&
لندن ـ& لا يتنازل في جميع مقابلاته الصحفية، او حين يتحاور معه الحلفاء في الامس واليوم وكذا غدا عن لقب "الجنرال"، وهو ليس خريج مؤسسة حاربت، او خرجت مقاتلين، وهو اصبح وزيرا للدفاع، وذهب بين ذات اليمين وذات الشمال متمترسا وراء اثنية لا يتجاوز نفرها خمسة بالمائة من سكان بلاد الافغان.
وحين يلتقيه الصحافيون من اصقاع الارض لهفا وراء معلومة او تقرير من القلب المفجوع للبلد المكلوم بويلات الحروب من داخله قبل ان تكون من خارجه يصر ( عبد الرشيد دوستم) على لقب الجنرال ، مضافا اليها تعبير وزير الدفاع السابق.
وفي زمن ضاعت فيه الاصول الحقيقة للتعامل السياسي والاخلاقي واندملت فيه الاصول المرعية في تعريفات الناس وتشابكت، وهنا خطيئة الطالبان والحليف شبكة (القاعدة) يتفرد الجنرال بالقرار، وحين قتل هو في الامس القريب عديدا من الناس حين وزر دفاع المجاهدين ايام برهان الدين رباني، فانه مارسه وسيمارسه تحت غطاء من الشرعية، وكان الوزر وليس الوزارة، ثم احتفظ بلقب وزير الدفاع السابق والجنرال معا.
جنرالات الشرق الاوسط
دوستم، ليس خريج اكاديمية عسكرية وهو من مثل جنرالات كثيرين في الشرق الاوسط من بغداد حيث المهيب الركن، الى ليبيا حيث العقيد (الملازم اول اشارة ـ قائد الثورة) مرورا بعيدي امين اوغندا وغيره في سورية في سرايا الدفاع، وسمير جعجع في لبنان.
قائد الحرب في شمال افغانستان دوستم، طائفي بالدرجة الاولى وعنصري من طراز رفيع، وانتهازي (يميل حيث تميل الريح).
وفي بون يخشون سطوته عن بعد ارضاء للاقلية التي ينتمي اليها (الاوزبك) ووفد تحالف الشمال لا يقرر تسمية مندوبيه لحكم البلاد الآتي انتظارا لرأي الجنرال المنشغل بمجازر في مزار الشريف وقوندز.
حلم الحاكم
وفي الأخير يحلم دوستم بعد لقب الجنرال بلقب "حاكم مزار الشريف وقوندز" ولو على دماء الابرياء من مواطنيه المنتظرين او عصابة القتلة من جماعة الطالبان، فلم يذهب لمفاوضات بون ولم يرسل مندوبيه.
لماذا؟ انه يعرف الحال الخائف منه من جماعة "تحالف الشمال" الذي تقدم في الاسبوعين الاخيرين محتلا معاقل الطالبان المنهارة، ودوستم يعرف من دون شك حلفاءه من هذا التحالف الهش، فهو كان (البعبع) قبل سنوات خمس، وهو البعبع الآن في ظل غياب اسد بانشهير احمد شاه مسعود، وعلى رأي المثل الشعبي "خلا الميدان لحديدان".
حين كان الفتى دوستم حارسا ليليا في احدى شركات التنقيب عن النفط الذي لم يكتشف على الحدود الافغانية الاوزبكية، شن السوفيات هجمتهم الكارثية على افغانستان حالمين بالوصول الى مياه الخليج العربية الدافئة .. وكذا النفط.&
مع نجيب الله
في تلك السنة وهي 1979 ، كان يحكم نجيب الله على خلفية التراث اللينيني، في بلد مسلم، كانت تلك فرصة الحارس الليلي دوستم للانخراط في نسيم غضب الريح الجديدة العاتية، فانضم الى نجيب الله مقاتلا ضد المجاهدين المسلمين.
الشيء الوحيد الذي كسبه هو ميدالية تراها الآن معلقة على صدر أي منتم الى (الحزب الشيوعي) في ارجاء الدنيا، لكن نهاز الفرص اغتنمها الى حين من الزمن، فهو وضعها على صدره في الغدو والاياب من مزار الشريف الى كابول.
وفي حرب ضروس ضد مقاتلين اشداء من مثل المجاهدين باسم الله وعقيدته، على ارض افغانستان، فان دوستم بشنب عريض وفتوة متناهية وحرس رئاسي، كان يمر على الارجاء والاحياء مؤكدا الشرعية المتمثلة في نجيب الله واعداء الله من اهل موسكو.
كان الجميع يهاب الركب المؤلل بدراجات نارية ومصفحات ومجنزرات وطائرات من فوق وحراسات من تحت، خصوصا في تلك المنطقة الاوزبكية المحرومة التي تمثل خمسة بالمائة فقط من ارض بلاد الافغان.
