حسين كركوش
&
نشرت صحيفة عربية في لندن، يوم الخميس 18 كانون الأول الجاري، خبرا نقلته عن وكالة يونايتد بريس انترنشنال التي نقلته بدورها عن صحيفة عربية في بيروت، التي نقلته عن مصادرها في تكريت، ورد فيه ان " القوات الاميركية اتفقت مع احد مرافقي صدام، على وضع كمية من المخدر في الطعام المعد له، ثم تولت هذه القوات مداهمة المكان، بعد التأكد من سريان مفعول المادة المخدرة في جسد صدام ".
ومن جانب أخر، نشرت الصحيفة اللندنية نفسها ان صدام "طلب ان يصلي الفجر بعد اعتقاله بساعات وتزويده بسجادة ومصحف". وفي افتتاحية لنفس الصحيفة، رجح كاتبها "استخدام غاز الأعصاب لشل حركة صدام عند اقتحام الملجأ الذي كان يختفي في داخله".
وذكرت نوال إبراهيم الحسن، الأخت غير الشقيقة لصدام حسين ان أخاها صدام "لا بد انه تعرض للتخدير أو قنابل أعصاب تشل حركته. ولو كان في قواه العقلية والجسدية لقاوم حتى الموت. فهو ليس من الأشخاص الذين يسلمون أنفسهم بهذه الطريقة المهينة ". وكانت بنت صدام، رغد، قد قالت الشيء نفسه. ومثل نوال ورغد، رجح، أو بالاحرى أكد، خبراء عسكريون مصريون هذه (الواقعة)، كما ورد في بعض الصحف العربية.&
أما على مستوى ردود فعل الشارع العربي، فقد توفي عراقي يعمل في اليمن، ويبدو أنه من عاشقي صدام، أثر سماعه لنبأ الأستسلام. وماتت امرأة أردنية بالسكتة القلبية، اثر مشاهدتها لصدام وهو يفتح فمه للجنود الاميركيين. وقد قدمت صحيفة أردنية، يوم الخميس 18 كانون الأول الجاري، الصورة التالية عن حالة الشارع المصري الذي يعتبر، كما نعتقد انوذجا مصغر للشارع العربي، فقالت: " على مستوى الشارع المصري لا يزال الكثيرون يرددون أو يراهنون كما يتوقعون أو يأملون ان ينجح رجال المقاومة العراقية في تنفيذ خطة لتهريبه (صدام حسين) بعد التأكد انه هو بالفعل المعتقل، حيث هناك رجالا يشبهونه تماما، وتم تزويدهم جميعا بدماء من الرئيس الأسبق حتى تتشابه وتختلط الأمور (على القوات الاميركية، بالطبع)عند فحص الحمض النووي ".
هل هذا كلام معقول، أو نصف معقول، أو يحمل ذرة، حتى ولو ذرة واحدة، من التفسير العقلاني، أم ان المخيلة (مخيلتنا نحن العرب، أو بعضنا، في أحسن أنواع التفاؤل) المحبطة، العاجزة، المريضة، حد العطن، هي التي تقف وراءه ؟
لماذا تعمد القوات الاميركية على تجنيد مرافقي صدام لدفعهم، بعد ذلك، على دس السم له، بدلا من تجنيدهم على قتله. فإذا كان مرافقو صدام قد تم تجنيدهم من قبل القوات الاميركية، فان هذا يعني أنهم أصبحوا على استعداد لفعل أي شيء يصدر اليهم. فلماذا لم يأسروه، أو يقتلوه، أو يفعلوا به ما تشاء لهم الأوامر الصادرة عن الذين جندوهم، ويجنبوا القوات الاميركية مشقة اقتحام المكان ؟
ثم، كيف يستطيع إنسان تم تخديره قبل لحظات، ان يطالب بأداء صلاة الفجر أو المغرب أو العشاء؟
وهل من حق صحيفة، يفترض أنها تحترم عقول الذين يدفعون ثمنا لشرائها، ان تنشر (حتى ولو على طريقة حدثنا فلان عن فلان عن فلان انه قال) ان رجالا يشبهون صدام تماما تم تزويدهم جميعا بدماء منه حتى تتشابه وتختلط الأمور عند فحص الحمض النووي، بدون ان تذكر رأيها أو تعليقها الشخصي؟
هل هذا كلام يستقيم مع العقل ؟ لا، بالتأكيد.
هذا هذيان ذهني، هذياننا نحن العرب المحبطون، العاجزون والمهزومون، لا أكثر ولا اقل. بل هو اكثر.
هذا كلام أمة في طريقها للانقراض.
