نجاح يوسف
&
قبل أن ترفع الستارة وينطلق الممثلون والممثلات لأداء الأدوار الموكلة إليهم. جدد المخرج تحذيراته بضرورة الالتزام بالسيناريو وعدم الخروج عن النص. ولقد أختار هذا المخرج القدير العديد من الممثلين الذين سبق وان شارك عدد منهم في أعمال مسرحية سابقة, وأدوا أدوارهم ببراعة نالت استحسان النقاد رغم فشل تلك الأعمال جماهيريا. !!&
وبالرغم من مجهودات المخرج في مقاربة أحداث المسرحية للبيئة العراقية, إلا أنها باءت بالفشل, فلم يكن اختيار قاعة المسرح والديكور موفقا, وليس لهما علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالحدث أو بالبيئة. وكأنه يراد لهذه المسرحية أن تفشل ومنذ البداية !! أما الممثلون ورغم كثرة البروفات التي شاركوا بها فما زال الارتباك والرهبة ظاهرين على محياهم ولم ينجح المكياج الداكن حجب ذلك.& والغريب في الأمر أن هؤلاء الممثلين, وبالرغم من سحناتهم الشرق أوسطية, وألبستهم المتنوعة والتي تجمع ما بين القديم والحديث,في بلاد الرافدين, يتحدثون ويتحاورون بلكنة أجنبية وبلهجات عدة, لا يجمعها جامع.& والأهم في ذلك, يبدو أن ممول هذا العمل المسرحي والمخرج قد اتفقا على عرض هذه المسرحية فقط لوسائل الإعلام وهيئة نقاد منتقاة بدقة لكي يجري تقييمها بالشكل المتفق عليه.!!.
ما يحز بالنفس حقا أن هؤلاء الممثلين الهواة, يظنون أنهم وبمسرحيتهم الهزيلة هذه, قادرون على انتحال شخصية الإنسان العراقي الصامد والمناضل والثائر الذي وطيلة أكثر من ثلاثة عقود قدم ولا يزال يقدم حياته ثمنا لحرية الشعب وسعادته. واليوم يخرج علينا من كان يحمل بيده سيفا أو مدفعا, يقتل به أبناء شعبنا, منذ شباط الأسود وإلى يومنا هذا, ليذكر شعبنا, بأنه ضحية همجية النظام ودمويته, وأن هناك جزارا في بغداد, كان حليفه يوما ما, يجب التخلص منه!! أما كيف, ففكرة المسرحية أعدت, وبالصورة الآتية:

أولا: يجب عليك يا شعب وادي الرافدين أن تؤيد المشروع الإنساني الأمريكي. تحرير العراق.& عبر حرب مدمرة وضروس, أو كما بدأ يصفها البعض بحرب عالمية ثالثة!! لأنها الحل (الوحيد) القادر على منازلة الدكتاتور وآلته القمعية ودحرهما!! لا يهم حجم الضحايا من شعبك, والتدمير الهائل الذي سيطال ما تبقى من البنية التحتية.& فصدام قد قتل الألوف من أبناء شعبك, ومستعد لقتل المزيد.& فلا تنصت لصيحات ونداءات دعاة السلام, فهؤلاء هم الرعاع. من أساتذة الجامعات وطلاب وعمال ومثقفين وأحزاب يسارية وممثلي الكنائس والجوامع. كل هؤلاء لا يريدون مصلحتك, بل العداء لمفاهيم الحرية والديمقراطية!!!&&&

ثانيا: يجب يا شعب العراق أن تتنازل عن حقك بالعيش بحرية على أرض وطنك, وتترك الأمور المهمة بأيدي (أمينة) تعرف جيدا كيف تديرها.& وأمامك النموذج الأفغاني !! وبعد مرور عام على (تحريره) باستخدام الأسلحة الذكية وغير الذكية, لم يقتل بها غير بضعة مئات من المارقين والإرهابيين, وعشرات الألوف من السكان العزل فقط !! وسيكون لك مجلس (لويا جيركا) يرسخ الطائفية في البلاد, التي هي صمام أمان (للمحرر) ووبال على العراقيين!! فما زال الشعب العراقي غير مؤهل لممارسة الديمقراطية, ولا بد من توعية الشعب لفترة قد تطول, من اجل استكمال مستلزمات بناء الديمقراطية في عراق الحضارات!!
ثالثا: عليك تطبيق جميع قرارات الأمم المتحدة التي وقع عليها الجزار صدام حسين (الحليف سابقا) في خيمة صفوان دون قيد أو شرط.& وهذا يعني بالضرورة أن تلك القرارات لم تكن تستهدف النظام, مرتكب الجريمة, وإنما الشعب العراقي برمته والذي انتفض ضد النظام وقمعت ثورته بدعم وإسناد من (محررك) المزعوم الحالي.& وإن لم تكن كذلك فلماذا يتحمل الشعب وزر جرائم طاغية, أقسى جرائمه هو قتل الألوف من أبناء شعبه الكرد بأسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليا. ؟؟
رابعا: رغم أن (محررك) ليس طامعا بنفط العراق الغزير, فإنه ومن دافع الحرص على مصلحتك, فإنه سوف يزودك بالتكنولوجيا الحديثة والخبرات (لم تكن لديك مثلها من قبل) لكي يساعدك على استخراج وتسويق النفط وبأسعار مغرية لكي تستطيع المنافسة في السوق العالمية وبذلك يكون بإمكانك دفع فاتورة حمايتك من الأعداء وبقاء القوات المحررة في بلادك, ومن ثم بناء اقتصاد البلاد المدمر..ولا تنسى أن محررك بحاجة إلى جهودك لتنفيذ مخطط رسم المنطقة وبما يخدم مصلحته وأهدافه الستراتيجية !!&&
هذه باختصار, الرسالة التي يريد مخرج المسرحية أن يوصلها لمن يهمه الأمر. وهذا ما ينوي هؤلاء الممثلون إنجازه من اشتراكهم في هذا العمل المسرحي الهزيل.& أما شعبنا العراقي في الداخل والأحزاب والقوى الوطنية الأخرى التي لم تستهوها المغريات وبقيت ملتزمة بمبادئها ومصداقيتها تجاه وطنها ورفضت المشاركة في هذه المسرحيات العقيمة والبائسة, ستبقى تعمل من اجل جمع شمل المعارضة الوطنية العراقية وتحقيق برنامجها الوطني الديمقراطي, خاصة وإن ملامح وأهداف الحملة العسكرية الأمريكية باتت واضحة للعيان.
إن شعبنا العراقي يريد من ممثليه الحقيقيين أن يوحدوا صفوفهم وجهودهم ويضاعفوا من نضالهم في الداخل أولا,& والضغط المستمر على الجامعة العربية, والأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموما لتنفيذ التزاماته تجاه شعبنا وهو حمايته من طغيان صدام من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 688, أسوة بالقرارات الأخرى, وإجراء انتخابات حرة وديمقراطية في العراق تحت إشراف الأمم المتحدة كما حدث في بلدان عدة. وسحب الاعتراف من نظام صدام إن رفض ذلك ومنع التعامل معه, وتقديمه للمحاكمة للجرائم التي ارتكبها بحق شعبنا& عموما. وبذلك فقط نستطيع درء المآسي والويلات التي سيجلبها معه قانون تدمير العراق واحتلاله.
ثم نسدل الستارة بهدوء دون نوقظ الجمهور.