الدكتور خليل أبراهيم آل عيسى
&
&

تميزت النخب الرسالية من الأصلاحيين والكفاءات العلمية في تجارب الأمم القديمة والحديثة بدور رائد في ظهور الحضارات والمدنية ومختلف العلوم وكان لها الحسم المباشر في تطور الفكر والمناهج التربوية ومنذ أزدياد تعقد الثقافة في حضارات النيل ووادي الرافدين الى التنظيم الأجتماعي للمجتمعات ثم الى أبتكار وسائل جديدة لتأمين حياة الناس والدفاع عنها وتمثلت حقا بتوفير الغذاء والمعرفة والأمن.
ومن نتاجات الأبداع الأنساني وضع اللبنات الأولى للتعليم العالي والبحث العلمي في القرن الرابع قبل الميلاد على شرف فلاسفة اليونان العظماء أمثال أفلاطون وأرسطو وغيرهم في المراحل اللاحقة وما تركت هذه آثارا مشرقة المعالم وليومنا هذا في نظرياتهم في التربية والفكر التربوي عبر العصور الوسطى والخلافة الأسلامية.
أبدعت المجتمعات الأوروبية التي عانت مرارا من حروب عالمية كارثية مدمرة في بناء العقل السياسي الذي يعي حاجات وهموم الوطن والذي نجح بدوره الأعتماد على مؤسسات المجتمع المدني في ترسيخ نظام ديمقراطي يستمد حيويته في نشر ثقافة الديمقراطية والحرية والمساوات من خلال العمل الدؤوب في تنظيم الجهد الأجتماعي وتدعيم سلطة الشعب وبشكل تعددي يعكس أطياف وشرائح المجتمع وعبر الخمسين سنة الماضية نجحت بدفع النخب العلمية المتخصصة التكنوقراط الى اعتلاء مناصب الدولة الهرمية في السياسة والتخطيط وهذا ماحقق لها مدنية حديثة يتسارع فيها التطور العلمي والتكنلوجي ويكون رفاهية الأنسان أحد أهم اهدافها وأصبحت من الدول الصناعية الثمان في العالم.
&اصبح جهاز الدولة عاملا حيويا في حياة الأنسان المعاصر لتنظيم الواجبات والحقوق وتوفير الخدمات ولذا لابد أستثماره بشكل ينظم حياة المجتمع ويحميه من الأنحدار نحو الأزمات الخطيرة التي تهدد الأمن والأستقرار.
& تعرض المجتمع العراقي الى أزمات خطيرة مروعة ولفترة قاربت الثلاثة عقود ونصف نتيجة تسلط الدكتاتورية الصدامية الدموية البائدة على العراق شعبا ودولة وللقسوة المنظمة الشاملة التي أستهدفت كل شيء فنشرت في العراق التخلف وثقافة العنف والعبودية للحاكم ونتيجة تراكم ظاهرة الأستبداد والتعسف والقتل المنظم لرموز الشعب الوطنية ومعارضي النظام فقد تولدت لدى العراقي النخبة مشاعر الظلم والأستبداد والتعسف وولدت أطياف سياسية عراقية معارضة من رحم الشعب العراقي وضميره ووجدانه ولكنها ولادة قيصرية غير طبيعية في جو الحروب والكبت والأغتيالات والمطاردة وبهذه الأجواء تم تشكيل معظم حركات المعارضة العراقيية في الداخل والخارج في ضوء الهاجس الأمني والعمل السري وهذا مما أدى الى أنعدام الهيكلية والتنظيم في تشكيلة هذه الحركات بل أقتصر على تمثيل القيادات الوسطية أو عاملين متصدرين للنظام هنا وهناك كقنوات أتصال بين القيادات السياسية وشتات العراقيين في بلاد المهجر.
