يحي أبوزكريا
&
بكثير من الارتياح استقبلت الأوساط الديبلوماسيّة والاسلامية في السويد وأوروبا صدور الترجمة العربيّة لكتاب الديبلوماسي السويدي انغمار كارلسون Ingmar Karlsson والذي يحمل عنوان: "أوروبا والاسلام. تعايش أم مجابهة."
في بداية كتابه يوضح كارلسون أنّ الغرض من كتابه هو تسليط الضوء على الاسلام الذي يعتقد الكثير في الغرب بأنّه يشكّل تهديدا لأوروبا بينما هو في الحقيقة غير ذلك تماما, كما من شأن الكتاب أن يساهم في ايجاد سياسة متوازنة للتعامل مع المهاجرين وتحديدا القادمين من العالم الاسلامي. ويستطرد كارلسون قائلا بأنّ الاسلام ليس غريبا عن أوروبا كما يتصوّر العديد من الأوروبيين,&فبالأمس القريب عرفت الأندلس الحضارة الاسلامية والتي استقى منها الغربيون العديد من علومهم من فلسفة وثقافة وفن.
ويقول كارلسون أنّ الغربيين والأمريكان على وجه التحديد درجوا على وصف العربي المسلم بأنّه ارهابيّ وعنيف وسخيف ومضحك ومتملق وحديث النعمة وغير موهوب وداهيّة وماكر ( هذه الأوصاف ترجمتها حرفيّا من كتاب كارلسون أي هكذا وردت في كتابه ), وحسب كارلسون فانّ وسائل الاعلام والعديد من الكتّاب في الغرب ساهموا في تكريس هذه الصورة في ذهنيّة الانسان الغربي,&ويسرد في مقدمة كتابه عشرات الكتب والدراسات والمقالات التي كتبت في الغرب وكلها تتحامل على العالم العربي والاسلامي والتي وضعت لأغراض سياسيّة بحتة,&وليس لأغراض معرفيّة وعلميّة,& وأنّ كل الذين كتبوا عن الاسلام هم في الواقع ينجزون ويزاولون في الوقت نفسه عملا سياسيّا.
وفي الفصل الثاني من الكتاب يحاول كارلسون جاهدا ابراز خصوصيّة المدرسة الاسلاميّة مفرقا بينها وبين القومية أو السياسويّة التي تقف وراء العديد من نظم الحكم في العالم العربي والاسلامي, ومن تمّ يمضي كارلسون شارحا خصائص المدرسة الاسلاميّة وخصائص المدرسة الديموقراطيّة,&ويوضح أنّ كلا المدرستين لهما خصائصهما ومفرداتهما,& وفي نظره فانّ هذا لايعني بأنّ الاسلام لا توجد فيه خاصيّة الديموقراطيّة أو الشورى بل انّ الاسلام كان سباقّا الى فكرة أهل الحل والعقد والذين يسميهم كارلسون باللغة السويدية:& - Bindandets och l?sandets folk -.
ويعترف كارلسون بأنّ الاسلام هو بحق خيار ثالث,& فالعالم الذي تعرفّ في المائة سنة الأخيرة الى مدرستين فكريتين هما المدرسة الاشتراكية والمدرسة الرأسماليّة تجاهل للأسف الشديد المدرسة الاسلاميّة التي تشكّل نهجا مغايرا ومتميزا في الرؤية السياسيّة كما في الرؤية الاقتصاديّة.
ثمّ يجول بنا كارلسون في العديد من الأقاليم الاسلامية معرفّا بالحالة الاسلامية في هذا الأقليم وفي ذاك,& وتحديدا البلاد الاسلاميّة التي كانت خاضعة للسيطرة الروسية كأفغانستان,& ثمّ يغوص كارلسون في تفاصيل الوجود الاسلامي في مجمل الدول الأوروبيّة كفرنسا وبريطانيا واسبانيا وغيرها,& ويحاول رسم معادلة الاسلام في أوروبا راهنا ومستقبلا. ومما لا شكّ فيه كما يقول كارلسون فانّ المسلمين باتوا جزءا لا يتجزأ من الواقع الغربي, وتدلّ على ذلك الاحصاءات الأخيرة عن عدد المسلمين في كل اقليم أوروبي. وينهي كارلسون كتابه المهم للغاية والذي أصبح مرجعا لكثير من الدوائر الديبلوماسية في أوروبا أن الاسلام والمسيحية جاران بل أخوان وكلاهما صدرا من ربّ واحد ولخدمة أهداف واحدة ولخدمة الانسانية جميعا. وبناءا عليه فانّ قدر أوروبا أن تتعايش مع الاسلام لا أن تجابهه. ويقول كارلسون انّ أوروبا الموحدة لا يمكن أن تخرج من معادلتها بتاتا اللون الأخضر الذي هو شعار المسلمين. وبامكان الحمراء الأندلسية - نسبة الى قصر الحمراء الذي بناه المسلمون في الأندلس - أن تكون مثالا يحتذى به الأوروبيّون في مسألة حوار الحضارات وتعايشها.
والكتاب في مجمله قراءة جديدة للاسلام, قراءة فيها الكثير من الانصاف والاعتدال, وقد تسنىّ للديبلوماسي السويدي أنغمار كارلسون أن يعايش قضايا العالم الاسلامي من خلال عمله كديبلوماسي, وتجدر الاشارة الى أنّه صدرت في السويد عشرات الكتب بل مئات الكتب التي تتحدّث عن الظاهرة الاسلامية وأقلّ ما يقال فيها أنّها تحمل توجهّا يختلف جملة وتفصيلا عن توجهّات الدراسات المتحاملة على الاسلام في العديد من المواقع الغربية, وقد ازدهرت هذه الدراسات في العشرية الماضيّة بشكل لم يسبق له مثيل, كما أنّ في جعبة دور النشر السويدية والأوروبيّة عموما العديد من العناوين التي سترى النور قريبا والتي تتناول الظاهرة الاسلامية في مختلف أبعادها وتفرعاتها !!!