د. شاكر النابلسي
&
&
&
-1-
لأول مرة منذ سنين طويلة سوداء، يستفيق الشعب العراقي، ويرفع أعلام الحرية خفاقة في سماء بغداد.
ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث، تسير هذه الآلاف من الجموع الشعبية المباركة في مظاهرة عارمة تجوب شوارع بغداد لكي تهتف للحرية، ولا شيء غير الحرية.
لقد اعتدنا في الشارع العربي أن نرى مظاهرات شعبية تهتف ضد الاستعمار، ضد أمريكا، ضد الغرب، ضد الصهيونية، ضد الاحتلال الاسرائيلي، ضد رفع أسعار الخبز، ولكنا من النادر ما شاهدنا مظاهرات تجوب شوارع العالم العربي تهتف للحرية، ولا شيء غير الحرية، كما جرى في بغداد أمس.. عاصمة الحرية العربية بلا منازع!
&
-2-
لقد اعتدنا في العالم العربي أن نرى اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف، هو الذي ينـزل إلى الشارع لكي يُعبّر عن مشاعره تجاه قضية من القضايا السياسية، ولكنا لم نشاهد ما شاهدناه في بغداد أمس من كافة أطياف السياسة والأحزاب العراقية وهي تهتف ضد الارهاب، وضد "مقاومة الحرامية" و"مقاومة العبيد"، وترفع أعلام الحرية.
لقد اعتدنا في العالم العربي أن تُنظّم دائرة المخابرات أو وزارة الداخلية مثل هذا المسيرات التي دُعيت في كثير من الأحيان بـ "المسيرات الأبوية المُعلّبة" أو "المسيرات الجاهزة الصُنع" لصالح الحكام، ولصالح اعادة ترشيحهم للحكم للمرة الرابعة، أو المرة الخامسة، أو السادسة، وانتخابهم بنسبة 999و99 بالمائة، ولكنا لم نشهد كيف تأتلف الأحزاب والقوى السياسية إئتلافاً ذاتياً وتلقائياً، لكي تهتف للحرية الغائبة، منذ عشرات السنين من سماء بغداد المجيدة.
لقد أفاق الشعب العراقي أخيراً من هول صدمة التاسع من نيسان المجيد، يوم بزغت شمس الحرية كهزة كونية، ولم يكن يظن بأن شمس الحرية سوف تشرق عليه أبداً ، في ظل الكابوس الأسود الذي كان يجثم فوق أنفاسه، ويحرمه من الحياة.
&
-3-
لقد كتب إليَّ بعض القراء العراقيين يعربون عن ألمهم وأسفهم لعدم اهتمام الإعلام العربي، وخاصة الفضائيات العربية بالمظاهرة الحاشدة التي جرت في بغاد بالأمس، هاتفة باسم الحرية.
وأنا أقول لهم، لا تحزنوا، ولا تيأسوا، ولا تكترثوا.
فبالأمس عرف الشعب العراقي تمام المعرفة لماذا عكف الاعلام العربي طيلة هذه الأشهر منذ التاسع من نيسان المجيد وحتى الآن على احراق أعلام الحرية العراقية في كل يوم،& واظهار الشعب العراقي بأنه قد تحول من شعب محكوم لحاكم وطني ذلاً واستعباداً إلى شعب محكوم لحاكم أجنبي قهراً واستحكاماً. وأن ما جرى منذ التاسع من نيسان المجيد ما هو إلا إبدال لبسطار صدام بقندرة بريمر!
فمظاهرة بغداد العارمة أمس لم تحتل من الإعلام العربي غير مساحات ضيقة جداً، وجاءت تحت عناوين "نشاطات المقاومة"، وهي نشاطات "مقاومة الحرامية"، أو "مقاومة العبيد".
