&
افتتح الرئيس الأميركي جورج بوش رسمياً، أمس، المرحلة الثانية من "الحرب على الإرهاب" لم يأت بجديد منذ أن عرّف "محور الشر" في خطاب "حال الاتحاد" ثمة ما هو مستمر ومتسع من "المرحلة الأولى" وهو يقود القوات الأميركية إلى ممارسة "عولمة أمنية" تمتد من كولومبيا إلى أندونيسيا مروراً باليمن والسودان والصومال وجورجيا وعشرات المواقع الأخرى. وثمة ما يمكن اعتباره فتحاً لملف قديم جديد يتعلق بمكافحة أسلحة الدمار الشامل، أو بالأحرى، بتلك الصالحة ذريعة لتصفية الحساب مع خصوم.
لم يعد الشك جائزاً في أن هذه هي النقطة المركزية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وهي تقدم لها، أو تحاول، التماسك الذي قدمته نظرية <<الاحتواء>> في أيام <<الحرب الباردة>> وتنهي التردد الذي ساد في التسعينيات. لم يعد تحرير التجارة هدفاً بحد ذاته، كما بدا في ولايتي بيل كلينتون، بدليل القرارات الجمركية في موضوع الصلب.
إن هذه النقطة المركزية مربحة لجورج بوش ضمن الرأي العام الأميركي. مربحة حتى اليوم على الأقل. ويستدل على ذلك من أن كثيرين ينتقدون جوانب من توجهاته الداخلية ولكنهم يحجمون عن لوم القائد الأعلى للقوات المسلحة المنخرطة في حروب مسرحها الكون كله.
ويكشف تقرير سري للبنتاغون مدى مركزية هذه النقطة. فهو يدخل تعديلين جوهريين، على الأقل، على العقيدة العسكرية الأميركية. فلقد باتت واشنطن تجهر باحتمال اللجوء إلى الضربة النووية الأولى في حالات معينة (اعتداء عراقي على إسرائيل أو على الجيران، هجوم كوري شمالي على الجنوب، عدوان صيني على تايوان). أكثر من ذلك باتت واشنطن في موقع من قد يستخدم الضربة النووية لأسباب وقائية وضد دول هي كوريا الشمالية، إيران، العراق، سوريا، ليبيا.
قابل العالم بذهول تسريب هذا التقرير. تصاعدت الانتقادات من غير عاصمة. إلا أن أقطاب الإدارة دافعوا عن هذه الوجهة وبشكل يوحي أن حكام أميركا اليوم يمكنهم، في أي لحظة، أن يشكلوا خطراً داهماً على السلام الدولي إذا ما حتمت عليهم ذلك رؤيتهم للمصالح التي تعنيهم.
بين الدول المرشحة لقصف نووي أميركي وقائي ثلاث دول عربية ودولة إقليمية مهمة. ويعني ذلك، ببساطة، أن <<الإقليم>> هو في صلب الاهتمامات الأميركية ومن موقع يصعب وصفه بالصداقة (ماذا يعني بالنسبة لدول مجاورة، لبنان مثلاً، استخدام النووي ضد سوريا؟). ولكن، هنا أيضاً، وكما عند الحديث عن <<محور الشر>>، يتوجب إفراد موقع خاص للعراق. هذا ما يردده أقطاب الإدارة الأميركية يومياً وما شرع يؤيدهم فيه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وغيره.
يكمن هنا، بالضبط، التناقض بين رؤية عربية (ولو مفترضة) للأولويات في الشرق الأوسط وبين الرؤية التي يصوغها بوش وجماعته. فما هو مركزي بالنسبة إلى العرب كمصدر للاضطراب يستوجب حلاً ليس هو نفسه بالنسبة لواشنطن. وإذا كان العرب يعتبرون أن إسرائيل هي المشكلة (السياسة الإسرائيلية بالأحرى) فإن الولايات المتحدة تنظر إلى هذه الدولة بصفتها حليفاً ثميناً وتطالب الجميع بموافقتها على ذلك انطلاقاً مما تعتبره البند الرئيسي على جدول أعمال سياستها الخارجية في العالم بصورة عامة وفي الشرق الأوسط تحديداً.
