حسام عبد القادر من القاهرة: مثلما فرح الكثيرون من الناس بالقبض على صدام حسين ورؤيته وهو فى وضع الأسير المهين، حزن آخرون وتمنوا لو لم يروه فى مثل ذلك الموقف ولكل جانب أسبابه ودوافعه. و في الحالتين تتعدد الأسباب سواء كان الرأى سياسياً أو عرقياً& أو حتى عاطفياً مثل& موقف زنوبة على الخشخانى زوجة العالم المصرى الشهير الدكتور يحيى المشد الذى اغتيل فى باريس بسبب اشتراكه فى إنشاء المفاعل النووى العراقى.
بعد حرب يونيو (حزيران)& 1967 توقف البرنامج النووى المصرى ، ووجد كثير من العلماء والخبراء المصريين فى هذا المجال أنفسهم عاطلين عن العمل أو يتعذر عليهم مواصلة الأبحاث فى مجالهم. وبعد حرب أكتوبر 1973 أعطيت الأولوية لإعادة بناء المصانع ومشروعات البنية الأساسية وتخفيف المعاناة عن المصريين الذين تحملوا سنوات الصمود وإعادة بناء القوات المسلحة من أجل الحرب، وبالتالى لم يحظ البرنامج النووى المصرى فى ذلك الوقت بأي إهتمام.
مع مطلع عام 1975 كان صدام حسين نائباً للرئيس العراقى وكانت لديه طموحات كبيرة لامتلاك كافة أسباب القوة والمعرفة& فوقع فى 18 نوفمبر عام 1975 اتفاقاً مع فرنسا للتعاون النووى. ومن هنا جاء عقد العمل للدكتور يحيى أمين المشد، الذى يعد من العرب القلائل البارزين فى مجال المشروعات النووية، وقتها وافق المشد على العرض العراقى لتوفر الإمكانيات والأجهزة العلمية والإنفاق السخى على مشروعات البرنامج النووى العراقى. لكن فى يوم الجمعة 13 يونيو عام 1980 عثر على الدكتور يحيى المشد فى الحجرة رقم 9041 بفندق الميريديان بباريس، حيث كان نزيلاً هناك، وهو جثة هامدة مهشم الرأس، والسجادة تغطيها الدماء.
أسباب مقابلة صدام حسين
تحكى زوجة المشد عن أسباب زيارتها للعراق بعد الوفاة بشهرين والسبب وراء مقابلتها لصدام حسين فتقول " ذهبت أنا ولمياء ابنتى للبحث عن حقوقنا, وبالفعل قوبلنا هناك بكل ترحاب، وطلبت مقابلة صدام حسين، وفوجئت بالموافقة على طلبى وكنت أعتقد أنها صعبة، وقابلنى أنا ولمياء بترحاب شديد جداً، وقال إنه كان يتمنى أن يتم دفن يحيى المشد فى العراق، لكن بناء على رغبتنا وافق أن يدفن فى مصر، وقال إن العراق مسؤول مسؤولية كاملة عن المشد وأننا أولاده، وأى طلبات لنا ستتم الاستجابة لها فوراً.. فطلبت أن أعيش فى مصر حياة كريمة تليق بمستوى يحيى المشد، فمنحنى منزلاً، ومنح كل ولد وبنت 300 ألف دينار، وقرر لنا معاشاً شهرياً مدى الحياة , وأبلغني المسؤولون العراقيون إن كل الإجراءات ستتم بالتنسيق مع السفارة العراقية بالقاهرة، لكن الأولاد لم يحصلوا على المبالغ المذكورة بسبب الحرب العراقية الايرانية ، والشئ الذى تم بالفعل هو منحنا منزلاً ومعاشاً استمر حتى حرب الخليج ثم توقف، وقتها قال لى القنصل العراقى إن الظروف صعبة جداً بالعراق، ووعدنى باستئناف صرف المعاش بعد تحسن الأحوال فى العراق لكنها طبعا ازدادت سوءا وخاصة بعد التدخل الأمريكى& .
