الرباط: أمام إحدى مقاهي حي أكدال بالعاصمة الرباط التي تعج بالزبائن خلال شهر رمضان وقفت صبية في الحادية عشرة من العمر قبالة المقهى تحمل في يدها باقة من الورود الحمراء الصغيرة، لفت كل وردة بقطعة من البلاستيك وبداخلها وضعت ورقة صغيرة كتب عليها "حظك هذا المساء". ما أن لمحت صبية إحدى زبائن المقهى الذي كان يهم بالخروج بصحبة شابة أنيقة حتى ركضت نحوه وعرضت عليه أن يشتري منها ورودا.
أومئ الرجل الذي تجاوز الستين إلى الشابة إذا كانت تريد وردة وحركت الفتاة التي كان يبدو أنها تعرفت عليه للتو رأسها ذات اليمين وذات الشمال وكأنها أرادت أن تقول له إن الورود لا تعني لها شيئا وإن عهد الرومانسية ولى منذ زمن بعيد.
لم يعبئ الرجل برد الشابة وفضل أن يعبر عن إعجابه بها بوردة حمراء قبل أن تورطه في شراء شيء آخر. كان الرجل يحمل في يده حقيبة صغيرة سوداء، مثل تلك التي يحملها الأثرياء البخلاء عادة ولا يستعملونها إلا لحمل النقود وليس لصرفها. سأل عن ثمن الوردة الواحدة قالت له " فاطمة" التي احمرت وجنتاها خجلا أبيعها بخمس دراهم (نصف دولار تقريبا) . لم يجد الرجل حرجاً في التفاوض مع الفتاة الصغيرة كي تخفض الثمن وبعد أن أعطاها درسا في الربح والخسارة وفي قوانين تحديد الأسعار وافق أن يدفع ثمن وردتين مقابل ثلاث وردات فيما بدت علامات الازدراء واضحة على محيا الشابة التي كانت برفقته.
قدم للشابة الوردات الثلاثة قائلا "هذه الفتاة مكانها الطبيعي ليس هنا بل في المدرسة". ركبا سيارة فارهة وتواريا عن الأنظار. فاطمة فتاة جميلة، تنطق عيناها ذكاء، انقطعت عن الدراسة بعد أن عجز والدها عن توفير الكتب المدرسية التي تزيد تكلفتها سنة بعد أخرى. لا تعرف معنى أن تكون رومانسيا ولا معنى أن يقدم شخص وردة حمراء لآخر. لكنها تعرف أن زبونها هو بالضرورة رجل ترافقه امرأة.
تقف فاطمة في ناصية الشارع وعند شارات المرور أو أمام المقاهي تترصد زبائن يأتون أو لا يأتون. تقول إن أغلب الزبائن يشترون منها تحاشيا للإحراج أمام صديقاتهن أو مجاملة لهن أو تعبيرا عن شيء لم يستطيعوا قوله من قبل. وتستطيع بهذه الطريقة جمع خمسين درهما على الأقل في اليوم. تقول فاطمة إنها تشتري الوردة الواحدة بدرهمين من سوق الورود في وسط المدينة وتبيعها بخمس دراهم وترى أن المجهود الذي تبذله في إقناع الزبائن بشراء الورد والإهانات التي تواجهها على أيديهم في بعض الأحيان تستحق أن تربح أكثر من ضعف "رأس المال".
في الأحياء الراقية مثل حي أكدال يمنع بائعو الزهور من الدخول إلى المقاهي ويضطرون إلى عرض "سلعتهم" في الخارج غير أن المقاهي التي توجد في وسط المدينة تتعامل بتسامح ومرونة أكثر وتسمح لبائعي الزهور بالتجول داخل المقهى ووضع الزهور فوق طاولاتها أمام الزبائن الذين ترافقهم نساء فقط وبيعها لمن أبدى رغبة في ذلك أو جمعها.
عادة بيع الزهور بدأت تسري بين الفتيات الصغيرات في المدن المغربية خاصة وبين الشباب أيضا. ويعمد أغلبهم إلى هذا النوع من "التجارة" ليس عن قناعة بأن الناس يحبون شراء الورد بقدر ما يفعلونه لاستدرار عطفهم أو لإحراجهم أمام صديقات أو خليلات مفترضات. أغلب رواد المقاهي لا يكترثون للأمر وبعضهم يقول إنها "طريقة جديدة في التسول".
التعليقات