ذهب الشيوعيون وبقي الجنرال
انه دوستم، الكل كان يقول ، هل هو الجنرال؟ نعم كان الجواب يأتي. ولكن حين ذهب نجيب الله واندحر السوفيات لا بل نقول انسحبوا تحت وطأة النظام الدولي الجديد وانهيار الشيوعية، تغير الحال قليلا من الزمن، الآن دور المجاهدين المنهكين من حرب السنوات العشر العجاف.
هم يريدون الوصول في أي حال قيام كيان يكفل لبلادهم البقاء، وحاولت دول مهمة على الصعيد الاسلامي مساعدتهم، وقدمت المملكة العربية السعودية مدنها وفنادقها لا ستضافة المحاربين، وكذا حال البحرين والامارات ثم قطر والكويت وتنادت الدول الجارة المسلمة لنداء الانقاذ والبناء بعد العناء.
لم يستطع محاربو الامس الاستمرار في حلم بناء بلدهم، وانهارت الاحلام وجاءت الطالبان بكل العسف والتشدد والظلم والقتل والظلامية.
بين الشيعة والسنة
ومع مجيئها اصبح (الجنرال) دوستم معارضا كبيرا، فاستقبلته ايران الشيعية، حال استقبال تركيا السنية، وهو حال دول خليجية من مثل قطر ودبي اللتين استقبلتا استثمارات شركته الخاصة للطيران.
الغريب ان اوزبكستان وهي البلد المحاذي لأفغانستان& والتي تنتمي اليها عرقية (الجنرال) الاوزبكية لم تستقبله، الواضح انها كانت تعرفه وتعرف مراميه واهدافه، وعلى مدى عامين ظل الجنرال منفيا (كما يدعي بين انقره وطهران ودبي)، وعاد منذ اقل من عام الى شمال افغانستان متحالفا من جديد مع تحالف الشمال، لكنه لم يلتقي القائد الراحل احمد شاه مسعود الذي لم يكن يثق به.
كتف افغانية سهلة
واضح ان (الجنرال) العائد يعرف من اين تؤكل الكتف الافغانية الضعيفة، وهو ظل ساكتا الى حين بدء العمليات الجوية الاميركية مع انطلاق الحرب ضد الارهاب، وحين اتمت القوات الاميركية الجولة الاولى جوا، فهو تقدم برا نحو مزار الشريف التي اخذها سلما مع مئات من الاسرى من الطالبان وحلفائهم.
والغريب ان هذا الجنرال الذي لم يشهد له في احد الايام ان زار مسجدا او ركع لله خشوعا طيلة السنين الماضية، قاد مسيرة جماهيرية دينية لزيارة ضريح احد (الاولياء) الذين تحمل مزار الشريف اسمه ... ثم بكى وابكى الجميع معه.
في السابعة والاربعين من العمر، هو الآن، وقادر على التحرك ذات اليمين وذات الشمال، وحر الى أي جانب يستند ويرتاح وهو يرى الاستراتيجية الغربية غير واضحة المعالم في شأن مصير بلد وعلاقات عالم متكامل بين الشرق والغرب، بين الاسلام والمسيحية، بين الارهاب وضده.
هو أي (الجنرال) لا يرغب في سماع ذلك ابدا، ومجزرة حدثت كان يرقبها عن بعد، وتورط فيها الاميركيون والبريطانيون وقوات تحالف الشمال، ولكن لقطة تلفزيونية بثتها محطات العالم كلها تشير اليه بالبنان على انه كان وراء كل ذلك.
ظهور متلفز
فهو ظهر على شاشات التلفزة العالمية يوجه القوات الحليفة له في ضرب مدفعي الى حيث القلعة التي شهدت ثورة سجناء الطالبان وعناصر القاعدة.
من هنا، قالت ماري روبنسون مفوضة حقوق الانسان في الامم المتحدة "هنالك ظروف علينا التحقيق فيها في مجزرة مزار الشريف؟".
واخيرا، فان جنرال (اللحظة الراهنة) في شمال افغانستان غير قادر حتى على اكتساب تعاطف الجارة اوزبكستان الحليفة للتحالف الغربي في الحرب ضد الارهاب، ولأنه رجل كل المهمات الخاصة، التي تخصه وحده فقط فلا يستبعد ان يقوم بمغامرات قد تحرج الحلفاء وتجعلهم يتراجعون عن الكثير من القرارات الاستراتيجية في مهمات صميمية راهنا.
دائما، تثق وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" بالصغار لتنفيذ مهمات كبار، ولكنها في النهاية تتخلص منهم، فهل الحرب الحالية ضد الطالبان وشبكة (القاعدة) ستتجاوز ذلك الى العملاء الصغار حتى وان حملوا رتبة (الجنرال)؟.