أوتضيف قائلاً " أحببت صدام حسين وأحسست أنه حريص علينا وعلى مستقبلنا وجعلنى أرتاح نفسيا أنا وأولادى وأطمئن على مستقبلى ومستقبلهم ، ورغم أننى لم ألتق به إلا مرة واحدة إلا أننى لا أنسى وقفته معنا وحزنت جدا عندما رأيت صورته وهو أسير لا حول له ولا قوة وتمنيت ألا يكون هو صدام مثلما يقول البعض ولم استطع القول إلا "لا حول ولا قوة إلا بالله وحسبى الله ونعم الوكيل "
لكن كيف تلقت زوجته السيدة زنوبة على الخشخانى نبأ اغتيال زوجها ؟ تقول: جاء الي مندوبون من هيئة الطاقة الذرية بالعراق وقالوا لى إن المشد أصيب بذبحة صدرية، فلم أصدق قلت لهم: لا يمكن& يحيى كانت صحته جيدة جداً، ولم يكن مصاباً بأى مرض من أى نوع، وهو لا يدخن، ولا يشرب, وكنا فى ذلك الوقت جهزنا حقائبنا للعودة إلى مصر، حتى أثاث المنزل كان قد جمع لأننا كنا سنترك الشقة نهائياً. وكان سفره إلى فرنسا مفاجئاً، وسمعته يقول فى الهاتف إن هذا العمل يقوم به أى مهندس صغير، ثم أغلق السماعة، وكان متوتراً، ولما سألته قال إنه سيسافر إلى فرنسا، وعندما اعترضت أراد أن يرضينى وقال إنه سيرسل في طلبي لأذهب إليه فى فرنسا لاستريح قليلاً ثم نعود إلى مصر.. وعرفت بعد ذلك أن السر وراء سفره هو التأكد من صلاحية اليورانيوم الذى سوف تأخذه العراق، وكنت أعتقد أنه ذاهب ليحضر ماكينات للعمل وليس مواداً مشعة.
*هل كان يحيى المشد يحكى لك عن اية مشاكل تواجهه فى عمله؟
أبداً. يحيى كان كتوماً للغاية، ولا يشرك أحداً فى عمله، وخاصة أننى لا أفهم عمله، وكان دائماً هادئاً وحريصاً ولم يخطر ببالى إطلاقاً أن يتم إغتياله بسبب عمله!
*لماذا سافر يحيى إلى العراق ولم يستمر بالعمل فى مصر؟
عندما بدأ الأولاد يكبرون وجدنا أن مستوانا المعيشي غير ملائم للمكانة العلمية، ففكرنا& فى السفر إلى أى بلد عربى، واتجه تفكيره إلى العراق لعلمه بوجود مفاعل نووي هناك. وذهب إلى بغداد للمشاركة في أحد المؤتمرات وقدم أوراقه إلى الجامعة التكنولوجية بالعراق عن طريق صديقه دكتور منير هلال، وبالفعل تم قبوله للتدريس. وكان يود ألا نذهب معه وقال لي إن الحياة صعبة وظروف المعيشة قاسية، ولكننى تمسكت بالذهاب معه.
&أقمنا في بغداد منذ عام 1975 , وبعد مضي خمس سنوات طلب من جامعة الإسكندرية مد الإعارة سنة إضافية، لكن طلبه قوبل بالرفض، وكانوا بالعراق يريدونه فى هيئة الطاقة، فطلب منهم تحديد عرض محدد لأنه مهدد بالفصل من الجامعة بالإسكندرية، ثم توصلوا إلى عرض يرضيه وقالوا له سوف نعوضك مادياً بعد ذلك.
الفتاة الفرنسية.. أكذوبة
*ما رأيك فيما يقال من أن المشد كان على علاقة بفتاة فرنسية وكانت هى السبب فى مقتله؟
هذا غير صحيح على الإطلاق، وقد سألونى فى هذا، وقلت إننى أتحدى أن يثبت أحد ذلك، فقد كانت أخلاقه فوق مستوى الشبهات. كان زوجاً وأباً مثالياً ، وأنا أعرف يحيى جيداً منذ صغره لأنه ابن عمتى قبل أن يصبح زوجى، وتربينا سوياً، وتزوجنى وأنا عمري 17 عاماً، كنت صغيرة ولم نقم بحفل زفاف بسبب سفره لبعثة فى موسكو.. كان إنساناً ملتزماً إلى أقصى الحدود.. و ما قيل مجرد شائعات لا أساس لها من الصحة.