&فأين كان هؤلاء الحرامية والعبيد في عهد الطاغية المقبور، ولماذا لم يقاوموه لو كانوا من المقاومين؟
ولو العيب والخجل لما نشرت أجهزة الاعلام أخبار هذه المظاهرة التي وصفتها بأنها تمت تحت حراسة فوهات البنادق الأمريكية، وتحت مظلة الطوافات الأمريكية. في حين أفردت وسائل الاعلام العربية المساحات العريضة والعناوين الكبيرة لنشاط "مقاومة الحرامية" التي تسطو على الأموال والبنوك وأعراض الناس، وتدمّر مساجدهم، وتقتل المصلين فيها، وتمنع اطفالهم من الذهاب إلى مدارسهم، و"مقاومة العبيد" التي ما زالت تهتف للسفاح الأكبر "بالروح بالدم نفديك يا بسطار".
نعم، إن الاعلام العربي الذي يعتقد أنه إعلام حر،& والذي اعتاد الاستعباد، تحت أنظمة استعبادية، لا يرى في أعلام الحرية العراقية الخفاقة في شوارع بغداد بالأمس غير الاستعباد. فليست هناك عبودية أكثر من عبودية من يظن أنه حر وهو عبد، كما قال الشاعر الألماني جوته.
&
-4-
هل قرأتم ما قاله أحد الإعلاميين الأردنيين (منذر علاونة) في تهنئته لصدام بمناسبة عيد الفطر في جريدة "الاتجاه" الأردنية؟
انها تهنئة العبيد لسيّدهم.
فالعبيد يفقدون كل شيء وهم في القيود، يفقدون حتى الرغبة في التحرر من قيودهم، بل هم يحبون سيّدهم الذي يستعبدهم كما قال جان جاك روسو في "العقد الاجتماعي".
أقرأوا معي& تهنئة العبيد لسيّدهم في العيد:
"كم كنت اتمنى ان اقدم لك تهاني العيد وانت تتربع على عرش العراق . كم كنت اتمنى ان يحتفل العراقيون بالعيد وهم يلتفون حولك داخل شوارع بغداد ، ولكن جاء العيد ولاول مرة وانت تحتفل به من تحت الارض او من بين ثنايا العراق وانت تناضل وتقاوم في حين سطر لك اكثر من مليار مسلم وعربي على وجه هذه المعمورة بطاقة تهنئة بالعيد مثلما يهنئون الابطال الذين يقفون حولك وانتم تقاومون المحتلين من كل صوب وحدب.
تهنئة بعيد الفطر السعيد ازجيها الى سيادة الرئيس العراقي صدام حسين مقرونة بأصدق المشاعر النبيلة, أبعث اليه تهنئة العيد هذه المرة وهو يقاوم ويناضل ويقاتل ومعه مجموعة من الأبطال الاشاوس.
تهنئة بعيد الفطر السعيد ازجيها الى سيادة الرئيس العراقي صدام حسين مقرونة بأصدق المشاعر النبيلة, أبعث اليه تهنئة العيد هذه المرة وهو يقاوم ويناضل ويقاتل ومعه مجموعة من الأبطال الاشاوس.
وعاشت العراق حرة أبية ترفرف فوقها رايات النصر بقيادة رئيسها المناضل صدام حسين !"
هذه هي تهنئة العبيد لسيّدهم في العيد!
فالعبيد يحبون سيّدهم الذي يستعبدهم كما قال روسو.
&
-5-
إن الإعلام العربي أعلام عبيد لن يتحرر إلا إذا جاء من الخارج من يحرره.
فالعبيد هم غير القادرين على تحرير أنفسهم، وينتظرون من أحد أن يحررهم كما قال الشاعر الأمريكي عزرا باوند.
فلا تحزنوا أيها العراقيون، وأنتم ترون إعلام العُربان وكتبته المستَأجَرين، لا يحفلون بأعلام الحرية التي رفعتموها خفاقة بالأمس في عاصمة الرشيد.
يكفيكم فخراً وزهواً وعظمة، أنكم أصبحت الشعب العربي الحر الوحيد في العالم العربي.. حرية ليست مزيفة كالحرية العربية التي تبدأ بالخلاص وتنتهي بوضع التيجان على الرؤوس، كما قال البير كامو، ولكنها الحرية التي تبدأ بالخلاص وتنتهي بوضع حقوق الإنسان في نصابها الصحيح.
&
التعليقات