وفي مقدمتهم زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون إجراء الانتخابات. وبعد استعراض الخيارات المتاحة أمامه وفرص نجاحه في أول انتخابات ينوي خوضها، قرّر براون الذي خلف بلير في زعامة حزب العمّال ورئاسة الحكومة البريطانيّة استبعاد إجراء هذه الانتخابات، وذلك بعد بالرغم من توقعات استطلاعات الرأي بتحقيق حزب العمال فوزا ساحقاً على منافسه حزب المحافظين.

و أمضى براون الساعات الأربع والعشرين الماضيه في التشاور مع أبرز وزرائه ومستشاريه وقادة حزبه الذين فاجأهم استطلاع للرأي صدرت نتائجه يوم الجمعة الماضي، وتحدث عن توازن في شعبية كل من العمال والمحافظين أي بواقع 38 في المئة لكل منهما.

ولم يخف أركان حزب العمال انزعاجهم من التحول المفاجئ في أوساط الرأي العام البريطاني تجاه غوردون براون، لكنهم عزوا ذلك إلى قوة الخطاب الذي ألقاه زعيم حزب المحافظين ديفيد كاميرون خلال المؤتمر السنوي للحزب والذي انعقد على مدى أسبوع في مدينة بلاكبول الساحلية.

وفي الخطاب، فاجأ كاميرون خصومه العمّاليين عندما تحداهم بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، وقال إن حزبه مستعد لخوضها وان كل مستلزماتها بما فيها تكلفتها الماديّة باتت جاهزة.

وحسب قول أوساط مقربة من رئيس الوزراء لـquot;ايلافquot;، اتّخذ براون قراره النهائي بعدم إجراء انتخابات مبكرة ليتسنّى له الوقت للتركيز على تنفيذ الوعود التي قطعها على نفسه، وأقروا بأن اتخاذ هكذا قرار صعب ما كان ليتم قبل أسبوع حين كانت استطلاعات الرأي تعطي العمال نسبة من 6 إلى 11 في المئة زيادة عن النسبة التي يحصل عليها حزب المحافظين المنافس.

وبالرغم من وصف وزير بارز في حكومة بروان لمؤتمر حزب العمال السنوي في مدينة بورنموث البريطانية قبل أسبوعين بأنه كان أبرز المؤتمرات التي يظهر فيها الحزب موحداً، إلا أن البعض رأى فيه quot;قلّة وفاءquot; لأحد أبرز قادته في وذلك إشارة إلى توني بلير الذي غاب ذكره عن المؤتمر وعن كلمات المتحدثين باستثناء إشارة واحدة يتيمة من غوردون براون في خطابه الى بلير عندما نوه بالدور الذي يقوم به في الشرق الأوسط.

ولدى جوجلة أحداث الأسبوع الماضي والتي أظهرت تراجعاً في شعبيّة براون، يلاحظ انه في حين تردّد الحديث عن انتخابات مبكرة كان يأمل منها زيادة الضغط على حزب المحافظين وتوسيع الخلافات في صفوف قادته وكذلك تسليط الضوء على شخصيّة غوردون براون، إلا أن هذه الاحداث أرغمة من جهة أخرى المعارضة على توحيد صفوفها بالرغم من الارتباك الذي تعرّضت له.

بالإضافة إلى ذلك، تبدّد رهان العمال على خشية المواطن البريطاني من السياسة الضريبية للمحافظين مع إعلان جورج أوبزورن وزير خزانة الظل في حزب المحافظين عن سياسته لخفض الضريبة عن الأرث وتعويض ذلك بزيادة الضرائب على ذوي الدخل المرتفع والأجانب. ومما زاد الطين بلّة اقتناع نسبة كبيرة من المواطنين بأن الزيارة المفاجئة لغوردون براون الى العراق وتحديداً بغداد والبصرة أتت برد فعل عكسي، بعد أن اتهم حزب المحافظين رئيس الحكومة بأنه ذهب ليستغل صورته الى جانب افراد القوات البريطانية في العراق والإعلان عن خفض لعدد القوات هناك كان يهدف الى كسب ود الناخب البريطاني في أي حملة انتخابية.

قيام غوردون براون بوضع حد للتكهنات باجراء انتخابات مبكرة في بريطانيا لم يمنع 48 في المئة من البريطانيين من الترحيب باجراءها، إضافة إلى أن رئيس الوزراء ربما يتعرض لانتقادات من بعض نوابه ووزرائه الذين يرون في تردده في المرحلة الحاضرة، ما قد ينعكس سلباً على فرصهم في الفوز في انتخابات تعقد بعد أيار (مايو) من العام المقبل.

وما يبدو واضحاً أن انتهاء موسم المؤتمرات للأحزاب الرئيسية في بريطانيا أعطى الناخب البريطاني الفرصة لتحديد خياراته وعكس اهتماماَ واضحاً بأن التوجهات على الصعيد الداخلي سواء في ما يتعلق بالصحة أو التعليم أو الضريبة لا تزال تتقدم على ما عداها بدليل أن الموقف من العراق، وإن كان سبباً في النزاعات التي دبت في صفوف حزب العمال الحاكم في السابق وانقساماته، إلا أنها لم تحظ بالحد الأدنى من الجدل منذ تسلم براون زمام القيادة للحزب الحاكم.