أسرار تنحي رئيس الوزراء العراقي السابق (4/5)
المالكي لم يصوت للجعفري والائتلاف جسم منخور
الجعفري أراد عربيا سنيا لرئاسة العراق(2/5) الخصوم أرغموا الجعفري على التنحية ليتبرأوا من الديمقراطية (1/5)
أسامة مهدي من لندن: في الجزء الرابع من مذكراته بحلقاتها الخمس يروي الدكتور سليم الحسني مستشار رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري أسرارًا جديدة عن أسباب تنحي هذا الاخير عن ترشحه للمنصب بعد فوزه بانتخابات داخل الائتلاف العراقي الشيعي الموحد لاختيار مرشحه للمنصب بعد فوزه في الانتخابات العامة التي جرت اواخر عام 2005 وهو التنحي الذي جاء نتيجة ضغوط داخلية وخارجية، تجنبا لاقتتال شيعي شيعي مؤكدا ان رئيس الوزراء الحالي لم يصوت لاختيار الجعفري على الرغم من انهما قياديان في الحزب نفسه quot;الدعوة الاسلاميةquot; مؤكدا ان ملابسات الترشيح كشفت عن التقاطع الهائل داخل مكونات الإئتلاف الشيعي الذي عرف الاخرون أنه جسم كبير منخور من الداخل.
وفي هذه الحلقة الرابعة التي تنشرها quot;إيلافquot; اليوم بالتزامن مع موقع (الملف www.almelaf.com) على الانترنت الذي يتولى الحسني رئاسة تحريره حاليا يشير مستشار الجعفري الذي عايش تفاصيل ملابسات الترشيح خلال الايام التي امتدت من شهر كانون الثاني (يناير) عام 2006 حين فاز الجعفري بالترشح لتشكيل الحكومة الجديدة في مواجهة منافسه عضو قيادة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية عادل عبد المهدي .. وحتى نيسان (ابريل) من العام نفسه حين اتخذ قراره بالتنحي مرغما .. يشير الى ان رئيس الوزراء السابق فرض قيوده على مستشاريه ومنح صلاحيات التفاوض للسيد فالح الفياض محملا بصلاحيات مقيدة، فلا صفقات سرية، ولا وعود مستقبلية، ولا حقائب وزارية وهذا ما جعل مهمة الفياض تسير في طريق وعرة، حيث الجو السائد في الإئتلاف هو التفاوض على صفقات وحسابات وموازنات.
ومقابل ذلك ، كما يقول الحسني ، كان السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاسلامي الأعلى قد دخل المنافسة بقوة وتمكن أن يقوم بحركة نشطة داخل الإئتلاف عبر مفاوضات مستمرة مع مكوناته ساعيا لان يحصل مرشحه على أكبر قدر ممكن من الأصوات بحيث يصبح عبد المهدي مرشح الإئتلاف دون الحاجة إلى إجراء إنتخابات داخلية. ويشير الى انه في يوم التصويت جلس الجعفري يقرأ ملفات رسمية فيما كان أعضاء الائتلاف يدلون بأصواتهم وعندما أعلنت النتيجة بحصول الجعفري على 64 صوتا مقابل 63 لعبد المهدي لم يظهر عليه أي ردة فعل بل ثمة مسحة من حزن وهموم غطت ملامحه .. وهنا إنتهت الجولة الأسهل في ترشيح الإئتلاف للجعفري لتبدأ المرحلة الأصعب والتي كشفت عن التقاطع الهائل داخل مكونات الإئتلاف الذي عرف الاخرون أنه جسم كبير منخور من الداخل.. وهنا نص الحلقة الرابعة كما كتبها سليم الحسني:
الحلقة الرابعة من أسرار تنحي الجعفري :
كانت الخطوة الأولى لترشيح الجعفري داخل كتلة الإئتلاف، أن يتم ترشيحه عن طريق حزب الدعوة، لكن هذه الخطوة شابها بعض التلكؤ، فكتلة من الجليد كانت تغطي جزءًا من المسافة بين الدكتور الجعفري وبعض قيادة حزب الدعوة، منذ فترة تولي الجعفري رئاسة مجلس الحكم، لأسباب لها حديث غير هذا.
وكانت من مظاهر ذاك البرود، أن السيد نوري المالكي رئيس الوزراء الحالي، إمتنع عن إعطاء صوته لصالح الجعفري في البرلمان العراقي، خلال التصويت على ولايته الأولى مطلع عام 2005. كان ذلك يعني أن المالكي لن يكون متحمساً، بل سيكون معارضاً لترشيح الجعفري عن حزب الدعوة هذه المرة، وأن هناك أيضاً في قيادة الحزب من يتفق مع المالكي.
