سيواجه الكثير من المتاعب مع البرلمان الجديد
الشيخ الليبرالي في قبضة المجلس السلفي القبلي

ممدوح المهيني-إيلاف: الذين يعرفون رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر محمد جيداً يدركون أنه صاحب عقلية ليبرالية خالصة، فهو مؤمن بالتجارب الغربية الناجحة، ودعمه للمرأة ليس أمراً تكتيكياً ولكنه راسخ تماما في قناعاته الليبرالية العميقة، وهو يجيد التعبير عن أفكاره باللغة بالإنكليزية بشكل أفضل من العربية، ويحب الحياة وفق الأسلوب الغربي. ومع أن هذه هي الصفات المطلوبة بأي رئيس وزراء في دولة من العالم الثالث، وذلك بسبب قدرته على محاكاة التجارب السياسية الليبرالية الناجحة في عدد كبير من البلدان، إلا أن هذه العقلية الحديثة ستكون أحد أبرز الأسباب التي قد تسبب له العراقيل مع البرلمان الكويتي الجديد الذي وقع في قبضة السلفيين ورجال القبائل.

يتوقع الكثير من المراقبين، أن المجلس الجديد الذي يتزاحم فيها رجال الدين السنة والشيعة والقبائل سيدخل في صدام مع هذا الشيخ الليبرالي في وقت سريع جداً. فباستثناء التيار الليبرالي داخل المجلس فهو لم يلق أي ترحيب من داخل الكتل الأخرى. عدد من النواب أبدوا، و قبل صدور القرار اليوم بعودته إلى رئاسة الوزراء، آراء واضحة بعدم رغبتهم في عودته من جديد إلى الرئاسة.

ويبدو أن أسباب ذلك مبررة جدا، وقد كانت واضحة في خطاب الاستقالة التي قدمها الشيخ ناصر المحمد لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عندما قال له :quot; إن تعاقب الأحداث مع تصاعد مظاهر الانحراف والتجاوز على الحدود الدستورية المستقرة والواجبة الاتباع بين السلطات العامة في الدولةquot;.وهو يقصد نواب البرلمان الماضي.

كانت العلاقة بينه وبين نواب البرلمان السابق في غاية السوء لدرجة لا يمكن أن تلمح من خلالها أي وجوه ايجابية. استجوابات متلاحقة ووزراء يستقيلون وتهديدات مستمرة بالاستجواب ومشاريع معطلة . وقد شاهد رئيس الوزراء الشيخ ناصر وزراءه المفضلين يتساقطون واحداً تلو الآخر أمام عينيه.

وتوسعت هذه العملية حتى وصلت في النهاية إليه شخصيا عندما بدأ بعض النواب يسخرون من وصفه بquot;الإصلاحيquot; ويلقون بعد ذلك السؤال التهكمي: وماذا عمل هذا الإصلاحي؟!quot;. رغم طريقته الصامتة في إدارة الحكومة وتصريحاته الهادئة ومحاولاته بالنأي بنفسه على الأداء السياسي الشعبوي لعدد كبير من النواب، إلا أن ذلك البرلمان استطاع أن يضر بصورة رئيس الوزراء، وتمكن من تصويره بصورة الرجل العاجز عن تنفيذ المشاريع الكبيرة.

على الرغم من تعطيل المجلس للعديد من القرارات الحيوية، وإدخاله البلد في أزمات سياسية متلاحقة، إلا أنه استطاع أن يحلق الضرر بصورة الحكومة، عبر الحديث المستمر عن غياب الخطة التنموية الشاملة وفشل رئيس الوزراء في إدارة البلد. كل ذلك الحديث يبدو غير منطقي في وقت مليء بالأزمات السياسية المتلاحقة.

انغمس البرلمان الكويتي السابق في المماحكات السياسية وإثارة المشاكل الفارغة والتباهي السطحي بفضائل الديمقراطية ( أحد النواب الذين استجوبوا وزيرة التعليم السابقة قال بعد تجديد الثقة بها : الحمد لله أننا في بلد ديمقراطي مع أنه عطل البلد لشهرين )، وأصبحت قضية فتاة صغيرة تكتب على القرآن، قضية يمكن أن تعطل البلد في الكامل، وذلك من أجل تجييش الجماهير وتوسيع القاعدة الانتخابية.