هذا كلام يصدر عن مجاميع من المخصيين، سياسيا وثقافيا وحضاريا.
هذا كلام لمجاميع من المخبولين، الذين يفتخرون بهبلهم وبخبلهم، ويتباهون به.
ثم، كيف يستطيع إنسان تم تخديره قبل لحظات، ان يطالب بأداء صلاة الفجر أو المغرب أو العشاء؟
وهل من حق صحيفة، يفترض أنها تحترم عقول الذين يدفعون ثمنا لشرائها، ان تنشر (حتى ولو على طريقة حدثنا فلان عن فلان عن فلان انه قال) ان رجالا يشبهون صدام تماما تم تزويدهم جميعا بدماء منه حتى تتشابه وتختلط الأمور عند فحص الحمض النووي، بدون ان تذكر رأيها أو تعليقها الشخصي؟
هل هذا كلام يستقيم مع العقل ؟ لا، بالتأكيد.
هذا هذيان ذهني، هذياننا نحن العرب المحبطون، العاجزون والمهزومون، لا أكثر ولا اقل. بل هو اكثر.
هذا كلام أمة في طريقها للانقراض.
هذا كلام يصدر عن مجاميع من المخصيين، سياسيا وثقافيا وحضاريا.
هذا كلام لمجاميع من المخبولين، الذين يفتخرون بهبلهم وبخبلهم، ويتباهون به.
نفهم، نفهم بالتأكيد، ان تلجأ بنت أو أخت، لتبرير فعلة أبيها أو أخيها أو الشخص الذي تعشقه، أو تحبه، فهذا من شروط الكائن البشري. لكننا لا نفهم ان تقوم وسائل إعلام، يفترض أنها تخاطب، وتربي، وتؤسس لمعرفة وذائقة ألاف القراء، بافتعال مبررات يقصر الطفل الرضيع، حتى الطفل الرضيع عن فهمها، لواقعة اعتقال رئيس دولة عربية.
صدام حسين شخص عادي، وهو بشر، مثلما جميع أفراد البشر الآخرين، وليس نبيا، فلماذا نسبغ عليه، متطوعين، صفات الأنبياء، ثم إذا تصرف كبشر، فتشنا عن مبررات لتصرفاته (البشرية)؟
نحن المذنبون، وليس صدام حسين. صدام لم يقل يوما انه سيقاتل حتى الرمق الاخير. قال ان الشعب العراقي سيقاتل حتى النفس الأخير، والعرب ستقاتل حتى الرمق الاخير.
صدام حسين ليس خائنا. بل هو أكثر الناس صدقا مع نفسه، ومع الآخرين، ايضا. وليس ذنبه ان يجهل الآخرون شخصيته الحقيقية. ما من إنسان سوي في هذا الكون، مهما كانت منزلته، يتبرع قائلا للآخرين: "كفوا عن تبجيلكم لي، فأنا جبان، ولست شجاعا، كما تظنون".
صدام قدم الصورة الزاهية التي يريدها لنفسه عبر مؤلفات عديدة، كتبها مثقفون عراقيون وعرب وأجانب، لكن صدام لم يطالب، والحق يجب ان يقال مثنى وثلاثا ورباعا وخماسا وسداسا، أحدا بتصديقها. أما إذا كان هناك من صدقوا بما قاله صدام عن نفسه، فهولاء يتحملون وزرهم وحدهم.
&كذاب يروي، وكاتب مخصي يكتب، ويقبض الثمن، فأين الغريب في ذلك، وأين الاسثتناء ؟
وهل هذا حدث فريد في تاريخ المثقف العربي مع السلطة السياسية في امتنا العربية ؟ لو أن صدام نكث بوعوده ولم يدفع لكاتبي سيرته الذاتية أتعابهم بالدولار، لقال هولاء، فورا " لا تشتر صدام إلا والعصا معه". وقد قالها، فعلا، مثقفون عرب، بعد ان اختلفوا، ماليا، مع صدام حسين.
صدام حسين شخص عادي، وهو بشر، مثلما جميع أفراد البشر الآخرين، وليس نبيا، فلماذا نسبغ عليه، متطوعين، صفات الأنبياء، ثم إذا تصرف كبشر، فتشنا عن مبررات لتصرفاته (البشرية)؟
نحن المذنبون، وليس صدام حسين. صدام لم يقل يوما انه سيقاتل حتى الرمق الاخير. قال ان الشعب العراقي سيقاتل حتى النفس الأخير، والعرب ستقاتل حتى الرمق الاخير.