إن سقوط الدكتاتور صدام& في 9 نيسان 2003م على يد التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وضعت الشعب العراقي وبقيادة أعضاء مجلس الحكم الموقر الذي أنبثق من معظم أحزاب المعارضة العراقية أمام مهام وتحديات وطنية حاسمة ومصيرية تمثلت بالنقاط التالية:
1- بعد تعرض فلول النظام البائد الى هزيمة نكراء أنتشرت مع أسلحتها وسمومها بين المواطنين العزل ويضاف هذا عشرات الألاف من المجرمين واللصوص الذي أطلق سراحهم النظام قبل بدأ حرب الأطاحة وكذلك تلك الألوف من المرتزقة من وراء الحدود كلها شكلت ملفا أمنيا معقدا ومهمة عسيرة في ضوء أنعدام القوات المسلحة من الجيش والشرطة وهما في طور الأنشاء وتتطلب تكاتف الجهود الوطنية والدعم الدولي والأدارة الحكيمة وبخبرات عراقية يتم تنظيف البلد منهم والضرب بقوة وحزم ولابد الأشارة هنا أن الدول التي خرجت منتصرة أو مهزومة من الحرب العالمية الثانية كفرنسا أحتاجت فترة 5 سنوات لتنظيف بقايا وأتباع حكومة فيشي النازية وهذا لنفس الغرض حدث لليابان وألمانيا وأيطاليا وأسبانيا& .
2-& من تجارب حكم الدكتاتورية للشعوب في التأريخ عند سقوط صنمية الدكتاتور تسقط دولة الحزب الواحد وثقافتها والمنتفعين من حولها وهذا ماحصل للدولة العراقية التي تأسست عام 1921م قد سقطت بعد ما تسلط عليها أقسى وأجبن دكتاتور في التأريخ وتشكل مهمة بناء دولة عراقية معاصرة حيوية ومشروع وطني مصيري يحتاج الى تعبئة كافة أبناء العراق الغيارى في الداخل والخارج لايستثنى أحدا ويتطلب التنظيم الشامل للجهد الوطني والثروات والدعم الدولي وتهيئة مقومات الأمن والأسقرار لأجل الشروع بتحويل العراق الى ورشة عمل للبناء وأعادة الأعمار وهذا لايمكن أن يتم ألا من قبل أدارة الحكومة العراقية القادمة من التكنوقراط لأجل البنى التحتية في التصنيع والزراعة والبيئة ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها.
3-هناك وجود قوات التحالف في العراق وفقا لحرب اطاحة الدكتاتور صدام المهزوم التي بدأت في آذار 2003م وأنعم العراق والعراقيين نعمة الخلاص من عتق الحكم البعثفاشي وآل المجيد وأصبح العراقيين أحرارا وأشرقت شمس الأمل والعمل على بناء عراق حر ديمقراطي وأن هذه القوات الحليفة عليها أستحقاقات في القانون الدولي وخصوصا في تنفيذ وعودها لنا بالدعم والعمل معا في بناء العراق وأعادته الى المجتمع الدولي وألغاء أو تخفيض ديونه والعراق سيحتاج الى دولة ضامنة للحفاظ على النظام الديمقراطي الجديد ولابد أن يكون شراكة استراتيجية بين العراق ودول التحالف لأجل الأسراع في عملية البناء والتطوير وأن الأتفاق تسليم السلطات في حزيران 2003م خطوة بالأتجاه الصحيح .

اخفاقات المعارضة العراقية السابقة
لايوجد على وجه الأرض أمما وشعوبا عانت مما عانى منه الشعب العراقي المظلوم من حيف وظلم حظى بتعتيم أعلامي غربي-عربي ولم يكن ألا صوتا خافتا يطلقات صرخات الشعب العراقي هنا وهناك وعلى لسان كافة العاملين الحركين في المعارضة العراقية في بلدان المنافي بكافة أطيافها الأسلامية والقومية والكردية ولابد لنا أن نشيد بتضحياتها الجسام بل كانت حقا مشاريع للشهادة ولكنها تشبثت وثبتت على مبادئ الحرية والديمقراطية ومقارعتها دكتاتورية صدام البائد ولكن الدعم الدولي لها كان معدوما حسب معركة المصالح الدول مع نظام صدام البائد .
لكننا اليوم بعد زوال صدام المجرم يمكننا أن نتحدث بحرية ونشخص أخفاقات حركات المعارضة العراقيية بأستثناء الحزبين الكردين الذين اصبحا اليوم اكثر نضجا سياسيا وخبرة وقراءة للسياسة الدولية ببراعة وقد كانت تجربة الأدارة الكردية في صلاح الدين وسليمانية مفيدة أستراتيجيا لوحدة العراق& حاليا واللعب بشكل محوري لتهيئة العقل السياسي العراقي الى الألتزام بمتطلبات هذه المرحلة ورسم شكل العراق القادم في مقابل حركات عراقية لم تمر بتجربة الحكم أطلاقا.
