*عرف العرب مؤخراً من هو الأمريكي القبيح
*العرب أمة فاشلة وجميعهم قطعان من المستهلكين


إيلاف: أشارت "إيلاف" في الحلقة الثالثة" إلى قصة العداء بين الشيخ الطريقي وشركة أرامكو الأمريكية، وكيف أن الطريقي قد ناصبها العداء، بحثاً عمّا يحقق مصلحة بلاده، إلا أن الطريقي وبعد أن تجرد من أعماله الرسمية، وتفرغ للكتابة في مجال النفط والغاز العربي، شنّ هجومه على الإدارة الأمريكية، وعلى شركات البترول الأمريكية، وقد أشار إلى أنه تلك الشركات، لم تكن شركات اقتصادية خالصة، بل هي شركات سياسية، ويفرق الطريقي في مقالاته، بين الشعب الأمريكي وبين حكومته، بين القساوسة ورجال المال الأمريكيين، وكان هجوم الطريقي على أمريكا، قد بدأ بعد هزيمة 1967م وقد حاول الطريقي أن يؤرخ العلاقة فيما بين العرب والولايات المتحدة الأمريكية.
هجوم الطريقي على أمريكا، كان يجدُ صداه هناك، وقد صنفته الصحف الأمريكية على أنه "العدو الأول" ولأن من لم يكن مع أمريكا في ذلك الوقت، فهو ضدها في المعسكر الشرقي، فقد نعتته الصحافة الأمريكية مرات عدة بـ"الشيخ الأحمر"& .
يقول الطريقي، في مجلته "البترول والغاز العربي" عام 1968م : "لم تُبلَ أمة من الأمم بعدوٍ، لم تسع لاكتساب عداوته، كما بليت الأمة العربية بعداوة الولايات المتحدة الأمريكية لها فهذه الدولة العظيمة مالياً واقتصادياً وعسكرياً صغيرة إلى حدٍ كبير في نظرتها إلى دول العالم نظرة عادلة وبدون تحيز، فنحنُ العرب قد بُلينا بهذه الدولة، ووجدنا أنفسنا وبدون سابق إنذار أمام عدوٍ شرسٍ مُصرٍ على أن يسيء إلينا، وأن يتسبب في تشريد الملايين من أبناء أمتنا، فلماذا يا ترى يفعل الأمريكيون بنا هكذا وبدون استفزاز؟ "
ويبحث الطريقي في جذور علاقة العرب بالولايات المتحدة الأمريكية، ويفرق بين قساوسة ومبشري أمريكا، وبين رجال الشركات من ذوي الطباع الشرسة، قائلاً: "لم تكن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية، بالبلاد العربية قبل الحرب العالمية الأولى ذات أهمية لكلا الطرفين، فالعلاقة كانت محصورة بالمهاجرين العرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية بحثاً عن حياة أفضل، وقدوم القساوسة والمبشرين الأمريكان إلى البلاد العربية لنشر التعاليم المسيحية، مستخدمين الأطباء والمدرسين كأداةٍ لتحقيق أغراضهم، وكان هؤلاء من ذوي الخلق الحسن، أدى معظمهم واجبه بإخلاص، وإن كانت مهمتهم التبشيرية قد فشلت، فإن مهمتهم الإنسانية قد نجحت كثيراً، وكلنا يذكر القس السمين الذي كان يمتطي صهوة الجواد العربي في الكويت، كما أن عدداً كبيراً من العرب في الخليج والجزيرة لا زالوا يترحمون على أيام الدكتور ديم في البحرين.
