&
تسلل الخوف الى قلوب المهتمين بالشأن الأدبي في المملكة، والباعث على هذا الخوف (الشبكة العنكبوتية) التي يتهمونها بإرساء حال من الضمور الأدبي والتصحر اللذين تتسع مساحتهما يوماً تلو يوم من غير ان تتنبه الجهات المعنية في الساحة الثقافية الى ذلك.
ولا يتساوى هذا الخوف مع الخوف (الكلاسيكي) المتمثل في المناداة بحماية القيم والعادات من هذا الغول القادم الذي يطلقون عليه اسم (الشبكة العنكبوتية) فهذا أمر يرون ان المجتمع لا يزال قوياً وقادراً على مواجهته وعلى حماية نفسه منه.
ومبعث الخوف لدى الأدباء يتمثل في غياب الأصوات الأدبية الجديدة التي أمعنت في غيابها في شكل لافت، ويقلل البعض من التخوف ويجدون له أسباباً تتعلق بالنشر والجدب الأدبي الذي يشمل دول العالم العربي. وعلل البعض هذا الغياب بأسباب أهمها: اغفال الصحافة انتاج هذه الفئة وعدم الاهتمام بنشر ما يكتبون، عدم اهتمام الأدباء في إرساء تواصل بينهم وبين الجيل المقبل، تركيز الكتّاب الشباب على اهمية تأسيس علاقة مباشرة مع المشرفين على الصفحات الثقافية ليتم بعد ذلك النشر. وحيال هذه التهمة يرى المشرفون على الملاحق الأدبية هزالاً في الانتاج الأدبي لدى الجيل الجديد حتى ان مشاركاتهم لا ترقى الى مستوى الصفحات الأدبية.
ومن الأسباب أيضاً ركود الساحة الأدبية في صورة عامة وهو انعكس على الجيل المقبل ولم يعد هناك من يهتم بهذا الجيل في ظل عدم الاهتمام بما ينشر من الأدباء أنفسهم.
ومهما كانت الأسباب فإن هذه الفئة خرجت للتعبير عن أدبها من خلال المواقع الأدبية المتواجدة على شبكات الانترنت.
هل اختفى الأدباء الشباب فعلاً ولم يعد من الممكن ظهور أسماء أدبية وفق الطريقة الكلاسيكية? هل يصدق قول بعض هؤلاء الشباب ان مستقبل الكتابة الأدبية لن يكون من خلال الصحف بل من خلال المواقع الأدبية المنتشرة على الانترنت?
هذان السؤالان سيظلان معلقين ليجيب عليهما الزمن المقبل، وما يعنينا في هذا الاستطلاع الاجابة على أسئلة تحاول الاقتراب من الأسباب الحقيقية لغياب الأصوات الأدبية الجديدة.
الى أي مدى استطاعت الشبكة العنكبوتية اختطاف الأدباء الشباب والى أي مدى اضعفت هذه الشبكة ظهور الأسماء الأدبية الجديدة?
وعلى رغم تأكيد الأدباء على أن الأدوات المساعدة في انتشار الأدب يجب ان تكون مساعدة على التجويد إلا ان ظهور المنتديات الأدبية على الشبكة العنكبوتية أدى الى تمكين الكل في صوغ أدب متواضع.
وانطلاقاً من هذا التحرز كان سؤالنا: هل تكون الشبكة العنكبوتية مثبطة لحيوية الأدب وباعثة لجيل متواضع من الأدباء?
حيال هذا السؤال يعتقد الكاتب يوسف العارف ان استثمار المنجز العلمي في مجال الشبكة العنكبوتية من الأدباء الرواد وتنمية الحوار الأدبي من خلال هذه الوسيلة سيؤديان الى احياء جيل أدبي معرفي راق. لكن الاشكالية ان رواد الأدب الكبار وكبار المثقفين لم يستطيعوا - حتى الآن - المثاقفة مع هذا المنجز والافادة من ايجابياته. وترك المجال للناشئة الذين أساءوا الاستخدام سيؤدي الى ان تكون هذه الشبكة الأدبية مثبطة لحيوية الأدب واحياء جيل متواضع. جيل لا يمكن الارتهان اليه في خلق أدب يمكنه ان يتواصل مع المتلقين. ولعل انقياد الناشئة الى الشبكة العنكبوتية وسيلة نشر لن يمنحه فرصة الاحتكاك بشرائح واسعة من المتلقين وسيفقده تواصله مع النقاد المنشغلين بالهم الأدبي مباشرة.
ويؤكد الكاتب محمد علي قدس أن ظهور الكثير من المواقع على شبكة الانترنت سواء كانت مواقع خاصة أو عامة سهلت ليس للمبدعين الحقيقيين الانتشار بل لسواهم أيضاً.
