&
بقلم أنسي الحاج
&
ينزل عبداللّه القُصيمي تمزيقاً في المحرّم. كتاباه "هذا الكون، ما ضميره؟" و"كبرياء التاريخ في مأزق" لم أعرف مثلهما في الأدب العربي تحريضاً وإشاعة عصيان. وهو ليس مفكّراً يشرح نظريات، إنه القاموس العربي وقد استحال صراخاً ضد التزوير، بمعناه التاريخي، ضد القمع والتخلف والسدود كلها.
هذا الرجل القادم من الصحراء، السعودي المقاتل كلّ شيء، الرافض كل شيء، الحر في وجه كل شيء، يتكلم كالشهيد الحيّ. ماذا يريد؟ يريد أن يفرّغ الدنيا العربية من نفسها ويؤلفها على الحرية، والعقل والكرامة.
كُتُبُه فضيحة تاريخية. فضيحة أن يكون العربي قد ظلّ حتى الآن خالياً من عبداللّه القصيمي. فضيحة، عبداللّه القصيمي، تفضح ألوف ماسخي الكلمة العربية كل يوم من المحيط إلى الخليج.

الراحل عبد اله القصيمي
اقرأوا القصيمي. لا تقرأوا الآن إلاّ القصيمي. يا ما حلمنا أن نكتب بهذه الشجاعة! يا ما هربنا من قول ما يقول! يا ما روضنا أنفسنا على النفاق، وتكيفنا، وحطمنا في أنفسنا الحقيقة، لكي نتقي شر جزء مما لم يحاول القصيمي أن يتقي شر قوله في كتبه. ويهجم على الكلمة هجوم البائع الدنيا بكلمة. وتقتحمك كلماته التي لا تتوقف اقتحام الحريق المتصاعد. ضد كل شيء.
وهل من شيء لا يوقَف ضده في حياة العالم العربي؟
ضد كل شيء. بزخم تجمعت فيه إرادات عصور من التمرد السجين والحرية المكبوتة.
ويرفع القصيمي يده المعروقة، المؤلمة الجارحة، وينزل تمزيقاً.
ينزل كالمجنون.
ويجن جنونه ببساطة الأولاد والأنبياء، بقوة عمياء من الطبيعة.
يجن جنون الصحة على المرض، الحياة على الموت.
جنوناً وحيداً صارخاً في الصحراء.
يجن عن كل العرب منذ مئات السنين.
و لا يرتاح له عَصَب. ولا يتراجع منه اللسان. ولا تصدقه عيناك!
أَعَربيّ، تتساءل، هذا القائل هذا؟
وكثيراً تتساءل. إنه يبقيك في الخوف عليه من أن يتوقف أو ينهزم. لكنه لم يستحق عَبثاً حكم الإعدام الصادر عليه!
ومن الصحراء، من قلب الصحراء نَبَت. في الصحراء فجأة، وفيما الجميع لا يترقبون هناك أحداً.
نَبَت كالشوكة كالفاجعة. نبت ضد الطبيعة. وحيث مشى في الصحراء صارت كل حبة رمل بَطَلة.
وصار في الصحراء شجرة عظيمة.

&
أنسي الحاج
&"كلمات كلمات كلمات" الجزء الأول،
&صفحة283-284،& دار النهار بيروت 1987

&
&
الحلفة الاولى:
الحلقة الثانية: