زهير كاظم عبود
&
&
&
القسم الأول
&
&&&&& يعيش الكرد في العراق منذ الأزل في منطقة شمال العراق ويتمركزون في مناطق السليمانية واربيل ودهوك وكركوك وينتشرون في مناطق اخرى، وتشير الدراسات التاريخية الى أن الشعب الكردي من الشعوب الهندو أوربية، وقد هاجرت من أوربا الى مناطق الشرق الأوسط مثل العراق وتركيا وسوريا وايران ولبنان منذ زمن سحيق، لذا فأن استقرارهم في هذه المناطق طيلة هذا الزمن الطويل أثر على سكان المنطقة الأصليين ليختلطوا بهم وينصهروا معهم ليشكلوا مجاميع الشعب الكردي في كردستان.
&&& يتميز الكرد بقاماتهم الطويلة ومعايشتهم للظروف الجغرافية القاسية والظروف الأقتصادية أيضاً، وحبهم للعمل وشجاعتهم وأمانتهم وأخلاصهم وكرمهم، ولغتهم المتميزة مع لباسهم التقليدي.
وعلى أمتداد التاريخ ساهم أكراد العراق مساهمة فعالة في بناء حضارة العراق ىبان العهد الآشوري وماتلاه وحتى قيام الحضارة العربية والأسلامية وتأثيرها على العراق، وبروز قادة من الكرد ساهموا في توطيد دعائم الأسلام وانتشاره، اذ دخل الكرد في الدين الأسلامي طوعاً بشكل منقطع النظير مما يدلل على تفهمهم لأسس الحياة وتطور المدارك ليتقبلوا الديانة الاسلامية مع وجود ديانات عريقة وموغلة في القدم في المنطقة من اهمها الديانة الزرادشتية والمسيحية واليهودية والأيزيدية.
&&&& وأنضمت أقاليم الآكراد الى الدولة الأسلامية طواعية معززة بذلك انتشار الديانة الأسلامية وتقوية قدراته القتالية في زمن الفتوحات والأرتداد عن الدين والدولة.
&&& ومع أن الآكراد بشكل عام والكرد في العراق بشكل خاص يتمتعون بكل مقومات الأستقلال والوعي والنضوج الثقافي والفكري وحقهم في التطلع نحو حياة تليق بهم فقد كانت هنالك أمال وتطلعات تجيش في نفوس شباب الكرد تشكل نزوعاً نحو الأستقلال والحرية وتحقيق بعض الآماني المشروعة للشعب الكردي لما يتمتع به من مقومات اجتماعية ولغة مشتركة وتاريخ مشترك وأرض مشتركة.
&&& وعلى هذا الأساس فقد كان كل طموح الأكراد في العراق تشكيل أمارات كردية في مناطق السليمانية وراوندوز واربيل، ولتباعد هذه الأمارات وعدم توحدها فقد ساهمت الدولة العثمانية في تفكيكها ومن ثم انهائها لتمد سيطرتها على كامل منطقة كردستان العراق بعد ان سيطرت على مناطق الكرد في تركيا.
&&&& ولم تهدأ أو تخفت التطلعات القومية الكردية رغم الأضطهاد والحملات الشرسة التي قامت بها الدولة العثمانية تحت شتى الأعذار والمبررات لقتل الأمل القومي عند الكرد الذين كان المحرك الأساسي للمطالبة بحقوقهم والعمل على تأسيس نواة قومية، لذا فجميعهم متلهفون للتطلع الى حياة كريمة تليق بالشعب الكردي المسالم اسوة بما يتمتع به اخوتهم العرب ورفع الحيف والظلم والأستبداد والقهر عن شعبهم في تلك الفترات ومايلحقها.
&&&&&&& وقد انبثقت حركات كردية مسلحة في شمال العراق تطالب بضرورة منح الأكراد حق تقرير مصيرهم منذ العام 1880، الا أن تلك الحركات تم أجهاضها والقضاء عليها بالقوة، مما أدى الى ظهور حركات أخرى ساهم فيها رجال الدين والعشائر حتى قيام الحرب العالمية الأولى، حيث تم تقسيم الشعب الكردي بين عدة دول امعاناً في تفريقه وأضعافه من جهة ومن جهة أخرى أستطاعت بريطانيا ايهام وخداع القادة الأكراد الذين كان جل اهتمامهم مقارعة الظلم والأستبداد ورفع الحيف العثماني الجاثم فوق صدر الشعب الكردي، وأستطاعت بريطانيا ابداء أهتمام بمشاعر وآمال الأكراد مما أوهم القادة الكرد بصدق وصحة هذا الأهتمام والتأييد أعتقاداً منهم بأن الدولة العظمى تعمل بما تؤمن به من أفكار وقيم تطرحها وتدعي بها وتقولها على لسان مسؤوليها، وليس بما تخفيه من أهداف ونوايا أستعمارية لتمكينها من فرض سيطرتها على كامل مساحة التراب العراقي، ومن خلال هذا الأساس قامت معاهدتا مودرس 1918 ومعاهدة سايكس بيكو ومن ثم معاهدة سان ريمو التي قسمت غنائم النفط في المنطقة.
