صدر للقاص اليمني أحمد زين كتاب بعنوان "كمن يهش ظلا" عن دار "ميريت" بالقاهرة، والكتاب أحتوى على ثلاثين نصا قصيرا، توزعت على سبعة عناوين فرعية، هي: ضوء، يهش بعيدا هسيس الأقدام، أصــابع ترجفها الخشـية، جسد يضرع إلى أعال ظليمة، بـــرد يقعـــي متأهبا، يهبطون القماش ليكنسوا الممرات،
هباء يطّــاير في الظــلام&ويصعد الجدار ليخيط النجوم. وثمة إضاءة&في كلمة الغلاف لهذه النصوص، إذ نقرأ: "لا تميل كثيرا هذه التجربة لتأكيد نقاء النوع الأدبي، بل هي تشتغل بجلد واضح،لاستدراج كل ما من شأنه أن يحول هذا النقاء إلى وهم. فنحن إزاء نصوص تجهد باستمرار لطرح سؤالها الجمالي وهاجس المعنى على مساحة سردية ملتبسة وغير يقينية. نصوص تقف على التخوم من الأشكال الأدبية المعروفة، مستفيدة بشكل كبير من المنجز الإبداعي في أكثر من حقل، شعر، سينما، تشكيل . كما تكشف بإصرار عن شاغلها الرئيس الذي يتبلور، لا فقط في تمييع الحدود بين الأنواع الأدبية، بل وفي كسر عزلة الثقافي في اليمن (موطن الكاتب) والخروج إلى فضاء النص الحداثي ببعده الإنساني."
من جهة، يستدرج هذا الكتاب، أفكارا وأمكنة وحالات وتفاصيل، كذلك تسطع بالحضور، جملة من الشخصيات المهمشة والمعروفة في الواقع اليمني، الذي ظل، في كثير من مشهدياته، ينأى عن القارئ العربي". وتجدر الإشارد هنا الى أن القاص اليمني أحمد زين، والذي يقيم في ( الرياض ) ويعمل هناك محررا أدبيا في جريدة (الوطن) السعودية، كان قد أصدر كتابه الأول "أسلاك تصطخب" في الأردن، عن دار أزمنة عام 1997. ها هنا نصوص من كتاب "كمن يهش ظلا":
&
بيـــوت
آن تسترخي، مسدوحا فوق بعض أعضائك الثاقلة، خدرا، تبهتك جدة الأمكنة . لوهلة، ربما أكثر، ستسمع صريخ أطفال، خافتا كأنما في صورة. حفيف خطوات تصطك. أجساد تهف، لفرط خفتها، عابرة الممرات. ستنصت للرائحة، أليفة، ضاغطة إذ تنهال. ستبغتك ضجة أصوات، حادة أنا، راكنة إلى عمق غائر آونة، تحك العتبات أو تخمش غفلتك، وقد جلست متأهبا، لأيّما نافذة ستصطفق أضلاعها، راجة الحجرات الخالية، فتفغر هاوية في جدار، لتبصر الحيوات التي انقضت، تنهمر فجأة نحوك، كأنما فقط، كانت لابثة لتخطر أمامك حيث تحل لأول مرة .
&
ليـــــل
محنية المرأة، فوق السعفات، شرائط مستطيلة ناصعة، تتقصف بليونة، بين أصابعها،فيما الجارة،إبرتها تخيط نسيجا من السعف ذاته، ربما فراشا طويلا يضمد عري أسرة خشبية، اوسجادة صلاة، موشاة حوافها بألوان سوداء وحمراء، تحكي عن " سنة الهربة "أو"حروب الأجداد"،يوم كانت الرؤوس تعود، شاخبة دمائها، على أسنة السيوف . في اللحظة إياها، لحظة انحسار النساء عند مداخل القرى، تلعلع أصواتهن إستبشارا بعودة الرجال، دوى اصطفاق أجنحة، اصطفاق هائل لطيور البحر،اللابثة فوق أعالي الأشجار، عمق المقبرة،& وتطايرت مذعورة، بياضها،كرات ملتهبة تخافقت في الظلام إذ يسح في الجهات، انكفأت النظرات تحدق في الداخل، بوجيفخافق، تكأكأت الجارة، فرقعت أصابعها، وكأنما لا أحدهناك سيستبطئها،سيرشق الرخاوة القاتمة، من فوق السياج الوطيء، بعينين قلقتين، أو ربما خرجت قدمان، تستطلعان بصمت، استلقت فوق السريرالخشبي، تمطت، ثم: "طريق بيتي، بعييييد ".
&
بـــلـــل
كرشق متتال، جرّحتْ العتمة، شلالات سوداء راكنة إلى السقف، تتهابط أبدا، ناثة وهيجا أخذ يلتهب، محررا مد النهر، هناك، في لوحة الحائط. الذراعان تضمدان لدانة الأعضاء، كما لو أنها لوعة،تباعا، ستفر. تتطايح فوق برودة الفراش، وثيرا يعلو وينخفض، قبة الجسد ضارعة إلى أعال ظليمة . وإذ تطيش نظراتها صوب اللوحة، حيث السائل يكب بارقا،ندّت عنها أنّة كتومة، راحت تتقلب بعدها ببطء حتى غامت، تغيب هي الآن شيئا فشيئا، رويدا كان ثقلها يطفو، بلل هائج يتسللها، تنسحب مشدودة، ربما بخيوط وهمية، فلا تطالها الأرض، مثل سمكة هائلة تلوّت، بخفة، في ميوعة البلل، لزجة تجول خلال الأثاث إذ يغرق.
