تونس - خاص بـ"إيلاف": شدد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي في خطاب القاه اليوم على الخيار الاصلاحي والديموقراطي في البلاد، وقال اننا لن نحيد عن الاصلاح السياسي والتعددية التي حقنناها وان لاتراجع في ذلك،والخطاب هو اشارة لانطلاق الاعداد للمؤتمر السنوي للحزب الحاكم الذي يقوده الرئيس بن علي.
وتنشر "إيلاف" في الآتي نص الخطاب:
نلتقي اليوم في هذا الجمع المتميز من المناضلين لنعطي إشارة الانطلاق لاستعدادات حزبنا لمحطة سياسية كبرى، هي انعقاد مؤتمرنا القادم الذي قررنا أن يلتئم من 28 إلى 31 جويلية 2003.
وإني أتوجه في هذه المناسبة بعبارات التقدير إلى سائر مناضلي التجمع ومناضلاته وإطاراته، بمختلف هياكله في الداخل والخارج، مكبرا ما يحدو الجميع من روح نضالية ومقدرا عطاءهم وجهودهم، لنشر مبادئ التجمع وتحقيق أهدافه.
إننا نعمل من أجل أن يظل حزبنا على الدوام حزب الأغلبية والريادة وبناء المستقبل. حزبا نعتز به ونفتخر بتاريخه الوطني العريق، ونؤدي أمانة الوفاء لمبادئه ليبقى للأجيال القادمة خير مرجع لكل من يناضل من أجل تونس، لا ولاء له إلا لراية الوطن.
وهي مناسبة نجدد فيها التحية للمقاومين والمناضلين الذين أسهموا في ملحمة الكفاح الوطني وبناء دولة الاستقلال، مؤكدا ما يحظون به لدينا من عناية وتبجيل، إكبارا لمنزلتهم، وتكريسا لترابط الأجيال في حزبنا العريق، ووفاء لتراثنا النضالي الزاخر بالأمجاد والبطولات.
لقد برهن التجمع عن جدارته بأمانة التغيير، وجسمها في الواقع السياسي للبلاد منذ أن بادرنا بإنقاذه، وإصلاح أوضاعه، وتجديد مرجعيته، وتطوير أساليب عمله، وتعزيزه بالنخب والكفاءات، وفتحنا مجال النضال في صفوفه أمام الشباب، والمرأة، وذوي العزائم الصادقة من مختلف الشرائح الاجتماعية.
لقد منا بقدرات حزبنا وبالطاقات الكامنة فيه، وأذكيناها وكان التغيير نفسا جديدا انبعث في حزب عريق، فتمكن من الإضافة والتطور ومواكبة واقع البلاد والعصر، بفضل ما توفر له من كفاءات وهياكل مفتوحة دوما للنضال والمبادرة.
وكان حزبنا كعادته في الموعد مع التاريخ، إذ تفاعل مع خياراتنا الإصلاحية، وحمل توجّهاتنا، وانخرط في ما رسمنا له من برامج نابعة من مشروعنا الحضاري.
إن من شواهد المجد لحزبنا منذ انبعاثه في العشرينات من القرن الماضي أن سطور تاريخه وتاريخ الكفاح والمسيرة الوطنية، مرسومة بدماء الشهداء وتضحيات المناضلين والمناضلات على نفس الصفحة.
وبتلك الروح الوطنية كان التجمع في مستوى الآمال المعقودة عليه، في مسيرة الإصلاح والتغيير التي لم تخل على مدى عقد ونصف من التحديات التي رفعناها والرهانات التي كسبناها. ورفع حزبنا شعار "المثابرة" بعد "الإنقاذ"، مواصلة للجهد، وترسيخا للخيارات، وصيانة للمكاسب، وإثراء للإنجازات. ثم تطلع إلى مرحلة "الامتياز" التي سعينا إلى بلوغها بإرادة قوية، وثقة بالنفس، وتفاؤل بالمستقبل.
إنها مسيرة نضالية، قطعناها بنجاح على درب الإصلاح والنماء، هيأت لتونس أسباب التعبئة الشاملة، لإنجاز برامجنا الوطنية ومخططاتنا، في توافق وتكامل بين كل مكونات مجتمعنا وفئاته وجهاته. واضطلع فيها التجمع بدور الريادة، إذ كان مناضلوه ومناضلاته بالداخل والخارج، في طليعة حملة لواء الإصلاح والتحديث.
وإذ نستحضر اليوم باعتزاز ما سجله التجمع من نجاح في مهامه الوطنية النبيلة، فإننا نستمد منه ما يحفزنا على مزيد العمل والكد، ويدفعنا إلى المثابرة على البذل والعطاء، استعدادا للمرحلة القادمة، وتأهبا لما ينتظرنا فيها من رهانات هي من جوهر طموحنا إلى الأفضل، وحرصنا الدائم على السمو بتونس إلى أعلى مراتب التقدم والرقي.