ويضيف الطريقي في مجلته "نفط العرب" عام 1973م قائلاً: "بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي اشتركت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بجانب الحلفاء الغربيين أصرت كمكافأةٍ لها على اقتسام الغنائم، فطلبت لشركاتها النفطية تطبيق مبدأ "الباب المفتوح" أي السماح لشركاتها النفطية بالاشتراك في امتيازات البحث والتنقيب وإنتاج النفط في البلاد العربية، وأثناء الحرب العالمية الثانية أظهرت حكومة الولايات المتحدة اهتماماً شديداً بنفط الشرق الأوسط، وبعد الحرب عاد الأمريكان بجميع قدراتهم الفنية والمالية إلى المنطقة العربية، وقد كان القساوسة والمبشرون الأمريكان على جانبٍ عظيم من التواضع، أما رجال الشركات الذين أتى عدد كبير منهم من ميادين القتال إلى حقول النفط فمعظمهم من ذوي الطباع الشرسة والأخلاق الجافة، وكانوا يتعالون على الشعوب العربية ويحيطون أنفسهم بسياجٍ من الأسلاك لمنع تسرب العرب والمواشي إلى بيوتهم المكيفة الهواء وحدائقهم الغناء، لذلك عرف العرب أن أمريكان النفط يختلفون عن أمريكان التبشير، وعرفوا لأول مرة ما سمي بـ"الأمريكي القبيح" الذي يحاول تحقيق أغراضه غير متورعٍ بحصانه أخلاقية أو دينية، كما كان يفعل الأمريكي الأول الذي عرفه العرب، وعرفَ العربَ، وإن رجل النفط قد يكون في نفس الوقت رجل المخابرات الأمريكية، وهكذا اختلط على العرب الأمر وفقدوا القدرة على مواجهة عدة مالهم من مجاملته بدُّ ! ".
وفي نصيحةٍ لزعماء وقادة العرب، يقول: "إن الحضارة الغربية، ويجب أن يعرف ذلك جميع الزعماء والقادة العرب، تعتمد على الصناعة بالدرجة الأولى، والصناعة تعتمد على الطاقة وأفضل أنواع الطاقة وأرخصها بالنسبة للصناعات الحديثة هي النفط، والخوف من نضوب مصادر النفط في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها قد دفع الأمريكان منذُ انتهاء الحرب العالمية الأولى إلى السير في جميع الاتجاهات خارج بلادهم بحثاً عن مصادر للنفط حتى أصبحت الشركات الأمريكية تسيطر على معظم مصادر النفط في العالم خارج الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية، ومع أن ما تصرفه الصناعة النفطية الأمريكية داخل الولايات المتحدة قد تضاعف، إلا أن الزيادة في الاحتياطي قد توقفت ولا بد من الاعتماد على مصادر خارجية لضمان استمرار ازدهار الصناعة الأمريكية، داخل أمريكا نفسها، ولتضمن استمرار سيطرتها ونفوذها على البلاد الموالية لها والتي تمدها الشركات الأمريكية بالطاقة، كما أن سيطرة أمريكيا على موارد النفط خارج الولايات المتحدة، مكنتها من بسط سيطرتها ونفوذها على بقاع كثيرة من العالم ومكنت أساطيلها من أن تظل قلاعاً عائمة تهدد كل من يخالف رأيها ولا يسير في ركابها ".
ويُشير الطريقي إلى مخاوف أمريكا من فقد سيطرتها على النفط في الخليج العربي، فيقول: " إن كل ما تخشاه الولايات المتحدة هو أن تفقد سيطرتها على النفط في الخليج العربي، فإنها تبذل الغالي والرخيص في جعل هذه المنطقة تسبح في الفلك الذي ترسمه لها، وتظل كأمريكا اللاتينية، مقسمةً ومفككة يعبثُ بها الرأسمال الأمريكي كما يحلو له، فهي تشجع التقسيم في المنطقة وخلق كيانات سياسية هزيلة، كما أن سيطرة أمريكا على حقول النفط خارج الولايات المتحدة وخصوصا منطقة الشرق الأوسط تعطيها نفوذاً على الدول المستوردة لهذا النفط" .