عقدت قيادة حزب الدعوة عدة إجتماعات لتداول هذه المسألة المصيرية، لكنها لم تتفق على قرار بشأن ترشيح الجعفري. وكان بعض مستشاري الجعفري يرون أن المالكي هو الأشد معارضة لترشيحه. وجه الرئيس العراقي جلال الطالباني منتصف كانون الثاني 2006 دعوة الى قادة الكتل السياسية لحضور وليمة غداء في منزله. على مائدة الطعام، جلست بجوار السيد نوري المالكي، وبدأت الحديث معه عن موقفه المتشدد من الجعفري، وقد استغربت كثيراً عندما وجدت أن المالكي لم تكن عنده تحفظات حقيقية، كانت ملاحظات بسيطة، زالت في تلك الدقائق السريعة، في حينها برق وميض في داخلي بأن هناك بعض الأشخاص، بدل أن يذيبوا الجليد، فإنهم كانوا يضعون أكوامه بين الطرفين.
في طريق العودة، همست بأذن الدكتور الجعفري ما دار بيني وبين المالكي، فبرقت في عينيه نظرة إستغراب، وأدركت ان الجعفري قد وضع في صورة نسجتها أمزجة خاصة، وطلب مني أن أخبر السيد فالح الفياض بما جرى، وبالفعل تحدثت مع الفياض الذي أبدى ارتياحه لهذه النتيجة. بادر المالكي الى زيارة الجعفري بعد ذلك، وكانت زياراته تتكرر مع اعضاء قيادة حزب الدعوة، وتم إتفاق القيادة على إعلان موقفها على أن الجعفري مرشح الحزب لرئاسة الوزراء.
إنتهت الخطوة الأولى، وبدأت الخطوة الأطول وهي الترشح عن قائمة الإئتلاف العراقي الموحد. كان وصول الجعفري الى الرئاسة مرة ثانية يحتاج الى فريق يعرف كيف يخوض الحوار داخل الإئتلاف.. يعرف كيف يفكر كل طرف، وكيف يخطط، ويعرف أن ما يقال ليس بالضرورة يجب تصديقه، وأن ما يعلن لا يعني أنه سيتحول الى قانون غير قابل للنقض والإبرام.. إنها سياسة.
كان على المفاوض أن يكون صاحب مبادرة لا أن يتحرك بردة فعل، فما قيمة ردة فعل في وقت يمر خاطفاً، مما يجعل الإستجابة كالركض وراء غيمة أمطرت. كان على المفاوض أن يكون سماعاً للهمسة، يرصد الإيماءة، ويحلل الحرف، ويقرأ النظرة، ويلج في عقل المقابل ليستكشف في عتمته المحاولات والبدائل وهي في طور الولادة.
في هذا الظرف الحساس فرض الجعفري قيوده على مستشاريه، كرر خطوطه الحمر عليهم، ومنح صلاحيات التفاوض للسيد فالح الفياض، كما أشرت في حلقة أمس. بل إن الفياض نفسه قد حمل صلاحيات مقيدة، فلا صفقات سرية، ولا وعود مستقبلية، ولا حقائب وزارية. وهذا ما جعل مهمة الفياض تسير في طريق وعرة، حيث الجو السائد في الإئتلاف هو التفاوض على صفقات وحسابات وموازنات، ولكل طرف الحق في ذلك.
كان أقوى منافس للجعفري هو مرشح المجلس الأعلى الدكتور عادل عبد المهدي، وكان لا بد من الدخول في مفاوضات مع المجلس ومع كتل الائتلاف الأخرى لحسم الترشيح لصالح أحدهما. حسب المعلومات التي كانت تتسرب عن نشاطات المجلس الأعلى كان السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى، قد دخل المنافسة بقوة، وتمكن أن يقوم بحركة نشطة داخل الإئتلاف عبر مفاوضات مستمرة مع مكوناته، وكان يسعى أن يحصل مرشحه على أكبر قدر ممكن من الأصوات بحيث يصبح عبد المهدي مرشح الإئتلاف دون الحاجة لإجراء إنتخابات داخل الإئتلاف.
مستشارو الجعفري أظهروا قلقهم، لكن السيد فالح الفياض ممثل الجعفري في المفاوضات، أظهر برودة أعصاب. كان واثقاً بأنه سيكسب الجولة، وكان يعود بعد كل إجتماع في الإئتلاف مكرراً قوله: (الأمور جيدة). كانت مواقف مكونات الإئتلاف واضحة ، فحزب الدعوة بشقيه المقر العام وتنظيم العراق والتيار الصدري كان يقف مع ترشيح الجعفري. في مقابل وقوف المجلس الأعلى ومنظمة بدر مع عادل بعد المهدي.
وفي الوسط يقف المستقلون وحزب الفضيلة، حيث أصبح موقف هاتين الكتلتين هو مرجح الفوز. سارت الإجتماعات الأولى داخل الإئتلاف باتجاه التوافق على مرشح واحد، لكنها لم تصل الى نتيجة، فالتوافق كان أمراً صعباً بين طرفين يتمسك كل منهما بمرشحه. بدأت تتسرب بعض المعلومات عن وجود إتفاقات داخل بعض كتل الإئتلاف لعرقلة ترشيح الجعفري، وأخبرني الشيخ عبد الحليم الزهيري أحد قياديي حزب الدعوة، بأن هناك اسماء مطروحة الى جانب عادل عبد المهدي، يجري التمهيد لها، وأن حزب الفضيلة بدأ يتحرك بشكل سري، ليدخل المنافسة بطرح أمينه العام الدكتور نديم الجابري، وقال الزهيري إن بالامكان التحرك لإنقاذ الموقف، وأنه أخبر فالح الفياض بذلك.
