أجرى الحديث
أشرف عبد الفتاح عبد القادر
أشرف عبد الفتاح عبد القادر
&
الحلقة الأولى
ذهبت للقاء الكاتبة فريدة النقاش وأنا أفكر في قضية المرأة العربية، وكيف أنها مازالت تعاني الكثير من القهر واحتقار الذات، وتتعرض للعنف الفظي والجسدي في مجتمعنا البطريقي، وكيف أنها لازالت لم تتساوى مع المرأة الأوربية والعالمية في الحقوق؟ فالمرأة الأوربية كالمرأة في العالم المتحضر متساوية في كل الحقوق مع الرجل، فشهادتها مثل شهادة الرجل وإرثها مثل إرث الرجل، والعلاقة بينهما هي علاقة مودة ورحمة التي حثنا عليها الإسلام"وجعل بينكم مودة ورحمة"، لا علاقة تحكم واحتقار وعنف وضرب كما هو سائد بيننا، وما يثير دهشتي هو محاولة المتأسلمون عن طريق وسائل الإعلام الترويج الدائم لأفكارهم البالية التي أكل الزمان عليها وشرب والتي ما أنزل الله بها من سلطان، فأعطوا لأنفسهم الحق بل كل الحق في حكم المرأة، وكأنها "شيء" أبله لا يستطيع تدبير أمور نفسه بنفسه، ففرض المتأسلمين عليها وصايتهم بالقوة، وليت الأمر ينتهي عند ذلك بل أنهم تدخلوا في أخص خصوصيات حياتها، فمنعوها من الكلام لأن صوتها عورة، وفرضوا عليها الحجاب الذي لم يفرضه عليها الإسلام، لأنهم لا يرون فيها إلا الغريزة الجنسية وأنها مصدر الشهوات، هذا الفكر المريض إن دل على شيء فإنما يدل على حرمانهم الجنسي المتفجر،الذي جعلهم يخافون المرأة لأنها توقظ فيهم الوحش النائم"الغريزة الجنسية" لأنهم ضعاف وضعاف جداً عند رؤية المرأة السافرة التي اختزلوها إلى جسد خلق لإرضاء الشهوة فقط، يؤيدون ختانها للقضاء على شهوتها و إخصائها، والختان كما نعلم لم يرد عليه لا في القرآن ولا في السنة، فمن المعروف أن هذه العادة فرعونية وليست إسلامية، وتذكرت رحلة المرأة العربية لنيل حقوقها ابتداء من قاسم أمين، إلى هدى شعراوي، إلى نوال السعداوي، وصولاً إلى فريدة النقاش التي استقبلتني بكل حب وترحاب في مكتبها بمجلة "أدب ونقد" الشهيرة التي ترأس تحريرها.
* فريدة النقاش متى وأين ولدت؟
- أنا ولدت في قرية منيه سمنود محافظة الدقهلية فى 1/3/1940.
*كيف كانت طفولة فريدة النقاش؟
- كانت طفولة عادية، طفولة ريفية كنت أعيش في حياه محددة، ولكن مبكراً جداً اكتشفت بؤس الفلاحين. فنحن أسرة فقيرة لكن مستوره، كان أبى مدرساً وشاعراً. أول ما لفت نظري في القرية هو حياه الفلاحين التعيسة، التي بلا أفق على الإطلاق. في هذه الفترة المبكرة وقبل أن ننتقل إلى القاهرة سنة 1952 قرأت كثيراً في مكتبة أبى لأنه كان دارساً جيداً للتراث العربي، وكانت لدية مكتبه كبيرة وأهم شيء في بيتنا كانت الكتب، فقد تكون بعض الأساسيات غير متوفرة لكن الكتب كانت متوفرة.
* ما هو الجو الذي كان يسود الأسرة، بمعنى هل كانت هناك تفرقة في المعاملة بين الولد والبنت، وهل كان الوالد يميل لأسلوب الضرب في التربية؟
- بالعكس، كانت علاقة أبى بأمي طيبه، كانت علاقة مليئة بالاحترام. فبرغم أن أمي أمية كانت مصرة على أن نتعلم جميعهاً، بمن فينا البنات فنحن بنتان وستة أولاد. فكنا ثمانية أولاد فكان هناك تزاحم، لكن كان هناك اهتمام خاص من جهة أمي بالبنات، كان عندها فزع من أن يقع البنات في أيدي رجال غير مسئولين، فالقرية التي أنا بها ككل قرية لها عاداتها وتقاليدها، فكان للأولاد حرية متوفرة أكثر مما هو متاح للبنات.
* ما هي العوامل التي أثرت في فكر فريدة النقاش؟
- أول عامل كانت مكتبة أبى، حيث كان يوجد بها كثير من كتب التراث العربي ودواوين الشعر العربي الرئيسية ثانياً، مباشرة وبعد أن انتقلت للقاهرة، كان الفكر الاشتراكي هو مدخلي، أنا دخلت مبكراً للاشتراكية من باب الأدب، قرأت رواية " الأم " لمكسيم جوركى، وقرأت فى الأدب الروسي كثيراً، وأهم من كل هذا وذاك مشاهداتي الواقعية لحياة الفلاحين والفقراء سواء في الريف أو في المدينة. درست الأدب الإنجليزي بعد ذلك في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ومارست العمل مبكراً جداً حيث كان على أن أوفر بعض النفقات لكتبي، وتعاملت على نطاق واسع جداً مع مكتبة جامعة القاهرة في سنوات الدراسة، كل هذه المصادر هي التي كونت أفكاري الأساسية، لكن بسرعة ارتبط بالفكر الاشتراكي لأنه كان بالنسبي لى ملاذاً، ليس فكرياً فقط إنما باعتباره كما بدا لي في ذلك الحين حلا واقعيا للأوضاع البائسة للناس.