ويحاول الطريقي، أن يبحث في أسباب عداوة أمريكا للعرب، فيقول: " قد يتساءل المرء: وما علاقة كل هذا بعداوة الولايات المتحدة للعرب؟ أو ليسَ من المنطق أن تحاول أمريكا وهي التي تعتمد مستقبل إمداداتها بالنفط على الأرض العربية، اكتساب صداقة العرب بدلاً من معاداتهم؟ ولكي نتفهم هذه النقطة نوضح أن الولايات المتحدة تعرف جيداً أن أمةً عربيةً متحدة متصنعة ستستهلك كميات كبيرة من الطاقة وستشكل تهديداً خطيراً لمستقبل سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية، على موارد النفط، لأن هذه الدولة لن تفرط بالنفط بمثل الطريقة الحالية التي تتبع في إخراج النفط وبيعه، كما أن هذه الدولة قد تلجأ للتأميم والمتاجرة بالنفط بالطريقة التي تحقق مصالحها القومية، فتبيعه لمن تشاء وتمنعه عمن تشاء كما تفعل الولايات المتحدة الآن مع النفط العربي"& .
وفي مقالةٍ كتبها الطريقي بعنوان "دعوا النفط المؤمم يتدفق" أشار إلى أهمية أن نفرق بين الشعب الأمريكي وبين حكومته، فيقول : " هناك مثل أمريكي يقول" لا يمكنك أن تأكل الكعكة وتحتفظ بها في نفس الوقت" وهذا المثل ينطبق على السياسات الأمريكية التي تمارسها الحكومة الأمريكية حيال الوطن العربي، فهي تريد تحطيم القوى التقدمية في الوطن العربي عن طريق بناء قاعدة عسكرية مدمرة لهم على أرض فلسطين، وفي نفس الوقت تريد السيطرة على موارد النفط العربي والأسواق العربية، وحكومة الولايات المتحدة، وهنا يجب أن نفرق بين حكومة أمريكا وشعب أمريكا، وأن الحكومة لا تمثل بالضرورة إرادة الشعب الأمريكي لأن شعب أمريكا ينتخب حكومته عن طريق انتخاب رئيسه ومجلسي برلمانه، ثم يمارس نشاطه الحياتي بعيداً عن السياسة، وقد استغل الساسة الأمريكيون والصهيونية انشغال الرأي العام الأمريكي في مشاكله اليومية وأخذوا يتصرفون بما توحي مصالحهم الخاصة " .
وعن "إسرائيل" يذكر الطريقي، أنها لم تكن كياناً دينياً لتجمع اليهود، إنما هي قاعدة أمريكية في المشرق العربي، يقول: " إسرائيل ليست كياناً دينياً هدفه جمع المتدينين من بني إسرائيل في المكان الذي نزل فيه الوحي على موسى، ولكنها في نظر أمريكا قاعدة أمريكية مائة بالمائة يملكها ويسيطر عليها يهود أمريكا لأن يهود إسرائيل وعددهم لا يزيدون عن مليونين ونصف المليون، يعتمدون في حياتهم وبقائهم على الستة ملايين يهودي الذين يحملون الجنسية الأمريكية، ولهم فيها مصالح ضخمة يستخدمونها للإبقاء على يهود إسرائيل، وهكذا تعتبر الولايات المتحدة الأراضي الفلسطينية أراضي أمريكية، ولن يكون لديها مانع في المستقبل من اعتبارها ولاية أمريكية كما فعلت مع جزر هاواي ومنطقة الأسكا" .
ويضيف في موضعٍ آخر، متحدثاً عن الهيمنة الأمريكية على إسرائيل، وعن محاولة أمريكا للقضاء على الدويلات العربية، قائلاً: " إن إسرائيل بحجمها الصغير لا تستطيع التخلص من النفوذ الأمريكي لأنها لا تستطيع مقاومة العرب لو تركت لوحدها، ولا تستطيع التوسع في إقامة دولة من النيل إلى الفرات بدون أسلحة أمريكا ومعاونتها وعلمها وضغطها على العرب وإبقائها دولاً مشتتة ضعيفة، ولذا فإن إسرائيل امتداد للأراضي الأمريكية في الشرق العربي، وستحاول أمريكا أن تقوّي إسرائيل حتى تستطيع عن طريقها القضاء على القوى التقدمية في الوطن العربي، وبعد القضاء على هذه القوى سيأتي دور الدويلات الصغيرة الباقية، إنهم لا يفرقون بين العرب ولكنهم في نظرهم عناصر متخلفة يُشكل وجودها خطراً على دولة إسرائيل الكبرى وعلى النفوذ الأمريكي " .