&
رغــبـــــات
لمحا، يقفز الفاصل إلى المرآة، دونما زعيق معدني لصلافة منبه، أو تعالي ضجيج يصعد نافذته المجروحة، بأن يضع استطالات أطرافه داخل حفر متناثر بين البلكات إذ تساقط عنها طلاؤها . وحال يبصر إستدارة وجهه، لاتخف يداه فاتحة الصنبور، ليرشقه ببعض القطرات، ولاتتحرك أصابعه تجاه أنبوب أسطواني، ضاغطا منتصفه فيهلّ خيط متماسك من مادة ليّنة، يهبها مساحات من ذقنه النابته، كل ذلك ليس من جذبه بعنف، من غائر نومه، إنها تلك التي ما إن تأخذ أنفاسه في نفخ الحجرة، كأنما توسعها، حتى تنفذ بطيئة في تلوّ رهيف، من صدغيه الراشحين، كشرائط رقيقة وناحلة، وإذ يشعرها تنسل في الظلام، يفز جاذبا مقصا كبيرا، رابضا أبدا أسفل وسادته، بتؤدة يحز، حانقا، الفراغ حول رأسه، يتأنى قليلا عند الصدغين، كأنما يشذب شعيرات طالت، ثم ينكفئ نعسا، قاذفا، بالحديدة المتصادئة، وقبل أن يهمل جسده، تاركا إياه يسقط على الفراش، بغيرما حذر ارتطامه بالعوارض الصلبة للسرير :" سأجزها، كوبر يشيخ، رغباتي تلك، التي تتلصص هاربة كما لو أنني لا أليق بها" .
&
مخلوقات هـــاشــم علي
الخطوات إذ ترود فسحة الصالة سترتعش خوفا، إذ من زمن تقاطر الزوار انصرافا، الصمت يهف من انفراجات الستائر، تنسدل فوق زجاج النوافذ، وثمة دعسات مبعثرة، روائح عالقة، وبقايا كلام . فجأة ينطفئ النور، وحده مع كل هذه المخلوقات المعلقة، يبقى. عند الطرقة، في نهايتها، مفضية إلى الدرجات القليلة، نزولا إلى الخارج، أوجس شغبا ما، وظلا يلمس جسده" ليس من أحد" ضاءت عيناه. قبل أن يغادر& واسفل الاحمرار الساقط هناك،في الزاوية، أبصرهم لمرة واحدة فقط، إذ كانت قدماه، منكفئتين، قد انزلقتا تماما، يهبطون القماش، في سيولة رائقة، يمطون أجسادهم، ككائنات هلامية، وكما لو أنهم اخذوا يكنسون الممرات، تناهى إلى مسامعه وشيش، أخذ يحث جاهد، متقطعا : "هل نزلوا لترتيب المكان؟ ".
&
طــــــــيور
ها ينثني جسده، جاثيا فوق ركبتين حاسرتين، في ساحة وسيعة، كما لو نبتة تركت نهب خلاء فسيح، وإذ كانت اللمعة، لمعة النصل، تطول بانخطافة حادة، وتّر حشد المخلوقات المتفرجة، يحفونه كدائرة، خفق عيونهم المتسارع نحوه، بغية رؤية انهمار السائل الحار، يتشاخب، بعنف، حتى انه ليطال حواف ثيابهم، أصابع أرجلهم، من عنق مجزورة بعناية، آن كانت الرأس تدحرج لائمة . لكنهم لم يروه، ذلك الساخن اللزج،الصاخب أبدا، آن ينطرح هلالا رقيقا، منحوتا من حمرة زاهية، وقد تبدى لهم نابضا، يرتعش، فوق الرمل . فقد بغتتهم& كثافة طيور، صغيرة، داكنة، لها لون الرمل البهي، طافرة بشدة من حواف الرقبة، إذ غاصت قليلا، لائذة بالفراغ أعاليهم، تاركة رياشا، راحت تهف، بطيئة، تجاههم .
&
مـــــــيت
لا الحيطان التي تنهض عاتمة في هذا الوقت، ولا باحة الدار وهي تنصت لحكحكات الليل فوق أسوارها، لا الشجرة الهاطلة أغصانها في استكانة خامدة، أو الملابس إذ تهف مبتلة، د ونما إستطالة حبل، لكأنما أصابع خفاء تشدها، أوجست سر الشهقة، الشهقة التي دوّت مرتبكة، ناصلة كعواء، بعد لحظات من لمس الأصابع للزجاجة الصغيرة، فتنسفح القطرات فوق صدر عامر، لتتدحرج عابرة رهافة التثنيات، تضيع هنيهة في حشائش الزعفران، ثم تجد طريقها ثانية، حين كان عود الكحل منهكا قد لان، متوترا جائيا غاديا ببطء، داخل العين، تضمه باستماتة، خوف أن ينزلق خارجا، فتفيض روحها . وحده الميت، في انكفاء ته على الفراش، ببرودة أعضائه، في انفتاحة عينيه على الظلام، خارج الكوة، قد شعر أي ثقل يناوشها، أي فراغ يعيث داخلها، في ليل بارد وقاس كهذا.
&