&&& وبالرغم من كون بريطانيا نادت بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره وحقه أيضاً في تشكيل حكومة كردية مستقلة، وأوعزت الى الحكومة العراقية لتبني مثل هذه الآمال، الا أن واقع الحال لم يكن يسير بألأتجاه الصحيح، وكانت تجري الترتيبات والخطط لذوبان منطقة كردستان ضمن سيطرة الحكم الوطني في العراق دون أية حقوق تكفل للأكراد حقهم في حياة مستقلة أو شبه مستقلة على الأقل.
&&& وعلى آثر هذه الخديعة والتنكر لوعود بريطانيا للشعب الكردي، قام الشيخ محمود الحفيد بتشكيل حكومة كردية في مدينة السليمانية مما دفع بريطانيا الى الجنون، كما جن من كان يعمل تحت أمرتها، فقامت بريطانيا بشن حملات عسكرية شرسة وأقترفت مجازر رهيبة سكت عنها التاريخ للأسف وصمتت عنها الأقلام، أذ تم احتلال مدينة السليمانية يوم 19/7/1924، وخاض الجيش الحكومي بقيادة الأنكليز حرباً ضروساً غير متكافئة تسانده قوات السلاح الجوي البريطاني لقصف القرى الأمنة والسكان المدنيين، لتتمكن من الأنتصار على الشعب الكردي الأعزل المطالب بحقوقه المشروعة في الحياة ، مما أوقع القوى الأستعمارية في وهم موت كل آمال الاكراد في العراق وأرغامهم على الأذعان للأنضواء تحت سلطة الحكومة في بغداد، ولكن الحقيقة أنها كانت ناراُ تحت الرماد، بالرغم مما حققته بريطانيا من نجاح في قمع الصوت الكردي فبدت منطقة كردستان تشتعل وتتحرك فيها الحركة والحس الوطني أذ تمخض ذلك ببزوغ أحزاب وطنية وقومية رغم مارافق هذا النشوء من عنف وأرهاب للقضاء عليه، ثم قيام ثورة برزان ومنثم قيام ( حمهورية مهاباد ) التي قادها ورأسها القاضي محمد، وتعاونت كل القوى الأستعمارية وعملاء المنطقة من اجل القضاء على هذه الجمهورية الفتية فتم القضاء عليها في العام 1946 حتى لاتكون بذرة وعي وصحوة لكل كردي في المنطقة.
وكنتيجة طبيعية أن يندمج الأكراد ضمن المجتمع العراقي ويتفاعل معه وتتوالد قواسم مشتركة في العمل السياسي نتيجة هذا التعايش والانسجام أهمها العمل ضد الأستعمار والتطلع نحو حرية العراق، وطن الجميع، وأستطاعت الحركة الوطنية الكردية أن تنجب رجالاً ساهموا مساهمة فعالة ومؤثرة ليس في تاريخ الحركة الكردية العراقية فحسب بل وفي تاريخ الحركة الوطنية العراقية بشكل عام، اضافة الى تأكيد الشراكة الوطنية فعلاً لا قولا .
&&&& ساهم الأكراد في بناء المؤسسات الوطنية والأجتماعية والثقافية ورفدوا الجيش العراقي بخيرة الكوادر الشابة والممتلئة وطنية وأخلاصاً للعراق وللوطن العربي، وبالتالي مساهمتهم الفعالة في قيام ثورة 14 تموز 1958 وأسقاط النظام الملكي وقيام الجمهورية، حيث أنتظر الأكراد بارقة الأمل التي تحقق لهم الحد الأدنى من طموحاتهم الا ان المساركان يمضي بغير ذلك رغم مطالبهم الملحة المشروعة مما حدا بهم الى رفع السلاح بوجه السلطة في بغداد عام ذ961 في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم، والذي لم يستطع أن يستوعب حقهم ومطالبهم فتم زج الجيش العراقي النظامي في قتالهم، وأستمر القتال بالرغم من سقوط سلطة عبد الكريم قاسم عام 1963 ومن ثم قيام سلطة عبد السلام عارف وشقيقه عبد الرحمن عارف والى حدوث أنقلاب عام 1968.
&&&& ولم يتوقف القتال الا بتحقيق شكلي وجزئي من آمال الكرد بأصدار بيان آذار ( 11 مارس 1970 ) والذي كان خطة لذر الرماد في العيون، وبالنظر لتنصل السلطة من تحقيق العديد من بنود الأتفاقية، فقد اندلعت المعارك من جديد وحمل الأكراد السلاح ضد السلطة التي كانت قد تأهبت لقتالهم قتالاً شرساً، وصمد الأكراد صموداً بطولياً رائعاً بوجه جيش يعد من أقوى جيوش المنطقة، وتناخت القوى الشريرة والعميلة فيما بينها للقضاء على الثورة الكردية، فقد اتفقت السلطة الصدامية مع الشاه المقبور عام 1975 للقضاء على الحركة الكردية فأصبحت الثورة بين فكي الكماشة، وتحركت تركيا أيضاً فبات الوضع شيئاً والحصار فتاكاً لثورة لم تجد من يناصرها ويقف الى جانبها غير الشعب الكردي، فانهارت الحركة المسلحة مؤقتاً وسلم المقاتلين الأكراد سلاحهم للسلطة الفاشية التي أطربها النصر المزعوم والذي أعطت مقابلة الكثير من سيادة وكرامة العراق، وسجلت تنازلاً وطنياً خسيساً مقابل أيقاف زخم الأندفاع الكردي في المنطقة.
بعد هذا أتبعت السلطة الصدامية أجراءات ترمي الى قتل كل التطلعات والآمال في نفوس الكرد في العراق، وقامت بأخطر صفحة من صفحات أنتهاكات حقوق الأنسان وهي عمليات التهجير القسري للقرى الكردية الحدودية ومسحها من الوجود تحت سمع وبصر العالم المتمدن الذي لم يتحرك بكلمة أستنكار واحدة، والحقت ذلك بأتباع سياسة التعريب القسري في المنطقة بغية خلق جيل من الكرد لايعرف اللغة ولاالجغرافيا.
وأوغلت السلطة الفاشية في بيع كرامة العراق من أجل أيقاع اكبر الأذى بالحركة الكردية فأقدمت على تقديم تنازلات سيادية الى تركيا للحد من النشاط الوطني الكردي والحيلولة دون أقامة كيان أو تحقيق استقلال جزئي،فعمدت الى أستعمال شتى الأساليب غير الإنسانية قابل ذلك بروز تيارات سياسية كردية واعية أستطاعت استقطاب الأكراد وأنتزعت تأييد وأعجاب العرب وتعاطفهم، واستطاعت هذه التيارات ان توحد صفوفها ضمن حركة التحرر الكردية رغم مارافق مواقفها من تذبذب وعدم انسجام آبان قيام الحرب العراقية الآيرانية التي سببها صدام للفترة من العام 1980 1988، وخلال فترة قيام هذه الحرب وأندلاع المعارك العسكرية تحملت منطقة كردستان العراق أعباء ساحات القتال وتحولت المنطقة الى ساحة حرب بكل معنى الكلمة، مما حدا بالناس الى التشرد والهروب والنزوح الجماعي بحثاً عن ملاذ آمن وسط أهوال الحروب وأنتقام السلطة الفاشية من الناس المدنيين العزل وأرتكاب المجازر البشرية.
ونتيجة للتداخل في العمل السيياسي وسيطرة عقلية الحروب والقتال العسكري فقد تحملت قرى ومدن كردستان العراق مأسي مروعة ولم يسبق أن سجلها التاريخ الحديث، المؤسف أن العالم صمت عنها مرة أخرى صمت القبور وكأن الموافقة ضمنية على أبادة هذا الشعب الصامد، وتمت أسكات مدن وقصبات كردية أبيدت عن بكرة ابيها نتيجة القصف المدغعي والكيمياوي وغاز الأعصاب، وساهمت الحرب بتقطيع أوصال العوائل وتشردها نحو المجاهل بأتجاه سهول أيران وتركيا وسوريا في القفار الموحشة والطريق التي لم يسلكها قبلهم أحد، ومات العديد من هذه المجاميع تحت ظل الظروف المناخية القاسية أو تحت وطأة الطبيعة والحيوانات المتوحشة أو جوعاً وعطشاً، وأستطاع الآخرين من الوصول الى منافي الهجرة الأوربية التي أحتوت أعداد كبيرة منهم لآسباب انسانية.
ومع بدء عمليات حرب الخليج الثانية بعد غزو الكويت، قامت الحركة الوطنية في كردستان العراق بتأسيس جبهة سياسية تحت أسم ( الجبهة الكردستانية ) وقامت بالسيطرة على الوضع المنهار للسلطة الفاشية والشوفينية وقاتلت وقدمت الشهداء وتمسكت بمنطقتها لتخليصها من سلطة صدام البائد ، وأكتفت بالسيطرة على بعض المناطق المهمة التي يقطنها الأكراد، وتم ترتيب أوضاع المنطقة سياسياً وأمنياً وأقتصادياً دون التفكير بمس سيادة العراق وفي أحلك لحظات الضعف التي مرت بها السلطة البائدة، وبالرغم من التفكك الذي حصل وأنهيار السلطة وثورة المدن العراقية التي حصلت جراء انتفاضة آذار 1991، الا أن القيادة والشعب الكردي لم يفكروا بالأنفصال عن العراق.