وعن أسباب اهتمام أمريكا بإسرائيل، يقول الطريقي: " وقد أيقنت أمريكا أنها لكي تضمن ازدهار صناعتها واستمرار سيطرتها وحلفاءها على أجزاء كثيرة من العالم، لا بد أن تكون لها قاعدة ثابتة في الوطن العربي، وقد أدركت أن خلق إسرائيل كامتداد للشعب اليهودي في أمريكا يعطيها ما تسعى إليه، ومن الثابت من الأرقام أن العالم الغربي وربما العالم الشرقي، مضطر ولمدة مائة عام إلى الاعتماد على الثروات النفطية في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى سواحل الخليج العربي، وإن ما رأيناه من تصارع بين القوى العالمية على هذه المنطقة ما هو إلا جزء بسيط مما سيحدث في المستقبل" .
ولتحقيق الاستقلال عن هذه القوى المهيمنة، يرى الطريقي بأن الحل يكمن في"& أن نأخذ موقف الحياد الإيجابي، أي أن نصادق من يصادقنا ونعادي من يعادينا فقد أظهرت أمريكا وبكل وضوح أنها عدوة لدودة للعرب، فاغتصبت أرضهم وشردت نساءهم وأطفالهم وتساعد بكل وضوح على تحقيق "إسرائيل الكبرى" .
وعن الحرب بين العرب وأمريكا، يذكر الطريقي أنها معركة وجود، يقول: "إن الحرب بيننا وبين أمريكا حربُ حياة أو موت بالنسبة لنا، والذين لا يضعون كل إمكاناتهم في المعركة الآن سيفقدون هذه الإمكانيات وسيندمون يوم لا ينفع الندم، ولعل أفضل وصف للأمة العربية في محنتها الحالية ما قاله أحد رجال البادية، بادية الجزيرة العربية، عام 1949م " إن الأمة العربية وفلسطين كعود من الحطب أحد أطرافه يحترق بالنار والطرف الآخر بارد" .
وعن سلاح المقاطعة، وتأميم الممتلكات الأمريكية بالمنطقة، يكتب الطريقي عدداً من الدراسات والأبحاث في هذا الشأن، ليتوصل إلى أنها هي الحل الوحيد للرد على التحدي الأمريكي الشرس، طارحاً عدداً من التساؤلات، يقول الطريقي مثلاً: " إذا ما تصورنا أن البلاد العربية قررت مقاطعة أمريكا رداً على التحدي الأمريكي الشرس وقررت تأميم جميع ممتلكات أمريكا وإيقاف التعامل الاقتصادي معها، فما الذي سيحدث؟ هل سيقاطع حلفاء أمريكا النفط العربي ويذهبون إلى مصادر أخرى؟ هل ستقاطع أمريكا شراء النفط العربي بعد تأميمه؟ هل ستقاطع اليابان النفط العربي؟ ثم يبرهن من خلال دراسة إحصائية دقيقة أنه ليس من السهل، بل يكاد من المستحيل أن تقاطع أوروبا واليابان النفط العربي لأن ذلك سيرغمهما ولا شك، على دفع ثمن باهظ لتغيير المصادر العربية بمصادرٍ أخرى، علماً بأن المصادر الأخرى لن تكون قادرة على الاستمرار في مدها بالنفط اللازم لآجال طويلة، كما أن مقاطعة النفط العربي معناه اضطرار كثير من الصناعات لأن تستعمل الفحم بدلا من المواد النفطية أو إيقاف كثير من الصناعات" .
