إيلاف- في توقيت يتزامن مع تقدم البيت الأبيض بمشروع قانون للكونغرس الأميركي يسمح لإدارة الرئيس جورج دبليو بوش باستخدام القوة ضد العراق، كشفت اليوم السبت الإدارة للمرة الاولى عن الخطوط العريضة لاستراتيجية الامن القومي الأميركي، في تقرير قدمته للكونغرس تحت عنوان: (الأمن القومي للولايات المتحدة)، والتي باتت توصف في أوساط المراقبين بأنها (عقيدة بوش)، التي تقوم على المبادرة في مواجهة من أسمتهم (الدول المارقة وعملائها الارهابيين)، قبل أن تتوفر لديهم قدرات التهديد باستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الولايات المتحدة وحلفائها حول العالم.
وأشار التقرير الذي يقع في 35 صفحة إلى أن أعداء الولايات المتحدة الآن أصبحوا يرون أن أسلحة الدمار الشامل هي الخيار الأمثل، في الوقت الذي كان ينظر إليها إبان الحرب الباردة على أنها الورقة الأخيرة، والذي يمثل استخدامها خطرا يهدد حتى أولئك الذين يستخدمونها أنفسهم.
وفي بيان أصدره آري فلايشر المتحدث باسم البيت الأبيض ـ تلقت (إيلاف) نسخة منه ـ قال فيه "الوثيقة تنص علي أن أمن وسلامة الولايات المتحدة هي الالتزام الأول للحكومة الأميركية. مشيرا إلي أن أميركا سوف تستخدم قوتها ونفوذها في العالم لنشر السلام".
وأضاف فليشر ان استراتيجية الامن القومى الأميركي تقوم ايضا على اساس ان الولايات المتحدة - في فترة مابعد الحرب الباردة- يمكن ان تتصرف بمفردها بما يحقق مصالحها الخاصة فاذا تحققت هذا المصالح الأميركية بالتعاون مع الاخرين فانه سيكون افضل .
ووفقاً للاستراتيجية الجديدة وعلى الصعيد الامنى فإن واشنطن لن تنتظر الى ان تتعرض للهجوم بل انها سوف تملك دائما زمام المبادرة خاصة في ظل تعرضها لتهديدات دائمة بشن عمليات ارهابية وتحدد ملامح الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأميركي أهدافها في ملاحقة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل المشكلة الرئيسية, وربما الوحيدة, علي الساحة الدولية التي يتعين علي الولايات المتحدة مواجهتها في السنوات القادمة.

تحول أمني
ويعد هذا التقرير هو الأول الذي يصدر في ظل الإدارة الجمهورية الحالية التي تتولي السلطة منذ كانون ثان (يناير) 2000, حيث ينص قانون صادر في عام 1986 علي أن يقدم الرئيس الأميركي للكونغرس تقريرا استراتيجيا سنويا.
ويري المراقبون أن التقرير يمثل تحولا مهما في العقيدة الأمنية الأميركية، وطريقة التعامل مع قضايا العالم, حيث تتخلى الاستراتيجية الجديدة صراحة عن المبادئ التي تبناها أخر تقرير صدر في ظل إدارة الرئيس السابق بيل كلينتون عام 1999 ويستند بصورة رئيسية علي الردع التي سيطرت علي سياسات الدفاع طوال سنوات الحرب الباردة وسياسة الاحتواء التي تعاملت بها واشنطن مع دول مثل العراق وإيران، وبدلا من ذلك, يدعو التقرير إلي إعداد القوات الأميركية لتوجيه ضربات استباقية ضد المنظمات الإرهابية والدول المناوئة لأهداف ومصالح الولايات المتحدة، خاصى تلك التي تمتلك أو تسعي إلي الحصول علي أسلحة الدمار الشامل.
وينطبق الفكر الذي يحمله التقرير مع الخط الذي تنتهجه الإدارة الأميركية حاليا في شن حملة عسكرية وسياسية ضد المنظمات الإرهابية والإعداد لعمل عسكري محتمل ضد الدول التي تسعى للحصول علي أسلحة الدمار الشامل.
ويرسم التقرير للولايات المتحدة صورة تقترب حرفياً من (شرطي العالم) الذي يضع علي كاهله مهمة تخليص العالم من (الأشرار والمجرمين)، مشيراً إلي أن أميركا ستعمل أيضا علي توسيع المساعدات من أجل التنمية وتوسيع النطاق في التجارة الحرة, ونشر الديمقراطية ومحارة الأمراض في أنحاء العالم وإعادة تطوير الجيش الأميركي.