ليس غريباً، والحالة هذه، أن نكون على مواعيد مع شخصين: نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ومبعوث وزير الخارجية الجنرال أنطوني زيني. للأول، كما يقال، مهمة عراقية. وللثاني مهمة فلسطينية. إن الفرق في المرتبة يوحي بالفرق في الأهمية. فتشيني قد يكون رئيس الحكومة الفعلية في واشنطن. أما زيني فمندوب لوزير يكاد يكون مضطهداً بين أقرانه.
سيحاول زيني ترتيب وقف لإطلاق النار في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولن يكون ذلك مفتوحاً على أي بُعد سياسي جدي ولا حتى على أي أفق سياسي جدي. والواضح أن وقف إطلاق النار هذا وظيفي. أي أنه يخدم في توجه أعم تحدده جولة تشيني الأكثر التصاقاً بالبند المركزي في السياسة الخارجية الأميركية. إن الغاية من <<هدنة زيني>> هي المساعدة في توليد المناخ الإقليمي والدولي الذي يحرر واشنطن في تعاطيها مع العراق. وليس مستبعداً أن تكون هذه الهدنة جزءاً من المنظومة الحربية الأميركية ضد بغداد والتي هي المعركة المتقدمة من تطبيق نهج متكامل.
ليس التناقض بين المصالح العربية والأميركية ظرفياً. ولا هو نتيجة سوء تفاهم. ولا هو تعبير عن <<سذاجة>> ما في النظر إلى أحوال العالم. إنه لصيق عضوياً بتعريف المصالح الأميركية لنفسها وبالحد الأدنى من التعريف العربي المماثل، وذلك بغض النظر عن مدى التدهور الذي يتحكّم بالمنطقة.
لم تفعل 11 أيلول وما تلاها إلا زيادة التفارق بين هذين التعريفين. فالاتجاهات العميقة لكل منهما كانت ماثلة قبل ذلك بكثير. وليس جائزاً أن يقبض أحد الخرافة التي يروّج لها الأميركيون، بمن في ذلك بعض مثقفيهم، والقائلة إن تفجيرات نيويورك كانت <<فعلاً تأسيسياً>> للعلاقات العربية الأميركية.(السفير اللبنانية)
لم يعد الشك جائزاً في أن هذه هي النقطة المركزية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. وهي تقدم لها، أو تحاول، التماسك الذي قدمته نظرية <<الاحتواء>> في أيام <<الحرب الباردة>> وتنهي التردد الذي ساد في التسعينيات. لم يعد تحرير التجارة هدفاً بحد ذاته، كما بدا في ولايتي بيل كلينتون، بدليل القرارات الجمركية في موضوع الصلب.
إن هذه النقطة المركزية مربحة لجورج بوش ضمن الرأي العام الأميركي. مربحة حتى اليوم على الأقل. ويستدل على ذلك من أن كثيرين ينتقدون جوانب من توجهاته الداخلية ولكنهم يحجمون عن لوم القائد الأعلى للقوات المسلحة المنخرطة في حروب مسرحها الكون كله.
ويكشف تقرير سري للبنتاغون مدى مركزية هذه النقطة. فهو يدخل تعديلين جوهريين، على الأقل، على العقيدة العسكرية الأميركية. فلقد باتت واشنطن تجهر باحتمال اللجوء إلى الضربة النووية الأولى في حالات معينة (اعتداء عراقي على إسرائيل أو على الجيران، هجوم كوري شمالي على الجنوب، عدوان صيني على تايوان). أكثر من ذلك باتت واشنطن في موقع من قد يستخدم الضربة النووية لأسباب وقائية وضد دول هي كوريا الشمالية، إيران، العراق، سوريا، ليبيا.