أيها المناضلون،
أيتها المناضلات،
إن المؤتمرات محطات بارزة في مسار الأحزاب السياسية، لتعميق رؤاها وتقويم ما أنجز، وبلورة السياسات والبرامج، واستشراف المستقبل وترسيخ الوعي بالرهانات والتحديات.
ويكتسي المؤتمر القادم للتجمع أهمية بالغة، باعتبار ما يحمله من دلالات في هذا الطور من التقدم على درب البناء الحضاري الشامل ؛ فهو حدث وطني يتابعه الجميع على الساحة السياسية وفي داخل الحزب وخارجه.
إنه المؤتمر الرابع في عهد التغيير نستهل به قرنا جديدا وهو مؤتمر حزب متجذر في التاريخ متواصل الحيوية متأهب للمستقبل، ندخل به مرحلة جديدة على درب الإصلاح السياسي، تلك المرحلة التي رسم معالمها الدستور الجديد الذي رسخ مبادئ الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان في بنائنا الجمهوري، وهيأ لبلادنا أسباب التقدم والمناعة.
وكان التأييد الواسع الذي حظي به ذلك الإصلاح في أول استفتاء عام في تاريخ البلاد، شاهدا حيا على تفاعل التونسيين والتونسيات مع ما نتخذه من مبادرات وإجراءات، نابعة من إيماننا بجدارة شعبنا بحياة سياسية متطورة.
إننا في مرحلة تاريخية، رسمنا فيها لتونس من الأهداف أفضلها، ومن الآفاق أوسعها، معولين على قدرات شعبنا وتعلق التونسيين والتونسيات بالبذل والعمل من أجل كسب الرهانات وتحقيق طموحات أجيالنا الناشئة.
ومما يضفي على مؤتمرنا الرابع أهمية خاصة أننا نستعد من خلاله لمواعيد سياسية بارزة في مقدمتها الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2004، ونعمل من أجل أن يبقى التجمع الدستوري الديمقراطي خير من يجسم طموحات شعبنا وإرادته.
إنها مرحلة نستكمل فيها برنامجنا المستقبلي الذي أردناه سبيلا إلى مزيد التقدم ببلادنا على مدارج الرقي والرفاه، ومرحلة ننجز فيها المخطط العاشر للتنمية، الذي نقطع به خطوات جديدة في تعزيز مكاسب بلادنا. وإن للتجمع دورا هاما في التعريف ببرامجه وأهدافه وفي تعبئة كافة القوى من أجل إنجاحه ونحن نعول على هذا المؤتمر لبلورة أفضل الصيغ لتحقيق تلك الغايات. وإن عزمنا قوي وإرادتنا ثابتة، لأننا واثقون بقدرات شعبنا، رغم ما يميز الوضع العالمي اليوم من صعوبات، وما قد يبرز من تحديات من جراء تغير الظروف أو ثار التحولات العالمية العميقة.
ونحن نريد لحزبنا، الرائد على الدوام، أن يبقى دائما في طليعة القوى الدافعة نحو المستقبل الأفضل، ومصدرا للنضالية والحماس ومعينا لا ينضب لروح البذل والتضحية، ومدرسة للوطنية والكد والاجتهاد، تشحذ العزائم وتعزز ثقة التونسيين والتونسيات بأنفسهم وتفاعلهم مع خياراتنا الوطنية. إن في قوة حزبنا واقتداره ركيزة أساسية لتقدم البلاد ومناعتها.
إن الرهانات التي تنتظرنا كبيرة سواء حضارية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية، فمنها ما يتصل بالتحولات العميقة التي بدأت تطرأ على بنية المجتمع الديمغرافية وما يرتبط بنمو الاقتصاد الوطني، وانخراطنا في مجتمع المعرفة، ومنها ما يطرحه اندماج بلادنا في محيطها العالمي لا فقط بفعل تقدم برنامج الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بل وكذلك بحكم العولمة وتنوع علاقاتنا التجارية وتشابك مصالحنا مع الأشقاء والأصدقاء، في ظرف تميزه اليوم المكانة المتنامية للتكتلات الجهوية في الاقتصاد العالمي.
لذلك فإننا حريصون كل الحرص على أن يكون المؤتمر القادم لحزبنا ومختلف فعاليات الاستعداد له على المستويات المحلية والجهوية والوطنية، فرصة متميزة للتفكير والنقاش لبلورة الرؤى المستقبلية وتعميق الوعي بالرهانات المطروحة وصياغة السياسات والبرامج، واستشراف السبل الكفيلة بتحقيق أهدافنا، وتجسيم خياراتنا.
