"إيلاف "من القاهرة:علمت "إيلاف" من مصادر دبلوماسية غربية حسنة الاطلاع أن اجتماعاً موسعاً جرى ليلة أمس برعاية المدعي العام الأميركي جون أشكروفت (وزير العدل) حضره مسؤولون من هذه الوزارة، وكذا من وزارة الخارجية الأميركية، ولجنة قانونية تضم اثنين وثلاثين من رجال القانون العراقيين، حيث ناقشوا التوصيف القانوني لجرائم الحرب، وكذا وضع أسس عريضة لسبل إقامة نظام قضائي عراقي خلال المرحلة القادمة.
وقد استطلعت "إيلاف" آراء عدد من كبار أساتذة وخبراء القانون الدولي والدبلوماسيين، حول الجهة المنوطة بمحاكمة الرئيس العراقي الأسير صدام حسين، وتشكيل المحكمة التي ستنظر قضيته، وطبيعة الاتهامات التي يمكن أن توجه إليه، وغير ذلك من الموضوعات التي أثارها القبض على صدام وكبار معاونيه.
أسرى ومجرمون
وأشارت ذات المصادر إلى أن الإدارة الأميركية ألمحت إلى أن ستة من القيادات العراقية على الاقل يتصدرهم صدام حسين، سوف يعاملون كأسرى حرب، لكنهم سيحاكمون كمجرمي حرب بموجب الاتهامات التالية:
إعطاء أوامر بارتكاب مذابح.. وعمليات تصفيات جسدية .. وعمليات تعذيب.. وهجمات بأسلحة كيماوية.
غير أن الدكتور نبيل حلمي أستاذ القانون في جامعة الزقازيق المصرية، يرى أن ما ارتكبه المسؤولون العراقيون أثناء الحرب ضد قوات التحالف، ما هو إلا دفاع ضد قوات احتلال، وفقاً لقواعد القانون الدولي التي تسمح باستخدام القوة لرد العدوان، أما إذا كانت هناك اتهامات أخرى للنظام العراقي السابق فيجب أن تكون ثابتة بالأدلة القانونية، وأن تقدم شكاوى، وأن يوجد ضحايا لهذه الجرائم، أما الاتهامات بعدم تحقيق الديمقراطية والحرية للشعب العراقي، فهذه ليست جرائم دولية يمكن أن يعاقب عليها أحد"، على حد تعبير أستاذ القانون.
ويشير الدكتور نبيل حلمي إلى أن المسؤولين العراقيين بما فيهم صدام هم أسرى حرب تنطبق عليهم اتفاقيات جنيف للقانون الدولي الإنساني، خاصة الاتفاقية الثالثة، التي تكفل الحماية لأسرى الحرب، وتنظم معاملتهم، وأنه لا بد ان يحاكم الرئيس العراقي السابق أمام محكمة دولية، وليست محلية ذلك لأنه برأي د. حلمي، يتمتع بالحصانة كرئيس دولة وفقا لقواعد القانون الدولي، غير أنه استدرك موضحا أن صدام حسين لا يتمتع بمثل هذه الحصانة في الجرائم التي تعرف بجرائم الابادة وجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب، أي ان تتم محاكمته على المستوى الدولي أمام محكمة يصدر بها قرار من مجلس الامن الدولي.