قابل العالم بذهول تسريب هذا التقرير. تصاعدت الانتقادات من غير عاصمة. إلا أن أقطاب الإدارة دافعوا عن هذه الوجهة وبشكل يوحي أن حكام أميركا اليوم يمكنهم، في أي لحظة، أن يشكلوا خطراً داهماً على السلام الدولي إذا ما حتمت عليهم ذلك رؤيتهم للمصالح التي تعنيهم.
بين الدول المرشحة لقصف نووي أميركي وقائي ثلاث دول عربية ودولة إقليمية مهمة. ويعني ذلك، ببساطة، أن <<الإقليم>> هو في صلب الاهتمامات الأميركية ومن موقع يصعب وصفه بالصداقة (ماذا يعني بالنسبة لدول مجاورة، لبنان مثلاً، استخدام النووي ضد سوريا؟). ولكن، هنا أيضاً، وكما عند الحديث عن <<محور الشر>>، يتوجب إفراد موقع خاص للعراق. هذا ما يردده أقطاب الإدارة الأميركية يومياً وما شرع يؤيدهم فيه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وغيره.
يكمن هنا، بالضبط، التناقض بين رؤية عربية (ولو مفترضة) للأولويات في الشرق الأوسط وبين الرؤية التي يصوغها بوش وجماعته. فما هو مركزي بالنسبة إلى العرب كمصدر للاضطراب يستوجب حلاً ليس هو نفسه بالنسبة لواشنطن. وإذا كان العرب يعتبرون أن إسرائيل هي المشكلة (السياسة الإسرائيلية بالأحرى) فإن الولايات المتحدة تنظر إلى هذه الدولة بصفتها حليفاً ثميناً وتطالب الجميع بموافقتها على ذلك انطلاقاً مما تعتبره البند الرئيسي على جدول أعمال سياستها الخارجية في العالم بصورة عامة وفي الشرق الأوسط تحديداً.
ليس غريباً، والحالة هذه، أن نكون على مواعيد مع شخصين: نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، ومبعوث وزير الخارجية الجنرال أنطوني زيني. للأول، كما يقال، مهمة عراقية. وللثاني مهمة فلسطينية. إن الفرق في المرتبة يوحي بالفرق في الأهمية. فتشيني قد يكون رئيس الحكومة الفعلية في واشنطن. أما زيني فمندوب لوزير يكاد يكون مضطهداً بين أقرانه.
سيحاول زيني ترتيب وقف لإطلاق النار في الأرض الفلسطينية المحتلة. ولن يكون ذلك مفتوحاً على أي بُعد سياسي جدي ولا حتى على أي أفق سياسي جدي. والواضح أن وقف إطلاق النار هذا وظيفي. أي أنه يخدم في توجه أعم تحدده جولة تشيني الأكثر التصاقاً بالبند المركزي في السياسة الخارجية الأميركية. إن الغاية من <<هدنة زيني>> هي المساعدة في توليد المناخ الإقليمي والدولي الذي يحرر واشنطن في تعاطيها مع العراق. وليس مستبعداً أن تكون هذه الهدنة جزءاً من المنظومة الحربية الأميركية ضد بغداد والتي هي المعركة المتقدمة من تطبيق نهج متكامل.
ليس التناقض بين المصالح العربية والأميركية ظرفياً. ولا هو نتيجة سوء تفاهم. ولا هو تعبير عن <<سذاجة>> ما في النظر إلى أحوال العالم. إنه لصيق عضوياً بتعريف المصالح الأميركية لنفسها وبالحد الأدنى من التعريف العربي المماثل، وذلك بغض النظر عن مدى التدهور الذي يتحكّم بالمنطقة.
لم تفعل 11 أيلول وما تلاها إلا زيادة التفارق بين هذين التعريفين. فالاتجاهات العميقة لكل منهما كانت ماثلة قبل ذلك بكثير. وليس جائزاً أن يقبض أحد الخرافة التي يروّج لها الأميركيون، بمن في ذلك بعض مثقفيهم، والقائلة إن تفجيرات نيويورك كانت <<فعلاً تأسيسياً>> للعلاقات العربية الأميركية.(السفير اللبنانية)
التعليقات