ونحن ندعو كافة هياكل التجمع من شعب وجامعات ولجان تنسيق إلى بذل جهودها حتى تكون رزنامة نشاطها للفترة القادمة، رزنامة مفتوحة لفضاءات الحوار حول تلك المشاغل الوطنية، تشارك فيها جميع فئات المناضلين والمناضلات من مختلف الأجيال حتى تكون مشاريع لوائح مؤتمرنا مراجع تعكس بعمق ثوابتنا وخياراتنا وطموحات شعبنا بكل شرائحه ؛ فالتجمع الدستوري ليس حزب فئة أو جهة، إنه حزب لكل التونسيين والتونسيات.
وإن لحزبنا في ذلك العمل مرجعياته الفكرية والسياسية، نستحضر أسسها ومبادئها، ونستثمر حصيلة الندوات واللقاءات ومختلف أعمال لجان التفكير التي انعقدت على مختلف المستويات. كما نستأنس بما أفرزته فضاءات الحوار المحلية والجهوية والوطنية حول البرنامج المستقبلي، وما انبثق عنها من تصورات ومقترحات بشأن القضايا المطروحة.
إن دور القواعد في مسيرة الحزب وإشعاعه دور أساسي، وهو من ثوابت تصورنا لعمل التجمع ولرسالته النضالية. وقد أكدت في عديد المناسبات أن القواعد التجمعية تظل دائما صاحبة المبادرة في نشاط الحزب، ومنطلق القرار في كل ما يتعلق بمسيرته.
ونحن نأذن بأن يبدأ عمل اللجان التحضيرية للمؤتمر في المستوى المحلي بداية من يوم غد، بمشاركة جميع الشعب والجامعات الترابية والمهنية داخل البلاد وخارجها، تمهيدا لعمل اللجان التحضيرية الجهوية التي ستعتمد تقاريرها في صياغة مشاريع لوائح المؤتمر من قبل اللجان الوطنية.
وإني أدعوكم إلى العمل على تكثيف مشاركة كافة فئات المناضلين من مختلف الأجيال في أشغال هذه اللجان. كما أدعوكم إلى إيلاء اسهام الكفاءات والمثقفين والمبدعين والجامعيين في إعداد المؤتمر عناية خاصة. ولاشك أن هذه الفرصة ستكون حافزا أيضا على مزيد تنشيط هياكلنا القاعدية بالخارج لتكون مشاغلها واهتماماتها حاضرة في أعمال مؤتمرنا بما يتلاءم مع المنزلة الرفيعة التي نوليها إياها دائما. وتعزيزا لهذا التوجه، فإننا سنعمل على دعم حضور التونسيين بالخارج في المؤتمر مع إيلاء عناية خاصة في ذلك إلى الجيلين الثاني والثالث للهجرة.
ولما كان الشباب في مرجعية التغيير والإصلاح من بين القوى الدافعة إلى مزيد التطوير والتحديث، وانطلاقا من قناعتنا الراسخة بأن النضال في صفوف حزبنا هو نضال مشاع بين جميع الأجيال والفئات، فإني أوصيكم بالعمل على أن يكون حضور الشباب حضورا فاعلا في مختلف مراحل إعداد المؤتمر لإثراء توجهاته برؤى الشباب للمستقبل، وتكريسا لمراهنتنا الدائمة على الشباب.
إن التجمع حزب المستقبل ، هو حزب للشباب مثلما هو حزب لبقية أجيال المناضلين والمناضلات. وإن في توسيع مجال المشاركة أمام الشباب بكل أصنافه وفي مقدمتهم طلبة التجمع، ما يعزز حضوره في مواقع المسؤولية داخل هياكلنا، ويضمن تواصل تجدد الطاقات في حزبنا.
كما أدعوكم إلى أن يكون المؤتمر القادم للحزب، فرصة لمزيد تكريس حضور المرأة في صفوف التجمع، بعد أن شجعناها على العمل السياسي، ويسرنا لها سبيل تحمل المسؤولية، بفضل عديد الإجراءات المعبرة عن قناعتنا الثابتة بأنه لا تقدم للمجتمع بدون المرأة، وبأن حرية المرأة وإشعاعها إنما يكتملان بنشاطها الاجتماعي ومشاركتها في الحياة العامة.
إن مؤتمر حزبنا سيكون محل متابعة الملاحظين واهتمامهم على الصعيدين الوطني والدولي. وإننا حريصون على أن يكون هذا المؤتمر محطة بارزة على طريق الإصلاح ببلادنا نعزز فيها المكاسب ونطور آليات العمل الحزبي وقدراتنا الفكرية والتنظيمية ؛ وذلك تكريسا لما بلغه حزبنا من نضج وتطور نوعي في أدائه وفي أساليب عمله وأنشطته، وفي برامجه وأهدافه.