ويضيف الطريقي في ذات الشأن، قائلاً: " إن تأميم الممتلكات الأمريكية هو الرد العملي القانوني والرجولي الذي يمكن أن يُقدم عليه العرب، وسيكون هذا العمل قادراً على أن يهز الرأي العام الأمريكي الذي ترك الحبل على الغارب لساسة لم يبرهن معظمه على صدق حسٍ وإخلاص لقضايا بلادهم وقضايا الآخرين، وجل همهم البقاء على مسرح السياسة لأطول مدة ممكنة، إن حرمان أمريكا من السيطرة على موارد النفط العربية وطردها من منطقتنا سيقلم أظافرها في أوربا والشرق الأقصى على الأقل" .
وعن مخاوف الحكومات العربية من عدم قدرة إدارة صناعة النفط بعد التأميم، يضع الطريقي هذه الحقائق، قائلاً: " إن السياسات التي تتبعها حكومة الولايات حيال حكومات وشعوب الدول العربية لا يمكن وصفها إلا بأنها حالة من عدم المبالاة والاستخفاف بقدرة حكوماتنا وشعوبنا على أخذ القفاز الذي يُلقى على وجوهنا، وأن مخاوف الحكومات العربية بأنها لن تستطيع من إدارة صناعة النفط بعد التأميم، يقول : الحقيقة غير ذلك، فالصناعة قد بلغت أوجها من حيث كمية النفط المخزون في الأرض الذي يمكنه أن يستمر في التدفق بالمعدل الحالي مائة عام، وهذا يعني أننا لا نحتاج إلى إجراء عمليات البحث والتنقيب عن رواسب النفط، وهذه المرحلة من صناعة النفط، هي أصعب المراحل وأكثرها مخاطرة وتكلفة، والحقيقة التي نجهلها نحن العرب، أن العمل في حقول النفط العربية، لا يقوم بالجزء المهم منه الأمريكان بل معظمه تقوم به الطبيعة، فالضغط الباطني في الحقول يدفع النفط الخام والغاز الطبيعي إلى سطح الأرض وإلى فاصلات الغاز وإلى خزانات التخزين وبعد ذلك إلى الناقلات، أي بأقل مجهود ممكن من الإنسان، وكل ما نراه من مدن أمريكية تقام على الصحارى العربية، ما هي إلا جزء من خطة الإيهام بأن الصناعة معقدة، وكان بالإمكان الاستغناء عن معظمهم لأن النفط يصدر خاماً وليس هناك صناعة نفطية بالمعنى الصحيح" !
وفي مجلته "نفط العرب" العدد الرابع 1974م وتحت عنوان " أمريكا عدوة العرب والإنسانية" يطرح الطريقي سؤالاً عريضاً عن لماذا تعادينا أمريكا؟ فيقول: " الإنسان العربي لا يجد جواباً مقنعاً لسؤالٍ ملح: لماذا تعادينا أمريكا؟ ومهما حاولنا التقرب من الرئيس الأمريكي فإننا لن نستطيع أن نكسب صداقته، وذلك لسبب بسيط وهو أننا لا نملك ستة ملايين صوت تمكننا من أن نضعه في البيت الأبيض أو نبعده عنه، ولهذا فلابد لنا من أن نغير أسلوبنا في التعامل مع أمريكا فنلجأ للوسائل التي يفهمها شعب عملي كالشعب الأمريكي، وذلك بضرب مصالح أمريكا في بلادنا وإنهاء وجودها بيننا، فتاريخنا الطويل معها أظهر بجلاء أن علاقتها معنا تخدم المصالح الإسرائيلية في المدى القريب والبعيد.
ويضيف& في ذات العدد، قائلاً: " إن هذا الحقد الأسود على العرب غير مفهوم لنا ونحن لم نسئ إلى أمريكا، بل أمريكا هي التي أساءت لنا ولكن الأمريكان الذين نزلوا القارة الأمريكية منذ بضع مئات السنين واستخدموا جميع الوسائل للقضاء على إنسان القارة الأصلي كنشر الأمراض بينهم وقتلهم بكل الوسائل، لا يستغرب منهم هذا الحقد على الإنسان العربي الذي يعتبرونه إنساناً متخلفاً يقف بينهم وبين السيطرة التامة على موارد المنطقة" .
