&
نحن نتكلم عن ماضينا أكثر من اللازم‏,‏ ثم نلتفت فنخاطب أنفسنا وكأننا نحاول أن نقنعنا لانقنعهم بأننا أحسن جدا‏,‏ لا الماضي عاد مبررا ـ في ذاته ـ للاحترام ولا هو يعود ولا صورتنا في المرآة هي حقيقتنا الواجب تقديمها لهم‏,‏ ولانفسنا‏.‏
في محاولات موضوعية جادة يواصل كثير منا تجاوز هذا وذاك‏(‏ مثلا‏:‏ د‏.‏ وفاء ابراهيم‏,‏ ود‏.‏ نادية رضوان وعبد العزيز علي حسن ـ الأهرام‏2/6/16,‏ هؤلاء يؤكدون ضرورة التركيز علي الجانب التنويري الذي نمثله‏(‏ دينا‏,‏ أو ثقافة‏,‏ أو قومية‏)‏ وأيضا هم ينتبهون الي ضرورة حذق الوسيلة الاعلامية القادرة علي توصيل ذلك بما يشمل اقتراح قناة فضائية قومية‏,‏ أو التحدث بلغاتهم المختلفة‏,‏ ثم حذق أدوات الاعلام الحديث الشعبي المباشر‏:‏ بالبريد الالكتروني‏(‏ والانترنت‏)‏ الخ‏.‏
كل هذا طيب‏,‏ ومهم وضروري لكنه ليس مربط الفرس إن غاية الامل من مثل هذا الاعلام هو أن ننجح في كسب تعاطف ما أو تسيير مظاهرة أو حتي محاولة استصدار مشروع قرار في مجلس الأمن قبل استعمال الفيتو‏,‏ لكن المطلوب علي المدي الطويل هو أخطر من هذا وأهم‏,‏ إن كان لايقلل من ضرورة هذا المستوي المبدئي الذي يطلقون عليه تحسين الصورة‏.‏
ثمة شروط أساسية لابد من احترامها اذا كنا نريد أن تصبح صورتنا التي نريد أن نحسنها أمامهم لائقة ومقنعة ومن ذلك‏:‏
أولا‏:‏ أن تكون الصورة التي نحسنها قريبة من الحقيقة‏,‏ إن لم تكن معبرة عن كل الحقيقة‏.‏
ثانيا‏:‏ أن تكون هذه الصورة ترجمة لحالة أنية وليست ماضية‏(‏ لم يعد يكفي حديثنا المعاد عن ابن رشد وابن سينا‏,‏ وصلاح الدين‏,‏ وحتي محمد عبده‏).‏
ثالثا‏:‏ أن تكون واعدة بمستقبل يمكن تحقيقه لنا ولهم بدءا بما يجري الآن دون الاستغراق في الحلم‏.‏
رابعا‏:‏ أن تكون صورة قابلة للاختبار‏,‏ وليست مجرد منظر براق أو جميل أو جذاب مع أهمية كل ذلك‏.‏
خامسا‏:‏ ألا نركز علي مايريدون أن يروه فينا حتي يرضوا عنا مثلا‏:‏ يريدوننا ديمقراطيين بنفس عيوب ديمقراطيتهم؟ حاضر هاكم اثبات أننا ديمقراطيون أكثر من أهل السويد‏,‏ يريدوننا مدافعين عن حقوق الانسان‏,‏ كما حدودها خذ عندك‏,‏ عندنا مثلما عندكم أو سوف سنكون كما تشتهون‏..‏الخ كل هذا لاينفع‏,‏ ولا يقنع ثم اننا سوف نسقط في سنة اولي اذا مااختبرنا‏.‏
سادسا‏:‏ أن تتضمن صورتنا التي نقدمها لهم‏,‏ نقدا ذاتيا متواضعا وحقيقيا‏,‏ هم يعملون مثل ذلك طول الوقت برغم نجاحهم وتفوقهم‏,‏ راجع مثلا ماقدمه المشروع القومي للترجمة أخيرا‏:‏ كتاب التحالف الاسود عن دور المخابرات الامريكية القذر‏,‏ تأليف أ‏.‏ كوكيرن ـ ج سانت كلين وكتاب فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي‏,‏ تأليف آرثر هرمان‏.‏
سابعا‏:‏ أن تكون صورتنا باعثة للاحترام من واقع الاختلاف الايجابي وليست مجرد دفاع عن النفس‏.‏
‏***‏
إن العالم لايحترم الا القوة مهما يدع غير ذلك صحيح أن تعريف القوة قد تغير‏,‏ وأن وسائلها قد تحورت لكن يظل الاقوي هو الاوفر انتاجا والاكثر عملا ومثابرة ووعدا بفائدة تعم جميع العالمين‏,‏ أما مايحترمه العالم أكثر ويحتاجه أكثر الحاحا من القوة التي قد يساء استعمالها فهو الابداع بدون هذين العمودين الاساسيين القوة والابداع لن تكون صورتنا المحسنة الا عملية تجميل قصيرة العمر‏.‏
قديربتون علي اكتافنا شفقة‏,‏ قد يبكون علي ضحايانا‏,‏ قد يتظاهرون من أجلنا‏,‏ أو يتبرعون لمعونتنا لكن تظل القوة والابداع هما القادين علي حضورنا في وعيهم باحترام ولمدة كافية‏.‏
تتركز قوة الشعوب في اقتصادها اولا بما يشمل مهارات أبنائها المعلوماتية خاصة واستغلال وقتها في الانتاج أساسا كما تتمثل قدرة أمة من الأمم علي الابداع بمدي حرية أبنائها من جهة وعمق وعيهم من جهة أخري‏.‏
الابداع الذي أعنيه هنا لايقتصر علي مايظهر في التشكيل والموسيقي والمسرح أو حتي النظريات العلمية أو الفلسفية‏,‏ وانما هو مايتجلي فيما تضيفه أمة من الامم منجديد الي نوعية الحياة حياتنا ثم حياة كل البشر إن الانجازات الرائعة التي تسمي ناتجا ابداعيا ليست الا مظاهر لموقف وجودي شامل يتفجر من كيان قادر علي التجدد والتجديد والطزاجة والاضافة‏,‏ كيان يتحرك في مساحة من الحرية الحقيقية مابين مستويات الوعي من جهة‏,‏ ومابين الذات والآخرين والطبيعة من جهة أخري يفعل ذلك وهو يمتلك قدرا كافيا من أدوات القوة ووسائل التواصل‏.‏
هل عندنا هذه المقومات؟
نعم نحن بشر لم نتشوه تماما‏,‏ نستطيع أن نبحث وأن نعمل وأن نحلم وأن نكون وأن نصير‏.‏
عندنا المواد الخام‏,‏ ومعان أخري لحقوق الانسان‏,‏ ونوعية مختلفة للعلاقة بالطبيعة وللامتداد في الكون وللامتلاء بالآخر وأمل في عدل أرسخ‏,‏ وغير ذلك كثير‏,‏ ولهذا كله حديث آخر ليس مني وانما من كل من يهمه أمر الناس واستمرار وتطور هذا النوع البشري‏.(الأهرام المصرية)‏