إننا نريد لحزبنا أن يكون على الدوام فضاء للحوار تطرح في رحابه كل المواضيع بمسؤولية وصراحة، فضاء لحرية التفكير والتعبير ومدرسة للديمقراطية. وإن حرصنا على تثبيت هذا الخيار في كل نشاطات التجمع، ينبع من إيماننا بأن تكريس الديمقراطية في البلاد يبدأ في رحاب التجمع.
ونحن عازمون على أن يكون المؤتمر القادم للحزب مناسبة لدعم هذا التوجه، وتأصيل الممارسة الديمقراطية لدى مناضلينا ومناضلاتنا في كنف الطموح المشروع والمنافسة النزيهة وتعزيز سبل مشاركتهم في صياغة خيارات حزبنا.
إن أمام بلادنا تحديات كبرى نحن عازمون على رفعها لتحقيق الهدف الذي رسمناه لتونس حتى ترقى إلى منزلة البلدان المتقدمة . فهو الهدف الذي وضعنا في ضوئه البرنامج المستقبلي ومخطط التنمية والإصلاح الدستوري، ووظفنا لتحقيقه قدرات بلادنا وذكاء شعبنا، لنقيم جمهورية الغد على أفضل الأسس ونبني مجتمع المعرفة بكافة مقوماته التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، المجتمع المتقدم المتماسك المتضامن، المجتمع الراسخ في هويته وثوابته الحضارية المتمكن من أسباب الحداثة، مجتمع الرفاه والتنمية الشاملة المستديمة.
وهو ما يضفي على المرحلة المقبلة وعلى دور حزبنا فيها أهمية تاريخية متميزة بحكم موقعه الريادي ومكانته في البناء الوطني، لذلك فقد قررنا أن يكون شعار مؤتمرنا الرابع "مؤتمر الطموح"، بكل ما يحمل هذا الشعار من معاني التفاؤل والعزم والإرادة والتحدي، والاستعداد للبذل والتضحية، من أجل تونس، وعزة شعبها.
وإذ ستكون الفترة القادمة، فترة نشاط حثيث وحركية سياسية رفيعة المستوى تثري مسيرة حزبنا وتؤكد حضوره في كل شبر من أرض الوطن، فإن حزبنا سيواصل بنفس الروح النضالية أعماله الميدانية ومشاركته النشيطة في الحياة العامة على كافة الأصعدة.
وإن حزبنا الكبير بحجمه ومكانته قد حرص باستمرار على أن لا يقتصر عمله على المواعيد والمناسبات، مهما كان حجمها، فقد اخترنا أن يكون نشاطه متواصلا على وقع مشاغل المواطن واهتمامات شعبنا، حزب لا تتوقف هياكله عن البذل والعطاء النضالي سواء تعلق الأمر بالاستقطاب والتعبئة والتحرك الميداني، أو بالتكوين والتثقيف السياسي، وبالعمل التضامني، وبسائر صيغ التأطير والإحاطة.
إننا واثقون بتوفق حزبنا في هذه المرحلة التي تقبل فيها بلادنا بكل تفاؤل على المستقبل، مثلما توفق في مهامه السابقة.
إن التجمع الدستوري الديمقراطي حزب التغيير والإصلاح وحزب المستقبل كان دائما في مستوى الأمانة.
أيها المناضلون،
أيتها المناضلات،
إننا نتقدم بتونس على درب الحداثة والرقي، متمسكين بمقومات هويتنا الوطنية، مستلهمين من تراثنا الحضاري العريق ما يدفعنا إلى مزيد الإنجاز والإضافة. وقد اخترنا لبلادنا سبيل العمل والكد، والسير بها في مسالك التنوير والتحديث، و في مدارج المعرفة والعلوم والرخاء والنماء، لتبقى تونس واحة أمان واستقرار، وأرض تسامح واعتدال، ومنارة حضارية مشعة على الدوام.
هذا هو مشروعنا الذي في إطاره نعمل وننجز ونخطط للغد الأفضل. وهذا هو منهجنا الذي نتقدم فيه بخطى ثابتة منذ بدأنا مسيرة الإصلاح والتغيير.
ونحن نراهن على حزبنا العتيد، وعلى مناضليه ومناضلاته في الداخل والخارج، لتحقيق هذا المشروع في أنبل أهدافه والوصول به إلى أبعد غاياته، تفانيا في خدمة شعبنا وإعلاء شأن بلادنا.
قال تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.