* منذ أن نادى قاسم أمين بحقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وهناك معارك ضارية تخوضها المرأة لتنال حقوقها. فما هي العوامل التي تمنع المرأة العربية بصفة عامة، والمصرية بصفة خاصة لنيل حقوقها لتتساوى بالمرأة الأوربية والعالمية؟
- ليس هدفنا هو المساواة مع المرأة الأوربية، أولاً توجد الآن في الوطن العربي حركة نسائية جديدة تقوى ويشتد عودها باستمرار، هذه الحركة الجديدة ليس لها نموذج مسبق من وجهة نظري، وباعتباري أعمل في هذه الحركة، فأنا رئيسة جمعية "ملتقى تنمية المرأة".
لا نتطلع إلى تقليد المرأة الأوربية إنما نتطلع إلى حقوق المواطنة كاملة للمرأة العربية، إلى المواطنة بالنسبة للمواطنين جميعاً، إلى مساواة حقيقية ليس في القانون فقط وإن كانت هناك عناصر تمييز في القانون العربي ضد المرأة خاصة، وفى قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية وقانون المعاشات وقانون العقوبات، هناك تمييز واضح ضد المرأة باعتبارها كائن يحتاج إلى الوصاية الدائمة من قبل الرجل، أب أو زوج أو أخ إلخ، فنحن نتطلع لتغيير هذا الواقع بخلق النموذج في مسيرة العمل وليس نموذج جاهز نضعه أمام أعيننا ونمر في اتجاهه.
* قوانين الأحوال الشخصية التونسية ساوت بين المرأة والرجل وهى بلد عربي صغير. فلماذا لا تقلدها باقي الدول العربية؟
- في تونس الحقوق التي حصلت عليها المرأة التونسية هي متقدمة جداً بالنسبة للنساء العربيات جميعا، وهى في واقع الأمر كانت مبادرة شجاعة من قبل الرئيس الراحل الحبيب بورقيبه. حقوق المرأة في الوطن العربي تحتاج إلى مثل هذه المبادرات الشجاعة من قبل الحكام لتغيير القوانين، لكن ما الذي يعطل ذلك؟ هو قوة الفكر المحافظ وقوة الجماعات الدينية التي تعتبر استعباد المرأة هي قضيتها الأساسية، وتعتبر أن قهر المرأة هو الوظيفة الرئيسية للمجتمع الأبوي الطبقي الذي تعيش فيه، وتمارس نفوذاً كبيراً جداً ليس فقط على المجتمع ككل بل على المرأة نفسها، بل وعلى السياسيين العقلانيين الذين يمكن في ظروف أخرى أن ينظروا إلى قضية المرأة بشكل عادل ويتطلعوا إلى المساواة.
فالمسألة محتاجة إلى شجاعة في مواجه الفكر المحافظ، وفى مواجه الجماعات الدينية وإلى تقوية التيار الديني المستنير الذي يدافع عن حقوق المرأة، لأن التعديل الذي أدخل في القانون التونسي هو أيضاً تأسس على نظرة اجتهادية للدين ولم يجر خارج الدين بل هو من صميم الإسلام، فنحن في حاجة إلى تقوية التيار التقدمي المستنير، الذي يؤول النص الديني تأويلاً عقلانياً وإنسانياً شاملاً ويرى أن الإنسان واحد رجلاً أو امرأة ويؤمن بالمساواة الحقيقية بين البشر.
* لماذا تنتظر المرأة العربية دائماً رجلاً ليدافع عن حقوقها، ولماذا لا تخرج امرأة شجاعة كهدى شعراوي وتطالب بحقوقها في هذا المجتمع البطريقي؟
- كما قلت لك من قبل، التفكير المحافظ الشائع يؤثر حتى على المرأة نفسها، فالمرأة تنظر لنفسها على أنها عورة.
الفكر السائد في المجتمع الذي تروجه الجماعات الدينية يؤثر في المرأة نفسها فهو بمثابة الإرهاب الفكري والنفسي. ومع ذلك هناك حركات نسائية جديدة صحيح أنها صغيرة،لكنها تتميز بقوة ووضح فكرى رائع، وتلعب أدوار متباينة القوة في الدفاع عن حقوق المرأة لكن الحركة النسائية الجديدة مأزقها هو جزء من مأزق الحريات الديمقراطية في الوطن العربي. فمثلاً في مصر هناك قانون الجمعيات تحاول الحكومة إصداره منذ 1959 وحين تطالب جمعية مركز دراسات المرأة الجديدة لتسجيل نفسها وفقاً للقانون الجديد اعترض عليها الأمن كما لو أن الجماعات الدينية المعادية للمرأة لها مراكز قوة في الأمن.
فهناك قيود على الحريات والديمقراطية ومن الجماعات الإسلامية هناك ثلاث قوى رئيسية تعرقل حركة المرأة وتقف في وجه تطور الحركة النسائية الجديدة السياسات الليبرالية الجديدة التي أدت إلى بطالة واسعة للنساء نتيجة للخصخصة وبيع القطاع العام الذي هو الموظف الرئيسي للمرأة، وهناك قوة الجماعات الإسلامية الدينية التي تعتبر المرأة عورة وتدعو إلى إخفائها في المنزل وفرض الحجاب عليها، وهناك القيود على الحريات الديمقراطية، هذه هي العوامل الثلاثة التي تتكاتف مع بعضها البعض لتقمع حرية وحركة المرأة، ومع ذلك يشهد الواقع نمو حركة جديدة للنساء وإن كانت صغيرة.
&
&
&
التعليقات