ولكن جزءا أساسياً من الخلاف بين البرلمان ورئيس الوزراء هو خلاف في الأدمغة . فالرجل الذي يؤمن بالحرية الاقتصادية يواجه معارضة برلمانية تؤمن بالأفكار الثورية حول quot; نهب ثروات البلدquot; وquot; الحرامية الكبارquot; وquot; العصابة التي تريد بيع الكويتquot;. والرجل صاحب الرؤى الليبرالية والداعم لحقوق المرأة يواجه معارضة نواب اسلاميين يرون أن مكان المرأة المناسب هو بيتها وليس الوزارة.وهم قادرون على افتعال أي قضية من أجل تعقب أي امرأة تصل إلى الوزارة.

ولكن رئيس الوزراء إذا كان إصلاحياً ونظيفاً فهو ليس بسياسي بما فيه الكفاية. فرئيس الوزراء القديم الجديد غير منغمس في تفاصيل اللعبة السياسية داخل البرلمان، ويرى البعض أنه يبالغ في عزل نفسه عن أساليب الشد والجذب السياسية داخل البرلمان مما يفقده القدرة على التفاوض والوصول إلى حلول وسط والقيام بمقاربات مع بعض الكتل . أنه غير تفاوضي لدرجة يمكن تشبيهه بمفكر يرأس مجلس لمجموعة من التجار.

كما أن حكومته ارتكبت بعض الحماقات، كان آخرها الأسلوب المرتبك والضعيف الذي ظهرت بهفي مواجهة الانتخابات الفرعية، ففي مشهد نادر جدا في الدول الحديثة، استطاعت مجموعة من المواطنين طرد قوات الأمن وتكسير مقراتها من دون أن يواجهوا أي عقوبات. كما يرى الكثيرون أن الحكومة اعتمدت في البداية مقاربة فاشلة مستخدمةً الطائرات والمدرعات أمام مواطنيها الأمر الذي أوقعها في الحرج بعد ذلك.

ويظهر الشيخ ناصر المحمد في بعض الأوقات جوانب مرتبكة وضعيفة في أدائه السياسي . ففي أحد تصريحاته قال إنه يعرف أن هناك أشخاصا من داخل العائلة المالكة يريدون فشله، ولكن الشارع الكويتي ضج وهو يتساءل :quot; لماذا لا تكشف عنهم إذن؟!quot;.

كما أنه يستخدم أحيانا بعض المعارك السياسية الخاطئة ليتكسب من ورائها . ففي تصريح فاجأ الجميع، وبينما كانت قضية التأبين مشتعلة، قال الشيخ ناصر المحمد إنهم لا يملكون أدلة على تورط عماد مغنية بقتل الكويتيين في طائرة الجابرية. من الواضح أنه كان يريد أن يكسب الصوت السياسي الشيعي ndash; وهذا ما حدث فقد أبدى النواب الشيعة قبولاً بعودته للرئاسة الوزراء من جديد- ولكنه اختار المعركة الخاطئة لدى الشعب الكويتي . هذه المعركة وجدانية جدا، وهناك قناعة مترسخة منذ أعوام طويلة على أن مغنية من فعلها، وليس من السهولة تغييرها من أجل مصالح سياسية شخصية . لقد أظهر رئيس الوزراء، وبينما كان وزير داخليته يصف مغنية بالإرهابي، حكومته بالضعيفة والتي تفتقد أدنى درجات التنسيق.

ولكن الشيخ ناصر محمد ما زال يحظى بشعبية في الشارع الكويتي ndash; يبدو أنها تناقصت في الفترة الأخيرة- كرجل إصلاحي ونزيه، وحريص على خدمة ونهضة البلد، ولا يدخل في مساومات من أجل مصالح شخصية. ولكن مع إنه مع هذا المجلس الجديد، الذي يبدو أكثر تنمراً من المجلس السابق، سيواجه الكثير من المتاعب القادمة. صحيح أن المجلس قد يخوض في الوحل سريعا، وهذا لن يضره كثيرا بسبب سمعته السيئة في السابق، ولكنه قادر على تلطيخ الشيخ ناصر المحمد بالوحل، والقضاء على ما تبقى من سمعته الإصلاحية.