بعد أيام قليلة أعلن المستقلون عن مرشحهم الدكتور حسين الشهرستاني ليدخل المنافسة، كما أعلن حزب الفضيلة أنه يرشح الجابري لرئاسة الوزراء. كشفت مسألة الترشيح تصدعا داخليا مخيفا في جسم الإئتلاف، فهذا الكيان الذي بدا للعيان وكأنه التيار البرلماني الذي يكتسح ما أمامه، لم يكن سوى تشكيل تتجاذبه طموحات متضادة، يريد بعضها الإيقاع بالآخر، ويسعى كل طرف أن يحصل على المزيد من المكاسب، بصرف النظر عن أي اعتبار لمصلحة الإئتلاف أو العملية السياسية.
كان واضحاً ان المنافسين الجديدين لا يتمتعان بنصيب كبير في المنافسة، فتراجع المستقلون عن مرشح، كما تراجع حزب الفضيلة ايضا بعد عدة إجتماعات. إتخذ حزب الفضيلة موقفاً جديداً، لقد بدأ يفاوض على أساس ما يمكن أن يحصل عليه من حقائب وزارية، ولم يتردد في طرحه هذا، فأصواته ستمنح للطرف الذي يستجيب لمطالبهم، وكانت وزارة النفط على رأس قائمتهم. تقدم حزب الفضيلة بقائمة مطالبه للجعفري، فرفضها كلها، قال لهم:
لا أملك أن أعطيكم مثل هذا الوعد، فهذا أمر متروك للإئتلاف والبرلمان، أريد أن أشكل الحكومة ويدي بيضاء. رفض الجعفري كان يعني أن تذهب أصوات حزب الفضيلة (12 صوتا) الى عادل عبد المهدي، وهو رقم كبير في حسابات المنافسة داخل الإئتلاف، لكنه أصر على رفضه. كما عرضت على الجعفري عروض أخرى رفضها بالموقف نفسه .
إقترب موعد التصويت في الإئتلاف بعد ان فشلت محاولات التوافق، التصويت على اختيار أحد المرشحين، الدكتور إبراهيم الجعفري والدكتور عادل عبد المهدي. ليلة التصويت، عقد إجتماع مطول ضم الكتلة الصدرية وحزب الدعوة وحزب الفضيلة، وفيه تم الإتفاق على أن يمنح حزب الفضيلة أصواته للجعفري. وكان هذا يعني أن الأمر قد حسم لصالح الجعفري.
عند الساعة الثالثة صباحاً، اتصل أحد ممثلي الفضيلة بسكرتير الجعفري الخاص الصديق إياد النداوي، ليخبره بأنهم يريدون أن يمنحهم الجعفري منصباً سيادياً. أجابهم النداوي بأنه لن يجرؤ على فتح هذا الموضوع مع الجعفري، لأنه يعرف رفضه لمثل هذا الحديث وهذه الطريقة، وأبلغهم أن كلامه هذا يمكن أن يعتبروه رفضاً لعرضهم. كان ذلك يعني أن التصويت لن يكون في صالح الجعفري، وأنه سيخسر المنافسة، لكن اجتماع التصويت تأجل ليوم آخر، وعندما علم الجعفري بما دار شكر سكرتيره الخاص على تصرفه.
في حوالى الساعة الثانية من صباح يوم التصويت، طلب الجعفري من السيد فالح الفياض أن يطلع على قائمة تضم أسماء كتلة الإئتلاف، وكان الفياض قد وضع إشارات على المؤيدين للجعفري، كان عددهم 76 عضواً، تأمل الجعفري بالقائمة، أضاف إشارات على بعض الأسماء، ثم قال للفياض، سيصوت لي 64 عضواً.
في يوم التصويت، جلس الجعفري يقرأ ملفات رسمية، فيما كان أعضاء الائتلاف يدلون بأصواتهم، وعندما أعلنت النتيجة بفوز الجعفري بـ (64 صوتا مقابل 63)، لم يظهر عليه أي ردة فعل، بل ثمة مسحة من حزن وهموم غطت ملامحه، وعن هذه اللحظة تحدث الدكتور عادل عبد المهدي في المؤتمر الصحافي، قائلاً: عندما هنأت الجعفري على فوزه قال لي الأجدر أن تعزيني إنها مسؤولية كبيرة. إنتهت الجولة الأسهل في ترشيح الإئتلاف للجعفري. لتبدأ المرحلة الأصعب والتي كشفت عن التقاطع الهائل داخل مكونات الإئتلاف، وعرف الاخرون أنه جسم كبير منخور من الداخل.
التعليقات