وعن دهشة الأمريكان، بسبب قطع إمدادات النفط، يذكر الطريقي قائلاً: "الشيء الذي يجب ألا يغرب عن بالنا هو أن أمريكا كانت متأكدة بأنها مهما فعلت فإننا سنظل نرسل النفط والنقود إليها، ولم يكن كل من المستر نيكسون ووزير خارجيته قادراً على فهم عمق الشعور القومي العربي، وكان أبعد شيء إلى تصورهم أن يلجأ جلالة الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية، إلى قطع إمدادات النفط عن أمريكا وعن جميع المساندين للصهيونية، وأن يُصر ويُصرُ معه المنتجون الآخرون على أن يظل قطع النفط وانخفاض الإنتاج سارياً بزيادة مطردة حتى يتم جلاء الصهيونيين عن كل الأراضي العربية وتعاد إلى شعب فلسطين حقوقه المشروعة" .
وعن الأحداث وفائدتها في معرفة الصديق والعدو، قال الطريقي: " لقد أوضحت الأحداث الأخيرة مَن هم أصدقاؤنا ومَن هم أعداؤنا، وقد أظهرت الأحداث الأخيرة أيضاً أن عدوتنا اللدودة هي الولايات المتحدة الأمريكية، كما ظهر بجلاءٍ شديد أن صديقنا الأعظم كان وحدة صفنا " .
ويكتب ناصحاً العرب بأن عليهم " أن يعتمدوا على الله وعلى أنفسهم بتطوير إمكاناتهم التجارية والصناعية والزراعية، وعليهم أن يخططوا على مستوى البلاد العربية لأن هذا هو الطريق الوحيد للنجاح، فنحن نعيش في عالم تتجمع فيه الإمكانيات البشرية والطبيعية لتكوين كيان اقتصادي وعسكري كبير، ونظرة إلى ميزان المدفوعات في الدول العربية نجد أن كلها بدون استثناء مستوردة لمعظم ضروريات الحياة، ولا بد من قيام سوق عربي مشترك يقوم على أساسٍ علمي يضمن له البقاء "
ويكتب الطريقي هذا المقطع في العدد الثامن، من مجلته "نفط العرب" لعام 1977م،& وكأنما هو يكتبه اليوم، فيقول: " العربي الذي يتابع الأحداث ويرى كيف يتسابق العرب في محاولة كسب رضا أمريكا يخجل من نفسه، فكلُ ما يحدث الآن هو أننا نحاول أن نثبت لأمريكا أننا ضعاف ولا نريد بأحد شراً حتى الذين احتلوا أراضينا وشردوا مواطنينا، وسياسة الضعف تزيدهم احتقاراً لنا وتعنتاً في طلباتهم منا " .
وفي العدد 12 من المجلة ذاتها، يكتب الطريقي مقالة أخرى عن أمريكا عنوانها " أرفع رأسك يا أخي العربي، فإن كانت أمريكا مع إسرائيل فالله مع العرب!" ويختم الطريقي مقالته بهذا التقرير منه، عن واقع الأمة العربية، وعن نظرة بعض الحكام العرب لمواطنيهم، فيقول: " العرب أمة فاشلة مائة في المائة، أرضنا لا نستطيع الدفاع عنها، ثرواتنا الطبيعية لا نستطيع صيانتها، جيلنا الفاشل هذا،& يأكل بإسرافه وقلة استعداده لتفهم وسائل النجاح في الحياة في القرن العشرين، نصيبه من الثروات الطبيعية العربية ونصيب عدد كبير من الأجيال القادمة، إن حكوماتنا في معظم أوطاننا العربية لم تدرك بعد أن الإنسان في بلادها هو أكبر وأثمن ثرواته الطبيعية، وهي تهمله إهمالاً جعله إنساناً غير مدرك، إنساناً متخلفاً إنساناً غير منتج، وأصبحت غالبية الشعوب العربية بل معظمها قطعاناً من المستهلكين".&&