الردع والاحتواء
وعلي الرغم من أن التقرير الاستراتيجي يتضمن أهدافا مثل التعاون بين القوي الكبرى باعتبارها من بين السياسة الأميركية, إلا أن هذا الهدف بالإضافة إلي التنمية والديمقراطية ومحاربة الأمراض تأتي في إطار محاربة الإرهاب وليس شيئا أخر.
وبدلا من الردع والاحتواء, يشير التقرير صراحة إلي أنه يجب علي الولايات المتحدة أن تحدد وتقضي علي التهديد الإرهابي ـ قبل أن يصل إلي الحدود ـ حتى لو تطلب ذلك أن تتصرف الولايات المتحدة بمفردها دون مساعدة من دول أخري.
ويقول التقرير أنه يتعين علي الولايات المتحدة في بعض الأحيان إجبار الدول الأخرى علي وقف ما تري أميركا أنه أنشطة تساعد من تصفهم واشنطن بالإرهابيين.
وبصورة واضحة يتطلب التقرير الاستراتيجي الجديد من الولايات المتحدة الحفاظ على تفوق عسكري لا مثيل له للانتصار علي الإرهاب و أسلحة الدمار الشامل.
ويقول التقرير أن امتلاك قوة عسكرية ونفوذا لا ينافس ولا يضاهي يمكن الولايات المتحدة من تحمل الأعباء والمسئوليات والفرص أمامها, مشيرا إلي أنه يجب أن تستخدم قوة أميركا في وضع نظام قوي يحافظ على الحرية في العالم.

الدول المارقة
وخلص التقرير الأميركي الذي يرسم ملامح الاستراتيجية الأمنية الجديدة التي يطلق عليها (عقيدة بوش)، إلى أن نهاية الحرب الباردة والعلاقات الجديدة بين الولايات المتحدة من ناحية وكل من روسيا والصين من ناحية أخري سمحت لأميركا بالنظر من جديد في الاستراتيجية والسياسة الأمنية الوطنية.
وأشار التقرير بصورة مباشرة إلي أن هجمات 11أيلول (سبتمبر) حددت الجهة التي يجب علي الولايات المتحدة أن تنتبه إليها مواجهة مخاوف المستقبل.
ومضى قائلاً : "لقد تتطلب الأمر منا عقدا كاملا لفهم الطبيعة الحقيقية للتهديد الجديد"، مشيرا إلي أن أهداف "الدول المارقة" والإرهابيين تجعل من غير الممكن أن تعتمد الولايات المتحدة علي رد الفعل فحسب في وضع استراتيجيتها.
ويحدد التقرير الدول المارقة بأنها تلك الدول التي تستخدم أساليب متوحشة ضد مواطنيها ولا تظهر احتراما للقانون الدولي وتصر علي امتلاك أسلحة الدمار الشامل لأهداف هجومية أو تحقيق أغراض عدائية وتدعم الإرهاب وترفض حقوق الإنسان الأساسية وتكره الولايات المتحدة وكل ما تمثله.
ويضع التقرير في تلك الفئة كوريا الشمالية والعراق، وهما أبرز عنصرين في ما وصفه الرئيس الأميركي في كانون ثان (يناير) الماضي بمحور الشر، إلا أن التقرير لم يتضمن إيران.