صدام حسين ليس خائنا. بل هو أكثر الناس صدقا مع نفسه، ومع الآخرين، ايضا. وليس ذنبه ان يجهل الآخرون شخصيته الحقيقية. ما من إنسان سوي في هذا الكون، مهما كانت منزلته، يتبرع قائلا للآخرين: "كفوا عن تبجيلكم لي، فأنا جبان، ولست شجاعا، كما تظنون".
صدام قدم الصورة الزاهية التي يريدها لنفسه عبر مؤلفات عديدة، كتبها مثقفون عراقيون وعرب وأجانب، لكن صدام لم يطالب، والحق يجب ان يقال مثنى وثلاثا ورباعا وخماسا وسداسا، أحدا بتصديقها. أما إذا كان هناك من صدقوا بما قاله صدام عن نفسه، فهولاء يتحملون وزرهم وحدهم.
&كذاب يروي، وكاتب مخصي يكتب، ويقبض الثمن، فأين الغريب في ذلك، وأين الاسثتناء ؟
وهل هذا حدث فريد في تاريخ المثقف العربي مع السلطة السياسية في امتنا العربية ؟ لو أن صدام نكث بوعوده ولم يدفع لكاتبي سيرته الذاتية أتعابهم بالدولار، لقال هولاء، فورا " لا تشتر صدام إلا والعصا معه". وقد قالها، فعلا، مثقفون عرب، بعد ان اختلفوا، ماليا، مع صدام حسين.
الغريب) نقول، " غريب "، هكذا، حتى بدون التفكير مليا بمعناها(هو، ان كثيرين منا لم يقرأوا، ولا يرغبون حتى بقراءة، ما كتب عن صدام، بطريقة أخرى، غير تلك الطريقة الملونة التي قدمها صدام عن نفسه. هذه نتف من نتف مما قيل بحق صدام، من وجهات نظر مغايرة:&
* الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر كان قد أخبر وزير الصناعة العراقي السابق، جواد هاشم، وصدام ما يزال، آنذاك، نائبا وليس رئيسا للعراق: " ولكن الواد صدام، إحنا عارفينو، ده طايش، وبلطجي " / جريدة الشرق الأوسط اللندنية في 1 كانون الأول الجاري. / وعندما يقول عبد الناصر هذا الوصف بحق صدام، فلأنه كان يستند، بالتأكيد، على معلومات قدمتها له المخابرات المصرية، بعد رصدها لشخصية صدام إثناء تواجده الطويل في القاهرة.&
&** حردان التكريتي، رفيق صدام وأحد الذين أوصلوه الى الحكم عام 1968، قال في مذكراته التي نشرت بعد اغتياله، من قبل صدام في الكويت: " كنا عصابة من اللصوص والقتلة تسير خلف مليشيات صدام للإعدام".&
&*** د. علي كريم سعيد، بعثي قيادي حتى أخر لحظة قبل وفاته، ذكر في كتابه)عراق 8 شباط 1963 من حوار المفاهيم الى حوار الدم. مراجعات في ذاكرة طالب شبيب (، دار الكنوز الأدبية 1999، صفحة 339:&
" قبل 18 تشرين الثاني 1963 تعاون الضباط البكر وحردان وطاهر يحيى وعماش والعلكاوي)ذياب(ورشيد مصلح ومحمد المهداوي وستار عبد اللطيف مع عبد السلام عارف لإبعاد القيادة المدنية لحزب البعث.)... (اما صدام التكريتي، فقد صعد مع بعض زملائه المحسوبين على البكر وحردان ظهر احدى الناقلات المدرعة التابعة للواء الآلي الثامن، وساهم في ضرب مقرات الحرس القومي، وكوفيء بتوظيفه في قسم الاستعلامات في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وطرد منها بعد مدة قصيرة، ولذلك سجل البعثيون الشباب عليه ذلك الموقف السلبي".
&**** وقبل هذه الواقعة التي حدثت في عام 1963، كان صدام قد مر باختبار اخر. ففي عام 1959 أختير في اللحظة الأخيرة، ضمن المجموعة التي نفذت عملية اغتيال رئيس الجمهورية، عبد الكريم قاسم. بعد انسحاب مجموعة الاغتيال، ومعهم صدام، الى بيت حزبي سري، فان صدام هو الوحيد من أفراد المجموعة الذي رفض البقاء مع رفاقه وتركهم يواجهون مصيرهم لوحدهم، وفضل هو النجاة بجلده.
***** وبعد تلك الحادثة، أي عام 1965، عندما داهمت قوة من الشرطة مقرا سريا كان يختفي في داخله صدام حسين، فان صدام استسلم بسهولة لم يتوقعها احد، الى حد انه رمى بعلبة سكائره على الأرض، وتقدم أفراد الشرطة الى السيارة التي كانت تنتظرهم، في طريقها الى مديرية الأمن العامة.