وبدا الأديب الحقيقي غائباً من المنتديات المنتشرة على الشبكة وظهر القادر أو الهزيل الذي يكتب أدباً متواضعاً، ومثل هذه الأصوات لا يمكنها أن تؤسس جيلاً أدبياً يمد الساحة الأدبية بأسماء جديدة يمكنها حمل الراية الجديدة. فما يكتب عبر هذه الشبكة يقع في اطار الرداءة ويترك أدباً رديئاً. والسبب ان ليس هناك معايير تحدد جودة ما ينشر بل ان الأبواب مفتوحة للجميع من غير تدقيق في ما يكتب على المستوى الفني. وهكذا لا يرجى من هؤلاء ان يعطوا أدباً راقياً.
واعتبر الشاعر حزام العتيبي هذه المجموعة أشباحاً إذ تحمل أسماء مستعارة وتمارس من خلالها اسقاط كثير من التجارب الابداعية من غير مسؤولية إذ يتحرك معظم الكتّاب الناشئين خلف أسماء مستعارة يمكنها أن تؤدي الى احداث ذبذبة حول الأسماء الأدبية. ويرى ان بعض تلك الأسماء المستعارة تكتب بصورة جميلة مما يعني ضياعها داخل الشبكة العنكبوتية.
ويرى الناقد عالي القرشي ان شبكة الانترنت يمكنها أن تسهم في انتشار الكتّاب وفتح الحدود أمام انتشاره والغاء الحواجز التي تضعها الرقابة وتسهم في عدم انتشاره وبالتالي في ايجاد جيل قراء للكتاب لا يمتلكونه. وهذا الفعل يجعل الكتاب متحركاً بذهنيته ومتغلغلاً في المجموع ومؤدياً دوره التثقيفي. وبهذا الحركية يمكن الجميع الاطلاع عليه والتثقف منه. ويقول أيضاً: (يبدو لي ان وجود الكتاب الفاعل يكمن في حركته. فنصه يتحول من مصدر معرفي الى مصدر يتحرك في ذهنية الحركة الثقافية فيكون طاقة موقظة ومتحولة... ولعل الحاسب الآلي، وشبكة المعلومات من الأمور المتسارعة في حركة هذه الطاقة.
وهنا نجد ان الكتاب في هذه الحركة تحول من قابلية ان يكون تحفة فنية ثمينة الى ان يكون متحركاً بفعله الثقافي ووظيفته... بل الأمر الذي أدى الى سرعة حركة وظيفة الكتاب. فكم من قراء الآن لكتاب لا يملكونه? والحركة التي يقوم بها الحاسب الآن وشبكة المعلومات لا تستغني عن تأليف الكتاب. ولذلك يظل الكتاب قطب هذه الحركة ولكنها أخرجته من الاحتكار وأخرجته من غياهب الزمن ومن متاحف مكتبات النخبة الى ان يكون مقروءاً).
ويقول احد ناشري انتاجه على شبكة الانترنت وهو يُسمى بـ(الطيف): (أنا على اتصال بمجموعة كبيرة عبر الانترنت وقد عزفنا عن الصحف لأسباب عدة أهمها ان الصحف المحلية لا تنشر إلا للأدباء المشهورين، كما ان الصحف تحد من حرية الابداع. ولأن الكتابة على الانترنت تمنحنا الحرية كاملة من غير حواجز فهي ستكون صحفنا المستقبلية. لقد بدأنا نتعرف على كتّاب مهمّين من خلال هذه المواقع، والمشكلة فقط ان كتّاب هذه المواقع يحملون أسماء مستعارة).
ويقول الوافي (ناشر باسم مستعار أيضاً): (الكتابة على الشبكة العنكبوتية يحررك من الوقوع تحت طائلة القانون، وهذا يمنحك الحرية في ما تقول من غير أن تخشى أحداً. وهذه الحرية لها سلبيات حين يمكن هذا الاسم المستعار ان يكتب كلاماً غير مسؤول عن واقع اجتماعي أو سياسي أو أدبي).
ويقول الجريح (كاتب على الانترنت): (الكتابة هنا هي نوع من التخلص من سيطرة الصحف على انتاجنا ونحن هنا ندرب أدواتنا الابداعية ومن ثم ننتقل الى الصحف بعدما اكتسبنا المقدرة على الكتابة وخصوصاً في وجود آراء عما نكتبه على الانترنت من خلال المتواجدين على الموقع).
ويذهب بعض المثقفين أيضاً الى ان الشبكة العنكبوتية سرقت أيضاً الكتّاب المبدعين الذين تسللوا الى الانترنت من خلال محاورات سقيمة تنتهي بضياع الوقت وغياب لحظة التوهج، مما يؤدي الى غياب الأدباء الفاعلين أيضاً.
وختاماً لا بد من طرح هذا السؤال: هل فعلاً ستسرق الشبكة العنكبوتية الأدباء السعوديين حاضراً ومستقبلاً? (عن "الحياة" اللندنية)
التعليقات