جرائم الحرب
وبينما أوضح دبلوماسي غربي أن المحاكم الأميركية سوف تحاكم العراقيين الذين أمروا خلال الحرب على العراق بقتل جنود أميركيين وبريطانيين والذين رفعوا الرايات البيضاء بغية إعداد كمين لهم، والعراقيين الذين حاربوا بملابس مدنية والذين استخدموا المستشفيات لاغراض عسكرية، لافتاً إلى أن كل هذه الاعمال تعد خرقا للقانون الدولي، ولمختلف الاتفاقيات الدولية بما في ذلك اتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة أسري الحرب، فإن خبراء مصريين في القانون الدولي مثل المستشار حسن أحمد عمر خبير القانون الدولي، الذي يرى أن الكثير من جرائم صدام جرت في أماكن خارج العراق مثل إيران والكويت، مما يعني من جهة القانون الدولي إمكانية محاكمته أيضا أمام المحكمة الجنائية الدولية، موضحاً أنه ربما تشكل الأمم المتحدة محكمة جنائية دولية على غرار المحاكم التي أجريت لقادة يوغسلافيا السابقين، مشيراً إلى أن القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة لن تكون موضع توهين أو تشكيك من قبل أي دولة أو جهة، نظراً لما تمثله الأمم المتحدة من مرجعية.
وعودة للمصدر الدبلوماسي الغربي الذي أضاف قائلاً إن لدي واشنطن خيارات متعددة ونماذج عديدة للاجراءات القانونية، وعلى سبيل المثال توجد هناك محاكم عسكرية وأخري اتحادية يمكنها أن تنظر جرائم الحرب، أما بالنسبة للقادة العراقيين يبدو أن إدارة الرئيس بوش التي رفضت الاعتراف بصلاحية محكمة الجزاء الدولية تعترض على مثولهم أمام أية محكمة دولية كما يجري بالنسبة للقادة الذين ارتكبوا جرائم وحشية في كل من رواندا ويوغوسلافيا السابقة.
نموذج نورمبيرغ
وكان السفير الأميركي ريتشارد بروسبير المكلف بملف جرائم الحرب قد صرح مؤخراً بقوله "إننا متفقون على أن اللجوء إلى محكمة دولية تتعلق بالانتهاكات الحالية ليس ضرورياً، وأن الأمر يمكن تسويته عراقياً".
وقال بول ويليامز أستاذ القانون الدولي بالجامعة الأميركية والمتخصص في جرائم الحرب إن هذا الامر سوف يستغرق وقتا طويلا وسوف يصطبغ كثيرا بالصبغة السياسية، غير أن بروسبير علق قائلاً إنه "في ما يتعلق بالانتهاكات السابقة، فهناك خيار باتت تفضله الادارة الأميركية يتمثل في أن تتخذ الاجراءات بمعرفة عراقيين لاننا نعتقد أنه لابد من إعادة إرساء الشرعية الدولية وأن تتخذ هذه الشرعية جذورا عراقية راسخة".
كما يري بول وليامز استبعاد أية محاكمات على غرار نموذج "محكمة نورمبيرغ" الشهيرة، لأن الرأي العام الغربي سوف يعتبرها مبالغة في النزعة العسكرية، وزيادة في التشدد الأميركي حيال .
أما رجال القانون العراقيون الذين يعكفون حالياً على إنجاز مسودة للائحة اتهامات بحق أبرز رموز النظام المخلوع، فقد أخبروا الأميركيين بأنهم لا يفضلون محاكمة صدام حسين والقيادات الأخرى في الخارج، ولكن داخل العراق، وأمام محكمة وطنية، وعلى يد هيئة قضائية عراقية، مشيرين إلى أنهم "لا يريدون تكرار نموذج محاكمة ميلوسوفيتش، حتى لا تستخدم كمنبر لأغراض دعائية"، من جانب من وصفوا بأزلام نظام صدام، على حد تعبير القانونيين العراقيين.
وهذا هو الرأي الذي ذهب إليه الدكتور احمد ابو الوفا أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، الذي اعتبر أنه من الافضل ان تتم المحاكمة داخل الاراضي العراقية، و بواسطة قضاه عراقيون محايدون، وان تتوافر لصدام ومن سيحاكم معه كافة الضمانات القانونية، لافتاً إلى أنه من حق أي متضرر شخصيا من الرئيس ان يرفع دعوى أمام المحاكم العراقية، خاصة في جرائم قد يكون قد امر بها شخصياً، أو حرض عليها، أو شجع على ارتكابها.