&ولكن عندما أصبح صدام على رأس السلطة، وجد من يكتب له سيرته الذاتية، فكانت رواية "الأيام الطويلة"، التي تحولت الى فيلم سينمائي. وفي هذه الرواية قلبت الحقائق على رؤوسها، أو على أرجلها، مثلما يريد صدام. ثم جاء كتاب السير الذاتية، فدبجوا ملاحم جديدة عن صدام. وبعد هولاء واولاءك، تقدم الشعر العربي، زجلا، وفصيحا، ومقفى وحديثا، فأدلى، كعادته، بدلوه، وقدم لنا صدام حسين، قاب قوسين أو أدنى من الرب، تبارك وتعالى.
ولأننا أمة مهزومة، أدمنت على زيارة قبور الصالحين والأولياء، ليس تبركا وتدينا، وإنما طلبا للشفاعة، أمسكنا بتلابيب صدام، وتوسلنا إليه، خاشعين وقائلين: الغوث، الغوث يا أبا حلا. يبس حرثنا، فأرسل لنا مطرا مدرارا. مات نسلنا، خجلا، من انتصارات إسرائيل، فأرسل الى عاصمتها صواريخ سكود تدكها دكا. عاثت أمريكا فسادا في أراضينا، فاحرق قواتها في حفر الباطن بنيرانك.
وكان الولي، الصالح، البطل صدام حسين يلبي طلبات الجماهير العربية، مطلبا بعد أخر، ولكن على طريقته الخاصة، طريقة " الواد صدام البلطجي، الطايش ". كيف ؟
قال له جيمس بيكر، وزير خارجية أميركا، عندما قابل طارق عزيز، قبل ليلة واحدة من بدء حرب الخليج الثانية: "إذا استخدمتم ما لديكم من أسلحة كيميائية خلال الحرب، فان حكومتكم الحالية لن تبقى في مكانها". وكان جواب "الواد صدام البلطجي، الطايش" عقلانيا وحكيما ومتوازنا، دون أي ذرة من الطيش، بعد ان أدرك ان محدثه الاميركي، أكثر "بلطجية" ألف مرة منه. لا أسلحة كيميائية، ولا حرق لنصف إسرائيل، ولا لربعها، ولا حتى لميلم واحد من أرضها. كل ما فعله الواد الطايش صدام هو، ان أرسل "خرطوش" من صواريخ سكود، نفعت إسرائيل، ألف مرة أكثر مما اضرتها.
وكانت تلك الصواريخ هدايا من الولي الصالح صدام لمريده وأتباعه، المتعطشين لأي انتصار، حتى ولو كان على أيدي الولد الطايش البلطجي صدام، فكانت زغاريد أمهاتنا تتردد من المحيط العربي حتى الخليج العربي.
واتفاقيات خيمة صفوان، بعد انتهاء الحرب؟ ذلك هو النصر المبين. أو أليس صدام ظل حيا يرزق؟ ألا يكفي ذلك؟ نعم، يكفي، ألف مرة.
وقبوله، لاحقا، بدخول مفتشي الأمم المتحدة الى مخدعه الزوجي؟ ذلك هو الفتح الكبير. فكل ما نبحث عنه، نحن المخصيون، هو رؤية "بطل" يتمايل متمخطرا في مشيته، حتى لو كان الواد البلطجي، صدام.
وقبوله، لاحقا، بدخول مفتشي الأمم المتحدة الى مخدعه الزوجي؟ ذلك هو الفتح الكبير. فكل ما نبحث عنه، نحن المخصيون، هو رؤية "بطل" يتمايل متمخطرا في مشيته، حتى لو كان الواد البلطجي، صدام.
وهذا الذي يفتح فمه للبيطري الاميركي؟ لا، هذا ليس صداما. نعم، هو صدام، ولكنه تعرض للتخدير. لا، هو صدام الحقيقي، لم يخدره أحد، لكن رجال المقاومة العراقية سينجحون في تهريبه من أسره.
هكذا ستظل تدور، أبديا، أسطوانة الهزيمة، ولن يوقفها إلا أمران اثنان، لا ثالث لهما: اما ان نفتح، نحن العرب، أفواهنا وبيوتنا وعقولنا لهواء الديمقراطية، ولصناديق الانتخابات التي تأتي بمن تشاء الى الحكم، بدون شجرة نسب ولا ألقاب ولا مسميات، أو ننتظر الأطباء البيطريون الأجانب، يفتحون، آنا رغبوا، أفواهنا، كما يفعلون مع الدواب.
التعليقات