&أخفقت المعارضة العراقية ولغاية 9نيسان 2003م في تنظيم وتعبئة النخب العراقية اللاجئين& ذات الكفاءات والخبرات لصالحها على الأقل لتشكل منها لجان تقوم بصياغة برامج سياسية حزبية حقيقية تتناول بناء واعادة اعمار العراق في مرحلة مابعد صدام ولكن الحقيقة السياسية المرة هي ولحد مؤتمر لندن الذي تم تشكيل لجنة المتابعة والتنسيق.
فلن تتحرك هذه الحركات على الكفاءات العراقية وبالعكس فقد تحركت امريكا وعبئت اكثر من ثلاثمائة كفاءة عراقيية وهذا يعود الى العقل السياسي العراقي المعارض الذي أختصر حركية احزاب عريقة تقودها شخصيات حركية جهادية وطنية لامعة تمثيلها في ألخارج عدد لايتراوح أصابع اليد وهؤلاء سقطوا في فخ الأحتكار لمواقعهم ولو نلاحظ قطارات العودة يد بيد التي طالما وعدونا بها منذ عشرون سنة& تحولت في لحظات الى تلفونات عودة وبطاقات مدفوعة وبنفس الوجوه هؤلاء تركوا وراؤهم انصارهم في الشتات العراقي الكبير وعندما دخلوا العراق فأكتشفوا أن تقارير عراق الداخل التي كانت المادة الرئيسة في ثقافات المعارضة لاتعكس اليوم ولاء وميول وتوجهات الشعب العراقي وظهور تيارات منافسة قوية ويضاف الى ضوابط وشروط قوات التحالف كلها جعلت من العقل السياسي العراقي في العراق خاضعا الى اللعبة السياسية المحلية والدولية وليس هو المبادر وصاحب الميدان السياسي وهناك توجه جديد مفروض عليها الأستعانة بالجهاز الأداري والحرس القديم للسلطة الدكتاتورية في كافة أدارات مرافق الدولة الحيوية وهذا ماحدث فعلا في أدخال 1000 عنصر من الحرس الجمهوري في وزارة الداخلية الجديدة وأعادة الكفاءات العلمية التي عملت في برامج أسلحة الدمار الشامل العراقية الى الجامعات ومراكز البحث العلمي وغيرها .
وهذا لايمكننا أن نفسره ألا ان هذه الحركات المعارضة سابقة ومنذ ولادتها تحت هاجس الأبادة والمطارة الصدامية فكان الشعار المرفوع كيف الحفاظ على رمز القيادة والعاملين ذات القيادة الوسطى ولهذا فهي لن تمارس قط داخل مؤسساتها الضيقة وأتباعها من الجماهير اي ممارسات ديمقراطية وهناك خلل في ثقافة وممارسات هذه الرموز التي لن تعرف الممارسة الديمقراطية داخل حركاتها فكيف نطالبها بشئ تفقده عندما تستلم زمام الحكم وشاهدنا حقا النزعة الحزبية والفئيوية والطائفية في تصريحات وقرارات التعيين في الدولة العراقيية الجديدة بعيدة تماما عن الشفافية وعندما تتراكم هذه الظاهرة العراقية القديمة الجديدة سيكون لدينا جيش ثلاثة ملايين يسمون بجيش ولد الخايبة في المنافي.
&على العقل السياسي العراقي الذي سيحكم العراق أن يسلم الى حقيقة أن& دكتاتورية صدام البائد نالت من العقول العراقية في العراق اكثر من اي مجال فعليها ان تضع امامها جدل ضمانة الديمقراطية بلجوؤها الى تعبئة النخب العراقية العلمية الأصلاحية التي عانت المنافي وتعايشت في مجتمعات تتربع& عليها قيم وممارسات الديمقراطية والحريات وأحترام حقوق الأنسان ولذا نهيب بمجلس الحكم أن يقوم باعداد خطط وطنية وبأجندة زمنية مناسبة لعودة النخب العلمية المهاجرة ووفق خطة تتوافق مع حاجة المؤسسات العراقيية ولنبعد عنا هاجس الخوف من خسارتنا الى هذه الخبرات العراقية التي لاتعوض الى الأبد.
باحث أكاديمي في العلوم النووية
مقيم في فرنسا
&&